نظرة المجتمع الدونية أكبر مخاوف المصابة
الطلاق أسهل الحلول للتخلص من عبء التكفل بالمريضة
تكفل العائلة النفسي بالمريضة يمنحها قوة التشبث بالحياة
«امرأة منتهية الصلاحية»... وسم اجتماعي يجب محاربته
ارتبط اسمه باللون الوردي الذي يرمز للحياة والأمل رغم كل ما يحيط به من معاناة نفسية، اجتماعية وصحية، سرطان الثدي مرض تجاهد المصابة به حتى لا يأخذ منها فرحتها وكينونتها كأنثى وامرأة كان اسمها قبل الاصطدام به مرادفا للجمال وسلامة الجسم، تنقل لكم «الشعب» شهادات نساء هنّ في صراع يومي مع المجتمع من أجل إثبات أنهن ما زلنّ كما كنّ سابقا «نساء» لم تنتهي صلاحيتهن الاجتماعية بعد.
نجية.س، سيدة في عقدها الخامس، خضعت في السنة الماضية لعملية استئصال الثدي بعد معاناة طويلة مع المرض، سألتها «الشعب» عن رحلتها مع هذا الداء فأجابت:»كانت إصابتي بالمرض محتملة بعد إصابة والدتي وشقيقتاي به قبلي فالأمر بالنسبة لي كان مسألة وقت فقط وبالفعل السنة الماضية تم تشخيص حالتي إيجابية وتطلب الأمر استئصال ثدي ورغم أنني مررت بالتجربة في الوسط العائلي إلا أنني لم أتقبل رؤية ذك التشوه الذي أصبح واضحا في جسدي».
ثلاثون سنة من العشرة لم تشفع لها
وأضافت نجية قائلة: «ربما يتساءل البعض لماذا وصلت إلى مراحل متقدمة من المرض حتى خضعت لعملية استئصال، الحقيقة أن خوفي من المرض جعلني أتهرّب من إجراء أي فحوص لمراقبة حالتي الصحية خاصة مع بلوغي سن الأربعين الذي ينصح فيه الأطباء بإجراء «ماموغرافي» بصفة دورية لمراقبة أي أعراض محتملة للمرض، بل كنت أكذب على والدتي عندما تسألني إن أجريت التحاليل اللازمة، و السبب بسيط جدا ولعل الكثير من النساء مثلي، فعندما تقدم بي السن ولم أتزوج شعرت بإحباط كبير واقتنعت أنني امرأة فاشلة ولا تصلح لتكون زوجة وسبحان الله عندما كتب لي أن أتزوج في سن التاسعة والأربعين أصبت بالمرض، في بعض الأحيان أقول يا ليتني لم أرتبط».
واستطردت نجية قائلة: «عندما تلمحين نظرات الاشمئزاز في عيني زوجك ستدركين أنك فقدت أهليتك كأنثى، فمع منظر جسمك بعد عملية الاستئصال ومع سقوط خصلات الشعر الأول بعد العلاج الكيميائي ستحتاجين من يرمم كسورك ويداوي جروحك وإلى من يقول لك أنت كما عرفتك من قبل، امرأة وفقط».
خوفها أوصلها إلى الاستئصال
حورية سيدة تخضع للعلاج الكيميائي في مصلحة «بيار وماري كوري» بمستشفى مصطفى باشا منذ ما يقارب السنة، خضعت لعملية استئصال لثدييها ما جعلها تدخل في دوامة حقيقية بسبب المرض الذي جعلها تتنقل بصفة دائمة من المنطقة الداخلية التي تقطن بها ما أثر سلبا على يومياتها وحياتها بصفة عامة التي تغيرت رأسا على عقب بعد العملية، تحدثت إلى «الشعب» عن معاناتها قائلة:» أنا أم لأربعة أبناء أكبرهم يدرس في جامعة هواري بومدين بباب الزوار أما أصغرهم فمقبل على شهادة التعليم المتوسط، لن تصدقي إن أخبرتكم أنهم من منحوني القوة والجرأة لأتقبل المرض وأحارب من أجل الحياة، وهم من كانوا سندي عندما تخلّى عني زوجي بعد ثلاثين سنة من الزواج لأنني لم أعد المرأة الجميلة لذلك فضّل الارتباط بأخرى أصغر رغم اعتراض العائلة، كانت صدمتي بردة فعل زوجي ضربة قاسمة وقوية جعلتني انهار كليا، فالمرض بالنسبة لي امتحان رباّني رضيت به وأحمده على كل شيء ولكن نكران العشرة ورميي بهذه الطريقة المذلّة جعلاني أشعر أنني امرأة خدعت في زوجها طوال السنوات التي عشناها معا ولكن أبنائي أعادوا لي الأمل في حياة أعيشها بكل تفاصيلها وإن غلب عليها الألم».
أضافت حورية قائلة:» كان أول ما فعلة ابني عند إصابتي بالمرض هو استئجار منزل في ضواحي العاصمة حتى يقلل من عبء التنقل من القرية التي أعيش فيها إلى العاصمة، في بداية الأمر كنت خجلة منه بسبب حساسية المكان الذي أصيب ولكنه جعلني أتقبل المرض وأفكر في غدٍ أفضل بل أكثر من ذلك مع مرور الوقت أصبحت أُلملم جراحي وأبني في مخيلتي حياة جديدة ومتجددة أكون فيها السيدة الأولى».
الكشف المبكر أنقذني
سليمة، لا يتعدى سنها 39 سنة رغم محاولتها التهرّب من التحدث عن تفاصيل تجربتها مع أعراض المرض إلا أنها في الأخير صرّحت قائلة:»على خلاف الكثير من السيدات اكتشفت المرض في مراحله الأولى ما أعطاني فرصة ذهبية لتفادي عملية الاستئصال التي غالبا ما تكون الحل الإستعجالي لمواجهة الداء، فبعد شعوري بألم في صدري ذهبت إلى طبيب عام نصحني بإجراء تحاليل طبية كشفت نتائجها عن إصابتي بسرطان الثدي، كان الخبر صاعقا في البداية خاصة وأنني لا أملك أي معلومات عنه سوى أنه السبب وراء طلاق صديقتي وأنه السبب وراء استئصال الثديين، ولكن طمأنني الطبيب المختص وأعلمني أنه في مراحله الأولى ما يجعل هذا الحل مستبعدا، وبالفعل اتبع العلاج منذ شهور وأنا أشعر أنني أتحسن، فمع مرور الوقت بدأت تزول أعراض المرض، ولكن علي بالمراقبة المستمرة حتى وإن شفيت».
المراقبة الدورية أهم خطوة للشفاء تتجاهلها النساء
نصيرة شرقي طبيبة مختصة في التخذير بمستشفى مصطفى باشا الجامعي سألتها «الشعب» عن المرض فقالت:» في أغلب الحالات المرضية يكون العامل النفسي الأكثر تأثيرا على المريضة خاصة وأن المجتمع يكرّس الصورة النمطية للمرأة التي تكون كاملة بلا عيب، وسرطان الثدي ما هو ظاهر من اسمه مرتبط بجزء مهم من جسم المرأة وأحد المعايير الجمالية والمقاييس التي تؤسس لوصف»جميلة، مرا ونص، كاملة» لذلك كانت صيغته الاجتماعية في كونه مرضا يمس المرأة في كينونتها كأنثى ما جعلنا نشاهد حالات طلاق كثيرة بسببه وكذا تحطم عائلات بعد سنوات طويلة بسببه.
ولعل تأخر المرأة في الفحص والتشخيص بإجراء «الماموغرافيا» يعود إلى خوف دفين داخلها من الإصابة به، فبعضهم يصلنّ إلى مراحل المرض الأخير التي يتورم فيها الثدي ويلتهب دون اللجوء إلى الطبيب وعندما تسألها عن السبب تقول إنها لم تستطع مصارحة أحدهم بما تعانيه من أعراض وألم تجيب أنها لا تحب النظرة الدونية التي يرمقها بها المجتمع بعد اطلاعه على سرها، فإن كانت آنسة تخاف ألا يرتبط بها أحد بسببه وإن كانت زوجة تخاف رمي زوجها لها.
والأكيد أن العلاج الصحي لحالة المرضى أسهل بكثير من العلاج النفسي لأن الإحباط والخضوع للمرض يجعل الدواء غير قادر على إعطاء النتائج المرجوة منه، لأنه لا يتغلغل إلى أعماق النفس التي كثيرا ماتنهار للصدمة التي تتعرض لها المرأة خاصة المتزوجة من المحيط الذي تعيش فيه.
في المقابل على المرأة أن تعي الخطر المحدق بها خاصة وتعرف أن عدد الإصابات بسرطان الثدي في تزايد مستمر، و أن تدرك أنها ليست بمنأى عن الإصابة لذلك عليها بالمراقبة المستمرة وإجراء فحوصات دورية للكشف عن المرض ويجب أن تعلم أن المؤسسات الإستشفائية توفر الماموغرافيا مجانيا لذلك يجب إلا تدخر جهدا في سبيل إجراءه، فالإحصائيات الأخيرة كشفت عن 11 ألف حالة جديدة في السنة الحالية وأغلب تلك الحالات المسجلة يتم الكشف عنها في مراحل المرض المتقدمة ما يعني أن أغلبها ستخضع لعملية استئصال وهذا سيكون له أثر سلبي على صحة المريضة ونفسيتها.
كما يجب أن تعلم المرأة أنه بإمكانها اتباع طرق للوقاية من المرض كاللجوء للرضاعة الطبيعية، فاللواتي يرضعنّ أطفالهن رضاعة طبيعية هنّ أقل عرضة للإصابة بالمرض، المحافظة على وزن مثالي وصحي وممارسة الرياضة يوميا لمدة 20 دقيقة على الأقل وكذا الابتعاد عن العادات السيئة التي تضر بالجسم كالتدخين والكحول، دون أن ننسى المراقبة الدورية بزيارة الطبيبة بصفة منتظمة حتى تتمكن من اكتشاف المرض في مراحله الأولى ما يمثل نسبة قوية للشفاء.
بلحريزي أمينة: علموها كيف تعيش اللحظة
قالت بلحريزي أمينة، المختصة في التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، إن مريضة سرطان الثدي تدخل في حالة من الاكتئاب الحاد عند اكتشاف إصابتها قد يصل إلى محاولتها الانتحار خاصة عندما تبدأ علامات المرض بالظهور كاصفرار البشرة وسقوط الشعر وما يزيد من معاناتها نظرة المجتمع لها والتي تنزع عنها صفة امرأة ما يدخلها في دوامة نفسية عنيفة، وفي كثير من الحالات يتخلى الزوج عنها لأن المرأة المصابة في مجتمعنا تخل بواجباتها الزوجية فاستئصال الثديين والتعب والإرهاق يجعلها على هامش المحيط الذي تعيش فيه لذلك يكون الحل الأسهل تخلي الزوج عنها.
وأشارت بلحريزي أمينة أن الكفالة النفسية التي يجب أن تحظى بها المرأة المصابة في المجتمع فتبدأ بامتلاكها لميكانيزمات أو آليات الدفاع النفسية من الأخطار كالإنكار الذي يكون سببا في إهمال المرأة لنفسها ما يجعلها تصل إلى مراحل متقدمة من المرض دون ردة فعل منها، ما يجعلها أمام حل الاستئصال الذي يحطم ذاتها كامرأة وأنثى لها قيمتها في الوسط الذي تعيش فيه، فالعقد النفسية التي يخلقها المجتمع ومعتقداته الخاطئة تجاه المصابة بالمرض يحولها لسلاح موجه نحو نفسها لا تجاه المرض بسبب الطاقة السلبية داخلها، لذلك تعطيها آليات الدفاع النفسية الأسلوب الأصلح لمواجهة المرض بقوة وكذا كل الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي ما يمنحها الإرادة ومعنويات مرتفعة تعطيها القدرة على التشبث بالحياة، فتراها عوض الانعزال والاستسلام للمرض وحصر كل أمالها في انتظار ساعة الموت تبدأ في بناء حياة جديدة تعيشها بكل تفاصيلها، ولعل أهم عامل يمكنها من هذه الخطوة هو الانخراط في العمل الجمعوي أو في نشاطات كالخياطة أو الطرز أو أي عمل يعطيها هدفا في غد أفضل.
وأكدت المختصة في التنمية البشرية أن عائلة المصابة هي أيضا بحاجة إلى جلسات علاجية تمكنها من تجاوز الصدمة، لأنها المحيط الأول الذي يمنح المريضة القوة لتعيش اللحظة بكل إيجابية وإن سقط كل شعرها واستؤصل ثديها، وذبل جسمها فالقوة المعنوية قد تكون الفارق بين مريض وآخر.