للسنة الثانية على التوالي

دخول اجتماعي وسط تحدّيات اقتصادية واجتماعية

استطلاع: فتيحة كلواز

 تراجــــع القدرة الشرائيـــة وارتفاع الأسعــار أثقلا كاهل المـــواطن

 مراجعة شبكة الأجور جرعة طمأنينة

للسنة الثانية على التوالي تلقي الأزمة الصحية الاستثنائية بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على دخول اجتماعي مثقل بعد تراجع القدرة الشرائية بسبب التضخم وانهيار الدينار، زاده الدخول المدرسي وارتفاع الأسعار تأزما، ليكون تحسين الإطار المعيشي للمواطن أكبر التحديات ومراجعة الأجور أهم تطلعات أولئك الذين يجدون صعوبة في تأمين حاجياتهم اليومية، أما التلقيح فهو الرهان الأكبر للحفاظ على صحة الجميع.
دخول اجتماعي استثنائي، جاء بعد موجة ثالثة أنهكت المواطنين والسلطات على حد سواء، ما زاد من غليان الجبهة الاجتماعية التي وضعت تحسين القدرة الشرائية كمطلب أساسي ورئيسي لها في مختلف القطاعات، من خلال مراجعة سلم الأجور والحفاظ على قيمة الدينار.  
في ذات السياق، تقاطع المواطنون في تأكيد انهيار القدرة الشرائية التي أثقلت كاهلهم بسبب ارتفاع جنوني لمختلف السلع الغذائية، حيث قال محمد بن جلول، موظف بمؤسسة عمومية في تصريح لـ «الشعب»: « كان راتبي في سنوات سابقة يكفيني لتلبية حاجيات أسرتي الشهرية، أما اليوم فأشعر بالعجز أمام كثير من المصاريف والنفقات، بل تطلب مني حذف عديد منها حتى لا أدخل في دوامة الدين، ولعل أسوأ القرارات التي اضطررت الى اتخاذها هو اخراج ابني من المدرسة الخاصة التي درس بها في الطور الابتدائي والمتوسط، لينتقل الى الدراسة في ثانوية عمومية وهو الأمر الذي أثر عليه كثيرا خاصة فيما تعلق بالامتيازات التي كان يستفيد منها.»
«أشعر بالأسف على أولئك الذي يتقاضون أجرا زهيدا»، هكذا وصف محمد الشريحة العمالية التي لا يتجاوز راتبها الـ30 ألف دينار، حيث قال: « أتقاضى أجرا يفوق الـ 60 ألف دينار وأشعر أنني أدنو رويدا رويدا من الاستدانة خاصة وان راتب زوجتي ندخره للكراء، لذلك عقّد الارتفاع الجنوني للأسعار لمختلف السلع، والأزمة الصحية المستوى المعيشي لعائلتي، وضع كنت أظنه الأسوأ لكن وبالنظر إلى أولئك الذين ما زالوا يتقاضون أجرا أقل من 30 ألف دينار أنا في نعمة كبيرة.»، مؤكدا أن استمرار جنون الأسعار وتهاوي الدينار سيدفع بمعظم الجزائريين الى حافة الفقر.
أما جمال –ب، عامل بسيط بإحدى المصانع الخاصة، لا يتجاوز راتبه الـ 25 ألف دينار، أب لثلاثة أطفال يدرسون في الطور الابتدائي والمتوسط، زوجته ماكثة بالبيت احترفت بيع «المطلوع» من أجل تخفيف الأعباء المالية على زوجها، فقال إن «الدخول الاجتماعي هذا العام لم يختلف كثيرا عن الذي سبقه، الاختلاف الوحيد والأساسي هو سعر السلع الذي مازال في ارتفاع، بالرغم من كل الجهود التي تقوم بها الدولة من أجل تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الحادة على المواطنين، لكن مع وجود المحتكرين والمضاربين لم يستطع المواطن البسيط الصمود أمام تداعيات الأزمة الصحية الاستثنائية.
وأضاف: «في السنة الماضية طردني رب العمل بسبب تسريح نصف عمال المصنع ما أدخلني في متاهة حقيقية بسبب البطالة والحجر الصحي الصارم فحتى التجارة الموازية لا يمكنني الاعتماد عليها بسبب الغلق لتسديد حاجيات أسرتي، لذلك لجأت زوجتي الى بيع خبز «المطلوع» لتسديد النفقات، وبالرغم من الندرة التي عرفتها مادة السميد إلا أنها استطاعت منع الأسوأ، خاصة وانني عدت الى عملي كعامل يدوي في المصنع بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي.»
«بالنظر الى ما تعرفه الجبهة الاجتماعية من تحديات ورهانات، نستطيع ان نقول ان الدخول الاجتماعي لهذه السنة أثقل كاهل المواطن بتحديات اقتصادية هو الوحيد الذي يعيش آثارها على تدني القدرة الشرائية وانهيار قيمة الدينار»، هكذا أجابت كهينة مهدي، (اطار)، فالمواطن البسيط بحسبها يعيش حياة صعبة بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار فحتى تلك المدعمة ارتفع سعرها.»
ولا يمكن تجاهل ما تعرفه الأسر والعائلات من معاناة بسبب أزمة صحية كانت لها أثار اقتصادية واجتماعية كبيرة، زادت من نسبة البطالة، وقلصت النشاط الاقتصادي، مؤكدة في ذات السياق أن الدولة اليوم أمام تحديات كبيرة من أجل الإبقاء على استقرار الجبهة الاجتماعية وسط ما تعرفه القدرة الشرائية من تراجع كبير.
الدخول المدرسي.. يأتي على الأخضر واليابس
من جانب آخر، دخلت العائلة الجزائرية في سباق مع الزمن لاقتناء كل ما يلزم من أدوات مدرسية تحضيرا للدخول المدرسي، الأسبوع المقبل، حيث اكتظت الأسواق الشعبية والمراكز التجارية بمختلف السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل لافت مقارنة بالسنوات الماضية، وفي هذا الصدد قالت لمياء أم لطفلين بالطور الابتدائي مدرسة مالك بن نبي بالقبة:
«أصبح الدخول المدرسي في السنوات الأخيرة عبئا ثقيلا على الأولياء الذين يجدون أنفسهم بين نار الأسعار ونار أطفالهم الباكين على أدوات مدرسية يتجاوز سعرها الـ1000 دينار، حيث تعتبر الحقائب المدرسية الأغلى خاصة تلك التي تراعي الجانب الصحي بالمحافظة على عموده الفقري، لما يعانيه صحيا بسبب ثقل ما تحمله تلك الحقيبة طوال السنة الدراسية.»
واستطردت قائلة: «حقيقة تم تخصيص منحة للعائلات المعوزة مع توزيع الكتب المدرسية مجانا عليهم، إلا أن المنحة لا تسلم إلا بعد شهور من الدخول المدرسي ما يجعلها توجه لغير الهدف الذي منحت من أجله، لذلك كان من الأجدر تسليمها قبل موعد الدخول المدرسي بأسبوع لتخفيف عبء ميزانية شراء الأدوات المدرسية، بالرغم من ذلك يجد التلميذ ابن العائلة البسيطة نفسه وسط زملاء يتفاخرون عليه بنوعية الأدوات والملابس التي يرتدونها ما يجعله في حالة حرج دائم داخل القسم.»
وأضافت: «أنهك تعاقب المناسبات جيب المواطن فمن رمضان، إلى عيد الفطر ثم الأضحى ثم العطلة الصيفية، ليأتي الدخول المدرسي على الدراهم المتبقية، حتى يتخيل المرء ان السنة أصبحت «مسلخة حقيقية» «تنتف» لحمه عن عظمه، فبالرغم من دعم الدولة للسلع الواسعة الاستهلاك وضربها بيد من حديد المحتكرين والمضاربين، إلا ان الفساد الإداري أصبح ورما خبيثا يجب استئصاله حتى وان تطلب الأمر البتر».
تحسين الإطار المعيشي..أكبر الرهانات
والمتجوّل عبر مختلف الأسواق يجد نفسه أمام مواطن فقد بوصلة احتياجاته اليومية، فبعد ارتفاع أسعار السلع الأكثر استهلاكا بأكثر من عشرة أضعاف، خاصة تلك التي كانت تصنف في خانة طعام الفقراء والمساكين، أعاد التضخم وانهيار قيمة الدينار تصنيفها الى مستويات قياسية بوضعها في خانة «من استطاع إليها سبيلا»، وبالرغم من محاولات كسر الاحتكار والوقوف في وجه مافيا السلع والأسواق، إلا ان المواطن مازال يشعر بقوة قبضتهم عليه، لأنهم أتقنوا بنجاح تام لعبة استغلال الوقت المناسب لتضييق الخناق عليه.
خناق زادته الازمة الصحية الاستثنائية حدّة، فبعدما كانت المواسم الدينية والاجتماعية فقط المعنية بجنون الأسعار، تحوّلت السنة بكل أيامها الى سباق متسارع لأسعار السلع الأكثر انتشارا، فوجد المواطن نفسه يدفع أضعاف ما كان يدفعه من قبل بالرغم من عدم تسجيل زيادات في أجر العمال الاجراء، ما نتج عنه فقدان الراتب لـ 50 بالمائة من قيمته، وهو السبب الرئيس في تلاشي الطبقة المتوسطة باقترابها من عتبة الفقر.
ويعتبر هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخانق نتيجة حتمية انخفاض أسعار النفط وتداعيات جائحة كوفيد-19 التي مست مختلف القطاعات، حيث سجلت الجزائر عجزا بنحو 22 مليار دولار، ما يضع التوازنات المالية محل تساؤل على ضوء استمرار الازمة الصحية الاستثنائية حيث أثقلت كاهل الخزينة بما تتطلبه من تخصيص ميزانية لاقتناء اللقاح والمعدات الطبية بغية تكفل أفضل بمرضى فيروس كورونا وسلالاته المتحورة، لمنع خروج الوضع الوبائي في الجزائر عن السيطرة.
لكن وفي المقابل أسدى رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء الأخير تعليمات صارمة من أجل تعزيز التنمية البشرية وتحسين المستوى المعيشي للمواطن في تأكيد صريح على إبقاء الدولة لسياستها الاجتماعية رغم الازمة الاقتصادية العالمية الخانقة، حيث تعاني الجزائر ضغوطا اقتصادية ومالية ناجمة عن هبوط أسعار النفط الخام في السوق الدولية، وهي التي تمثل موردا رئيسا للعملة الصعبة، إلى جانب التبعات الناجمة عن تفشي جائحة كورونا في البلاد.
التلقيح رهان الدخول الاجتماعي
وراهن رئيس الجمهورية على اللقاح لدخول اجتماعي آمن للمواطنين فقد حث الجميع على أخذ جرعة اللقاح من أجل تفادي الأسوأ والعودة الى الحركية الاقتصادية بمخطط إنعاش يعتمد على مداخيل خارج المحروقات لوضع أسس اقتصاد إنتاجي بعيدا عن الريع، لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على المنظومة الصحية في الجزائر خاصة بعدما عرفته من أزمة أكسجين في الموجة الثالثة، شهري جوان وجويلية، حيث تجاوز عدد الملقحين الـ 8 ملايين، مليون منها سجل في الأسبوع الأخير، ما يعكس الإقبال الكبير للمواطنين على حملة التلقيح.
وفيما تبقى مراجعة شبكة الأجور أملا معلقا ينتظر المواطن انطلاقه من أجل استعادة «العافية المالية» للأسرة الجزائرية، التي أصبحت تتخبط في نفقات زادت بشكل كبير بسبب تداعيات الازمة الصحية العالمية، يعتبر الإعلان عنها طمأنة للجبهة الاجتماعية بأخذ مطالبها على محمل الجد منعا لانفجارها، خاصة بعد التأكد من استغلال بعض الأطراف داخلية وخارجية الظروف التي تمر بها الجزائر لتأجيج الوضع وتفجيره.
إن حدوث موجة رابعة احتمال ارتبط بالدخول الاجتماعي والمدرسي، لذلك كان لا بد من التخطيط من أجل الوقوف في وجه عنصر المفاجئة، لذلك وضع مخطط العمل الحكومي السياسة الاجتماعية كأولوية من أجل ضمان حياة كريمة للفئات الهشّة من المجتمع لمجابهة عجز القدرة الشرائية وتراجعها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024