صالون الصّناعـة والبنية التّحتيـة السّككية بوهـران أظهر إمكانات ممتازة

استثمارات ضخمة.. شراكـات رابحـة وإنتــاج جزائــري خالص

حبيبة غريب

 تحديث وتوسيع شبكة السّكك الحديدية..التزام يتحقّق

 ربط الشّمال بالجنوب..فك العزلة وإنعاش الاستثمار

 رهان إستراتيجي لتحقيق التنمية المستدامة والانتقال الاقتصادي

 شكّل الصّالون الدولي الأول للصناعة والبنية التحتية للسكك الحديدية، “معرض الجزائر للسكك الحديدية 2025”، المنعقد مؤخرا بوهران في طبعته الأولى، فرصة لتسليط الضوء على مشروع تحديث وتوسيع شبكة السكك الحديدية، ذو البعد الاقتصادي والاستراتيجي الهام، وإبراز التحديات والرهانات التي توجب على كل الفاعلين المنخرطين في تجسيده كسبها، من مؤسسات عمومية وخاصة وطنية أو دولية في إطار الشراكة والتعاون من أجل تسليمه في الآجال المحددة ووفق الجودة المنشودة. تجارب ناجحة في المجال وقفت “الشعب” على البعض منها خلال فعاليات الصالون.

 يعتبر توسيع وتحديث شبكة السكك الحديدية والانتقال من 5 آلاف كلم حاليا إلى 15 ألف كلم في آفاق عام 2030، من بين المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي قرّرتها الحكومة الجزائرية والرامية إلى تعزيز وتقوية البنية التحتية للبلاد وتحقيق القفزة النوعية من أجل اقتصاد ثابت ومزدهر، وتنمية مستدامة في ظل الجزائر الجديدة المنتصرة.
المشروع يرمي إلى ربط مناطق الشمال بالجنوب، وفك العزلة عن المدن الداخلية، كما يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الروابط الإقليمية، مع تقديم أحسن الخدمات لنقل المسافرين والبضائع، تسهيل حركية التنقل، تخفيف الضغط على الطرق السيارة، إلى جانب تحديث وتجهيز المحطات بمرافق حديثة وأنظمة متطورة لضمان راحة المسافرين، مع التركيز من جانب آخر على تطوير الخطوط المنجمية لنقل الفوسفات والمعادن، مما يساهم في تعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة.
ومن أجل رفع هذا التحدي الكبير، وتجسيد هاته المشاريع العملاقة، وظّفت الجزائر كل الوسائل البشرية والمادية، ووضعت الدراسات التقنية ورصدت الأموال اللازمة، كما ترتكز أيضا في خطة الإنجاز على المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة، وعلى الكفاءة الجزائرية 100 بالمائة، إضافة إلى اتفاقيات الشراكة مع المختصين الدوليين في هذا المجال.     

الخطـــوة الأولى لكســـب التّحـــدّي

 وينخرط مجمّع كوسيدار (كوسيدار-أشغال عمومية) بقوة، في المشروع الاستراتيجي لتوسيع وتحديث شبكة السكك الحديدية، حيث أوكلت له مهمة إنجاز خطوط السكك الحديدية مع كل المنشآت التابعة لها من محطات مسافرين محطات البضائع مراكز للصّيانة، وقد رصدت كوسيدار استثمارات ضخمة في آليات وضع السكك وصناعة العوارض الخرسانية وغيرها.
وأبرز مدير مشاريع السكة الحديدية بمجمّع كوسيدار، بدر الدين نويوة في تصريح لـ “الشعب”، أنّ “العمل متواصل حاليا وبوتيرة جيدة على مستوى مشروع خط السكة الحديدية شق المنجمي بشار - منجم غارجبيلات للحديد (ولاية تندوف)، على مسافة 100كلم، والتي سيتم تسليمها نهاية السنة الجارية”.
ويتعلق الأمر حسب بونوة، بالمقطع الثاني، بعد مقطع بشار- العبادلة الممتد على مسافة 100 كلم، وذكر المتحدث أن مشروع خط السكة الحديدية المنجمي، الذي يربط بشار بمنجم غارا جبيلات للحديد يمتد على مسافة إجمالية تقدر ب 950 كلم، حيث يتكفل مجمع كوسيدار بإنجاز 30 % من الشطر الممتد على مسافة 575 كم مع الشريك الصيني
ويطمح مجمّع كوسيدار حسب بونوة، في المشاركة في أشغال إنجاز خط السكك الحديدية الرابط بين الجزائر العاصمة وتمنراست الذي ستنطلق الأشغال به خلال السنة الجارية.
للإشارة، يقوم مجمّع كوسيدار حاليا بإنجاز عدة مشاريع، منها مشروع إنجاز خط شبكة عنابة - بوشقوف على مسافة 54 كلم؛ مشروع إنجاز خط شبكة تينوكلا - تبسة على مسافة 43 كلم؛ مشروع إنجاز شبكة بوشبكة - بشار على مسافة 100 كلم؛ مشروع إنجاز خط شبكة تبلبالة - حاسي خبي على مسافة 175 كلم، وقد أنجزت سابقا 9 مشاريع التنوع بين خط شبكة أحادية وشبكة مزدوجة على مسافات تتراوح بين 31 إلى 175 كلم.

شراكــة رابحة مــع الصّــين وإنتاج محلـي خالــص

جلب قطاع تطوير السّكك الحديدية في الجزائر اهتمام المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الصين الشعبية التي افتكت مؤخرا مشروع إنتاج مصنعين لإنتاج العتاد المتحرك من قاطرات وعربات القطارات والترامواي والمترو، وكذا قطارات كهربائية وأخرى كهر-مغناطيسية بسرعة 160 كلم في الساعة، وذلك بموجب اتفاقية الشراكة والتعاون التي تم الإمضاء عليها بين المديرية العامة للسكك الحديدية والمجمع الصيني جينيراتيك الدولي عبر فرعه “جينيرتاك افريقيا سي أر أر سي” في 15 أفريل من السنة الجارية.
وكشف بول سو، مدير الأعمال الخارجية بالمجمع الصيني “جينيرتاك افريقيا سي أر أر سي” في تصريح لـ “الشعب’’ أن اتفاقية الشراكة والتعاون تجسدت في المرحلة الأولى من خلال مصنع العربات الذي يتم حاليا تجهيزه بمنطقة حاسي عامر بوهران، والذي سينطلق في الإنتاج مع نهاية السنة الجارية، ويفتح آفاق توفير ألف منصب عمل مباشر، إضافة إلى الاستعانة بالمناولة.
وأشار المتحدّث إلى أنه سيتم التركيز على تكوين اليد العاملة في الصين في المرحلة الأولى، ليتواصل بعدها التكوين في الجزائر بموجب اتفاقية تعاون بين المجمع الصيني والجامعة الجزائرية.
ويشمل بروتوكول التعاون في المرحلة  الثانية، حسب مدير التسويق بالمجمع عبد الوهاب مقدادي، “إنشاء مصنع ثاني  في آفاق 2026، بعد اختيار الأرضية المناسبة بالاتفاق مع السلطات الجزائرية، ومع دخول المصنعين حيز الإنتاج سيسمخ المشروع العملاق بإنشاء 10 آلاف منصب عمل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى نقل التكنولوجيا الصينية الخاصة بتقنيات وآليات التصنيع والتركيب، لإنتاج عربات وقاطرات محلية 100 بالمائة.
وأوضح المتحدّث بأنّ استثمار المجمع الصيني في الجزائر يعد الثاني من نوعه في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا، كما أنّ منتجاته متواجدة حاليا في 53 دولة عبر العالم، وهو حائز على عدة شهادات للنوعية والجودة، كما يطمح مستقبلا إلى تصدير العتاد المتحرك المنتج في الجزائر إلى الخارج.

الكوابــل والعتاد المحلـي الصّنع..الورقــة رابحـة

تعد الكوابل بمختلف أنواعها من بين المعدّات الحيوية التي يعتمد عليها قطاع السكك الحديدية والنقل بالترامواي، وتوظف العديد من المؤسسات الوطنية مجهوداتها في هذا السياق من أجل تلبية احتياجات السوق الوطنية، وتعزيز حضورها في الأسواق الخارجية.
تعد مؤسّسة “ايني كاب” الجزائرية، الرائدة في صناعة الكوابل الكهربائية من بين الشركاء في كسب رهان تطوير وتوسيع الشبكة الوطنية للسكك الحديدية، وكذا شبكة النقل الحضرية بالترامواي.   
كشف الرئيس المدير العام لمؤسسة صناعات الكوابل “إيني كاب”، عبد الحكيم لواهم، في تصريح لـ “الشعب” أنّ “ايني كاب” التي تأسّست في سنة 1986 هي عبارة عن شراكة بين القطاعين العمومي والخاص، وتنتج مختلف أنواع الكوابل النحاسية، منها الكوابل الكهربائية للضغط العالي والمتوسط  والمنخفض، وكوابل قطاع السكك الحديدية، والترامواي، ويقدر حجم إنتاجها السنوي بـ 20 ألف طن.
وتقوم المؤسسة حاليا حسب الرئيس المدير العام بإنتاج كوابل موجهة لألواح الطاقة الشمسية والألياف البصرية، تعمل في إطار مشروع شراكة مع المؤسسة الأمريكية “أس تي سي غلوبال”، هو حاليا في المرحلة الأخيرة على تطوير كابل ذي ضغط عالٍ يوظف في تحسين الكفاءة الطاقوية.وقد دخلت المؤسسة - يضيف الواهم - “مؤخرًا، من خلال وحدة بسكرة في مرحلة إنتاج الكوابل النحاسية الخاصة بالقطارات بمعدل 2000 إلى 3000 طن سنويا، وذلك بعد أن انطلقت منذ عام 2012 في إنتاج كوابل الترامواي”.
وأكّد الواهم أنّ ما تنتجه المؤسّسة سنويا بفضل سواعد وكفاءات جزائرية 100 بالمائة من مخزون، يكفي احتياجات قطاع السكك الحديدية محليا، كما أنها تملك التكنولوجيا اللازمة وتتحكم في طريقة التصنيع ولها قدرات إنتاج عالية الجودة، تمكنها من اتخاذ كل التدابير اللازمة في حالة الزيادة في الطلب”.
وتقوم مؤسّسة “ايني كاب” حاليا بدراسة إمكانية تصدير كوابل السكك الحديدية إلى الخارج، وذلك بعد نجاح تجربة أولى في التصدير إلى موريتانيا وفرنسا، كما تطمح إلى توسيع تشكيلتها من الكوابل النحاسية الموجهة لقطاعات الطاقة، الصناعة الكهربائية، السيارات، والفلاحة، وتجسيد مشاريع تصدير كميات من الكوابل إلى كل من السينغال كوت ديفوار، موريتانيا  وفرنسا خلال السنة الجارية”.

عتـاد الإشــارة مصنــع بأيــدي جزائريــة  

كوابل أخرى لا تقل أهمية يحتاجها قطاع السكك الحديدية اليوم وهو يخوض معركة التطور والرقمنة والتوسع وفق دراسات استشرافي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
حلول توفّرها بامتياز مؤسسة “كاتل”، حسب ما جاء في تصريحات مديرة التسويق، بورغدة أمال، التي أبرزت “استعداد المؤسسة المتخصّصة في صناعة توابل المواصلات اللاسلكية والإشارة الموجّهة للسكك الحديدية توفيره منتجاتها وفق الطلب كونها تحتكم على التكنولوجيات والكفاءات اللازمة لذلك.
وذكرت المتحدّثة أنّ “كاتل” قد “برهنت على كفاءتها بانجازها لعدة مشاريع لفائدة الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية، وذلك في إطار مشروع تطوير شبكة السكك الحديدية الوطنية.
فبعد إنجاز مشروع الجلفة - الأغواط ومشروع الهضاب العليا تيسمسيلت - بوغزول - المسيلة نحن اليوم، تضيف بورغدة “نشتغل على مشروع تهيئة شبكة السكك الحديدية بالوسط الجزائري”.
وأكدت مسؤولة التسويق لمؤسسة “كاتل”، أن “هاته الأخيرة تمتلك كل المؤهلات المادية والبشرية لمرافقة المؤسسات في إنجاح مشاريع السكك الحديدية، وهي تقوم حاليا وقد وضعت حاليا استثمارا ضخما في تصنيع نوع خاص من الكوابل الخاصة بالوصل، وذلك لتقليص فاتورة الاستيراد وهو كابل موجه الى شبكات الكهربائية سواء للترامواي أو القطارات”.
وتعرض الشركة الجزائرية الخاصة “غرانتكس” مديريها التنفيذي سمير دوار، خبرتها الطويلة في إنتاج وتطوير وتسويق المنتجات لقطاع البناء والأشغال العمومية، وخاصة في ما يتعلق بما يسمى كيمياء البناء.
وتقدّم المؤسّسة يضيف دوار، منتجات التشطيب والطلاء، التثبيت والإصلاح التي تستعمل في مجال البنية التحتية للسكك الحديدية، إضافة إلى حلولها ومنتجاتها الخاصة بالعزل المائي والختم.
ونساهم يقول المدير التنفيذي في “قطاع السكك الحديدية مع جميع شركات الإنجاز، ونهتم بجودة الخرسانة في الهياكل، والبنية التحتية، وفي تطبيقات محددة مثل التثبيت والحقن، وهو ما يُمكّننا من ضمان جودة التشطيب من الناحية الفنية”.
وعن الحلول التي تقدمها المؤسسة، أشار المتحدث إلى “اهتمامها المستمر بالعمل على تحيين التقنيات الجديدة، من خلال البحث والتطوير، سعيا منها لمواكبة أحدث التطورات وطرح مشاريع جديدة في السوق، مع ضرورة التوجه نحو حلول أسهل تطبيقًا، وهذا ما يعزّز خبرتها الواسعة في مجال الإضافات الكيميائية، ودمج إنتاج المواد الخام”.

التّكويـن والرّسكلـة.. ضمـان الاستمراريـــة

ويعتمد نجاح المشروع الاستراتيجي لتحديث وتوسيع شبكة السكك الحديدية على الكفاءة والخبرة، والتحكم في التقنية وجودة الإنجاز والتسيير، وهو ما يمكن ضمانه من خلال التكوين المستمر للإطارات والكوادر وكذا اليد العاملة.  
وكشف مسعود عزي مسيّر المعهد الجزائري للتكوين في السكك، وهو معهد خاص تمّ إنشاؤه منذ سنتين يقدم خدمات التكوين والرسكلة، ويقدم تكوينات حسب الطلب في مجال تسيير وإنجاز شبكة السكك الحديدية. ويتعلق الأمر حسب مسعود عزي بنقل خبرة سنوات ونجاح تجربة أثبتت نجاعتها وأعطت ثمارها من الخارج (فرنسا) إلى الجزائر في إطار استثمار الجالية الجزائرية في ارض الوطن.
وقال عزي في هذا الشأن “نحن متواجدون هنا في الجزائر منذ عامين، ونحن بصدد دراسة السوق الجزائرية في مجال التكوين، حيث نقدّم فرصة لتكوين الإطارات واليد العاملة الجزائرية في مجال السكك الحديدية بكفاءات جزائرية، ونتخلص بذلك من التبعية الأجنبية في هذا المجال”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025
العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025
العدد 19798

العدد 19798

الإثنين 16 جوان 2025
العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025