إصلاحات الرئيس تبون حققت أهدافها في شُعب الفلاحة.. خبراء لـ”الشعب”:

البطاطــا الجزائريـة.. إنتاج وفــير ونوعيــة عاليــة

تحقيق: سفيان حشيفة

 هباش: لا بديـل عن توسـيع نطـاق الاستثمـار والتصديـر لمحصول البطاطا

 صغـيري: ارتفاع مردوديـة الهكتــار الواحد إلى 500 قنطار.. وفرة غـير مسبوقــة

 شلغـوم: ولايــات الجنوب قــادرة علـى إنتاج البطاطـا مرتــين في العــام

بلغ محصول البطاطا في الجزائر هذا الموسم، مستوى قياسيا فاق كل التوقعات، نتج عنه حصول وفرة وفائض كبير في المنتوج، أثار مخاوف المزارعين من حصول كساد في ظل تراجع أسعار المادة إلى 25 دج في بعض الولايات على غرار وادي سوف، التي دخلت بقوة الإنتاج في الفترة الموسمية على خلاف العادة.

أكد خبراء ومهنيون أن ولوج تصدير المنتجات الفلاحية ذات الوفرة صار ضروريا أكثر من أي وقت مضى، للحفاظ على وتيرة نمو الشّعب وعدم اصطدام منتجيها بالكساد بسبب وجود كميات هائلة من الإنتاج الزراعي تفوق الاحتياجات السوقية الوطنية، واقترحوا خطة لتوسيع زراعة البطاطا، ستدر على الخزينة العمومية 2 مليار دولار سنويا، شريطة توسيع الاستثمارات والبحث عن أسواق خارجية لترويج المنتوج.
ودخلت ولاية وادي سوف خط الإنتاج الغزير الموجه للأسواق في المرحلة الموسمية الصيفية، بعد أن كان فلاحوها يستغلون منتوج هذه الفترة لتكثيف البذور المحلية وتوجيهها للغراسة في الموسم المبكر الشتوي، حيث أدت الوفرة الحاصلة إلى إغراق السوق المحلية والوطنية، وإشباع المخازن وغرف التبريد، وتدني الأسعار إلى درجة لا تغطي تكاليف الخدمة، بحسب فلاحين.
وتحدث مهنيّون في هذه المنطقة الصحراوية المعروفة بكثافة إنتاجها الزراعي، عن رصد ارتفاع في مردودية الهكتار الواحد من البطاطا أثناء الحصاد الحالي، تجاوزت 500 قنطار/ هـ، وهي قيمة أكثر بضعف مما كانوا يسجلونه في المواسم السابقة.
هذه الطفرة الإنتاجية الفلاحية، جاءت كنتيجة للخطة التنموية الفلاحية الناجعة التي اعتمدتها الدولة منذ سنوات قليلة للنهوض بالقطاع الأخضر، وتحقيق الاكتفاء والتصدير في مرحلة ثانية إلى الخارج، ذلك أن الوفرة لم تقتصر على مادة البطاطا، ومسّت محاصيل أخرى مثل البصل الذي هوى سعره إلى أقل من 10 دج لدى الفلاحين منذ شهرين، ولم يعالج مشكله، مما عرّض كثير من منتجيه عبر ولايات الوطن إلى خسائر فادحة.
كما يأتي هذا التحول الإيجابي بالقطاع الفلاحي، في ضوء بروز رغبة حثيثة لدى الجزائر لمضاعفة صادراتها خارج المحروقات، ومنها الزراعية، وهو ما يتماشى مع رؤية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي منح أولوية قصوى لهذا القطاع، من خلال إقرار إصلاحات هيكلية، وإتاحة دعم لا متناه للفلاحين ماديا وتقنيا، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي ثمّ الذهاب نحو التصدير إلى الأسواق الخارجية.

فرص التصدير وتحدّيات السّوق المحلية

يؤكد الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة سطيف، البروفيسور فارس هباش، أن الجزائر شهدت في موسم 2025 وفرة كبيرة في إنتاج البطاطا، حيث أعلنت وزارة الفلاحة عن زيادة كبيرة في المحصول مقارنة بالمواسم السابقة، خاصة في الولايات المنتجة مثل وادي سوف ومستغانم.
وقال البروفيسور هباش، في تصريح خصّ به “الشعب”، إن الجزائر تنتج سنويًا حوالي 60 مليون قنطار من البطاطا، تتصدر إنتاجه ولاية وادي سوف بقرابة 12 مليون قنطار في الفترة غير الموسمية الشتوية فقط، تليها ولايات مستغانم، عين الدفلى، معسكر، وسكيكدة، مشيرا أن هذه المادة من المحاصيل الإستراتيجية التي تلعب دورًا أساسيًا في تلبية احتياجات السوق المحلي، الذي يشهد عرضًا كبيرًا يتجاوز الطلب والاستهلاك.
وفي الموسم الفلاحي 2024-2025، مثلما توقع هباش، سيتجاوز إنتاج ولاية وادي سوف 3.8 مليون قنطار من البطاطا الموسمية الصيفية، بفضل استقرار المساحات المزروعة، ودخول منتجين ومستثمرين جدد مجال زراعة الشعبة.
ومع هذه الوفرة الكبيرة في الإنتاج، يمكن استغلال هذه الفرصة لتوسيع دائرة التصدير في المنتجات الزراعية، فعلى سبيل المثال إذا قررت الجزائر رفع مستوى الاستثمار في شعبة البطاطا وتصدير مليون طن منها إلى الأسواق الخارجية باحتساب سعر 1 دولار أمريكي لكل كيلوغرام، فإن ذلك سيساهم في تعزيز خزينة الدولة بنحو مليار دولار أمريكي في السنة، و2 مليار دولار إذا ما تمّ زراعة المحصول مرتين في العام الواحد “مبكر وموسمي”، بحسب الخبير ذاته.
وأبرز هباش، أن تدعيم الاقتصاد الوطني بمثل هكذا استثمارات هدف مشروع وقابل للتجسيد، في ظل الأرقام التي يسجلها منتوج البطاطا، خاصة وأن المادة المنتجة من الأكثر استهلاكا في العالم، ويكثر عليها الطلب في الأسواق الدولية في فصلي الشتاء والربيع أثناء هطول الثلوج والأمطار بدول الشمال، ويرتفع سعرها بسبب عدم إنتاجه في تلك الفترة الباردة.
وفي الوقت الذي تعاني فيه السوق المحلية من تقلبات أثمان البطاطا، صعودا وهبوطا، يمكن توسيع نطاق الاستثمار والتصدير ليساهم في تقليل الفائض المحلي وتحقيق استقرار الأسعار بما يضمن حماية المنتجين والمستهلكين على حد سواء، كما أن التصدير يوفر فرصة مهمة لتسويق المنتج الجزائري المعروف بجودته في الأسواق العالمية، خصوصًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، حيث الطلب على البطاطا مستمر في الارتفاع، وفقا له.

ثمرات إصلاحات الرئيس تبون

اعتبر البروفيسور هباش، القفزة النوعية التي شهدها القطاع الفلاحي في الجزائر، ثمرة للإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والتي ركزت على تحسين الإنتاج المحلي ودعمه في مختلف المجالات، إذ أدت هذه الإجراءات إلى تحديث طرق الزراعة وتوفير الدعم المناسب للفلاحين، مما ساهم في زيادة المردودية والإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الفلاحية، بما في ذلك البطاطا.
وبناءً على هذه التحولات، صارت الجزائر قادرة على المنافسة بمنتجاتها الزراعية عالية الجودة في الأسواق العالمية، وهو ما يعكس نجاح السياسات الحكومية في تعزيز الأمن الغذائي والاستدامة الفلاحية والاقتصادية، يذكر المتحدث.
وخلص الخبير الاقتصادي فارس هباش، إلى أن شعبة البطاطا تعتبر في الجزائر محط أمل اقتصادي، حيث يمثل الاستثمار فيها بغرض التصدير بولايات الجنوب الكبير الغنية بالمياه الجوفية مثل المنيعة وورقلة وعين صالح وأدرار وغرداية وتميمون والمغير وتوقرت، فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير العملة الصعبة باستدامة للخزينة العمومية، بشرط مواصلة توسيع المساحات وتحسين جودة الإنتاجية وتسريع إجراءات ترويج الشعبة في الأسواق الدولية.

طفرة في الإنتاج الفلاحي

من جهته، يرى عضو المكتب التنفيذي لاتحاد المهندسين الزراعيين، المهندس صغيري عبد المجيد، أن الإنتاج الوفير لمادة البطاطا وانخفاض الأسعار في هذا الموسم، أثر سلبًا على المنتجين والمستثمرين الفلاحيين، موضحًا في تحليل تقني لـ«الشعب”، أن القطاع الفلاحي شهد طفرة في الإنتاج بكثير من الشُّعب في السنوات الأخيرة، مع وجود صعوبة في تحقيق التوازن للسوق والتحكم في الفوائض.
وأفاد صغيري أن سنة 2025، عرفت مردودا جيدا لمادة البطاطا الموسمية وحتى المبكرة، حيث بلغ في بعض المستثمرات من 400 إلى 500 قنطار في الهكتار الواحد، ما جعل الوفرة خاصة بعد نهاية شهر أفريل ظرفا ملفتا، حيث تراوح سعرها عند المنتج من 30 إلى 40 دج شمال البلاد، وهذا ما أثر على الفلاحين باعتبار سعر التكلفة مرتفعا، وهو الأمر نفسه يحدث مع محصول البصل ومنتجات زراعية موطنية أخرى.
وضرب صغيري بولاية وادي سوف مثلاً، إذ يغرس فلاحوها في الفترة المبكرة الشتوية 35 ألف هكتار من البطاطا، وبمعدل 300 قنطار في الهكتار، فإنها تنتج ما يعادل 1 مليون طن و50 ألف قنطار، مبرزا أهمية العمل على جزئية رفع المردودية في الهكتار الواحد بالمنطقة، من أجل الحصول على ناتج إجمالي ولائي مضاعف للشعبة، يمكن تصدير كمية كبيرة منه إلى الأسواق الخارجية.
أما بالنسبة لمادة البصل التي نزل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى أقل من 20 دج عند الفلاح، فيعود المشكل أيضاً إلى الإنتاج الوفير وبلوغ مردود الهكتار الواحد من 400 إلى 700 قنطار في الهكتار، ونفس الشيء مع مادة الثوم التي يبلغ مردودها بين 200 إلى 400 قنطار في الهكتار ويمكن الوصول إلى 600 قنطار في الهكتار ضمن ظروف ومسار تقني خاص، وفقاً للمختص.
هذه المعطيات وأخرى، بحسب صغيري، يمكن أن تؤثر سلبا على المنتجين إذا لم تُتّخذ الإجراءات الملائمة وفي الوقت المناسب، منبها أن هناك دواوين تعمل على ضبط المنتجات الفلاحية كان آخرها إنشاء الشركة الجزائرية لضبط المنتوجات الفلاحية (sarpa)، وكذلك نظام ضبط المنتوجات (syrpalac)، والديوان الوطني المهني المشترك للخضر واللحوم، متسائلاً عمّا إذا كانت المستودعات والبنية التحتية التي تملكها هذه المؤسسات أو حتى الخواص، تكفي لاستيعاب الفوائض الزراعية الضخمة، وبالتالي استقرار الأسعار واستمرارية الفلاح والمستثمر في الإنتاج.
وأردف يقول: “ربّما تمتص هذه الدواوين والمؤسسات بعض الفائض، لكن يبقى اللجوء إلى تصدير كميات أخرى أنجع حل يفرض نفسه، بالنظر إلى شهرة جودة المنتوجات الفلاحية الجزائرية في العالم، باعتبارها بيولوجية إلى أبعد الحدود”.

تصدير المنتوجات الفلاحية.. تخصص..

في ضوء ما سبق، اقترح المهندس الزراعي صغيري، إنشاء مؤسسة عمومية اقتصادية مختصة في تصدير المنتوجات الفلاحية، تعمل على البحث عن أسواق خارجية وتهيئة الظروف اللجيستيكية والمالية للتبادلات التجارية؛ لأن تصدير الفائض بعد ضبط المخزون الاستراتيجي يسمح بضخ أموال معتبرة من العملة الصعبة للخزينة العمومية، ويرفع من معنويات وإنتاج المستثمرين، ويحفزهم على توسيع المساحات الخضراء المزروعة.
كما أشار صغيري إلى ضرورة إنشاء تعاونيات فلاحية مختصة في إنتاج وتخزين وتسويق المنتوجات الفلاحية، وتوظيف مهندسين زراعيين مختصين في الإنتاج الفلاحي النباتي والحيواني على مستوى القنصليات والسفارات الجزائرية بالخارج للترويج بشكل أفضل للمنتوجات الجزائرية، وربط شراكات في هذا المجال مع متعاملين اقتصاديين ومستوردين أجانب، مع الحرص على دراسة السوق العالمية من حيث الإنتاج الفلاحي، والتقديرات والاستشراف المستقبلي ليتم تسطير برامج استثمارية إنتاجية داخلية تتماشى مع الطلب الأجنبي من المحاصيل الزراعية.
علاوة على ذلك، استحداث محيطات استثمارية جديدة مختصة في إنتاج البطاطا والبصل والثوم وزراعات موطنية أخرى، تكون موجهة خصيصا لضبط السوق والتصدير إلى الأسواق الدولية، والعمل بجد على إنتاج البذور محليا بتشجيع المعاهد المختصة وتقليص التبعية للخارج قدر الإمكان، وتدعيم الدواوين والمؤسسات المشرفة على ضبط المنتجات الفلاحية بالكفاءات الفلاحية والاقتصادية والتسويقية مع توسيع القدرات التخزينية الخاصة بها، والتطبيق السريع لقرار رئيس الجمهورية القاضي بمنع قروض بنكية للمستثمرين الفلاحيين قصد إنشاء غرف تبريد متوسطة وصغيرة خاصة بهم للحفاظ على المنتوج من التلف في حالة الفائض وقلة الطلب، ناهيك عن إنشاء مجلس أعلى للأمن الغذائي والمائي، قصد التحكم في إستراتيجيات القطاع الزراعي الوطني، يضيف المهندس عبد المجيد.

تشجيع التصدير إلى دول إفريقيا وأوروبا

ومن جانبه، كشف الأمين الولائي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين لولاية الوادي، جمال شلغوم، أن هبوط سعر مادة البطاطا، مؤخرًا، يرجع إلى كثرة الإنتاج هذا الموسم، وارتفاع مردودية الهكتار الواحد إلى 500 قنطار، بفعل تحسن جودة البذور ودخول وسائل تقنية عصرية زادت من حجم الإنتاج.وقال جمال شلغوم، في تصريح أدلى به لـ«الشعب”، أن حصاد مادة البطاطا في ولاية الوادي دخل مرحلة الجني للفترة الموسمية الصيفية، بعد حصاد كبير للمنتوج المبكر الشتوي، داعيا السلطات العمومية إلى فتح مجال التصدير نحو قارتي إفريقيا وأوروبا، لسحب الفوائض، وحماية الفلاح من سقوط الأسعار المخل والكساد، وهذا بعد رصد احتياجات السوق الوطني من المحصول للأشهر الأربع القادمة بشكل دقيق.واقترح شلغوم على الحكومة إنشاء محيطات جديدة خاصة بإنتاج محصول البطاطا بالولايات الجنوبية خلال الموسم المتأخر القادم، وتوجيه محصولها حصرا للتصدير إلى الخارج، ذلك أن المساحة المخصصة لزراعتها حاليا أصبحت قادرة على تحقيق وفرة وإشباع للسوق الوطني خلال كل أشهر السنة.
وتابع: “مثلا لو نستثمر 40 ألف هكتار في مادة البطاطا، ستنتج أكثر من 2 مليون طن على موسمين في العام الواحد، تدر مدخولا هاما للخزينة العمومية في حدود 2 مليار دولار”.
وأضاف المتحدث، بأن ولايات الجنوب الكبير تستطيع إنتاج البطاطا مرتين في السنة بأريحية، وخاصة في فصل الشتاء عندما تكون الدول الأوروبية متلهفة لشراء كميات معتبرة من المحصول.
إلى ذلك، ثمّن جمال شلغوم، مجهودات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في النهوض بالقطاع الزراعي وتطويره، وعنايته الخاصة بالفلاحين، مما انعكس بالإيجاب على تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني، وتخليص الخزينة العمومية من أعباء استيراد كثير من المحاصيل الاستهلاكية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19808

العدد 19808

السبت 28 جوان 2025
العدد 19807

العدد 19807

الخميس 26 جوان 2025
العدد 19806

العدد 19806

الأربعاء 25 جوان 2025
العدد 19805

العدد 19805

الثلاثاء 24 جوان 2025