طبيعة العقار الزراعي عطّل من تجسيد المخطّطات العمرانية
تعتبر بلدية لوطاية المتواجدة شمال ولاية بسكرة من بين البلديات التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال التنمية المحلية وتحسين الخدمة العمومية والتكفل الجيد بانشغالات الساكنة، حيث تتربّع على مساحة 409 كلم مربع بتعداد سكاني يفوق الـ15 ألف نسمة، وهي عبارة عن سهل فلاحي شاسع.
يتواجد بها جبل ملح طبيعي به منجم هو الأكبر على المستوى الإفريقي، إضافة إلى مناجم خاصة بصناعة الأجر والإسمنت، كما تمّ تسجيل إشارات إيجابية لوجود كميات هامة من البترول شمال البلدية في انتظار استكمال إجراءات بدء التنقيب، حسبما أفاد به رئيس البلدية ساعد عميري لجريدة «الشعب».
كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة صباحا عندما وصلنا إلى لوطاية بعد جولة خفيفة بمدينتها الهادئة، قادنا إليها الأستاذ جلال ناصر أحد نشطاء المجتمع المدني، وجدنا المير في استقبالنا رفقة بعض أعضاء مجلسه البلدي شاكرين لـ»الشعب» التفاتتها ومساهمتها في تقديم خدمة عمومية راقية وموضوعية.
يعود أصل لوطاية التاريخي إلى العهد الروماني حيث كانت تسمى «ميزارفولتا»، غير أن بعض المؤرخين يرجعون نشأتها إلى سنة 400 قبل الميلاد، تعاقبت عليها حضارات كالرومانية والعثمانية، ما تزال معالمها شاهدة خاض سكانها معارك طاحنة ضد الاستعمار الفرنسي أشهرها معركة «شعبة التركي»، بالمنطقة السادسة.
وأكد عميري الذي ترأس البلدية المشكلة من 15 عضوا لعهدتين متتاليتين ثراء البلدية بالآثار والمعالم التاريخية التي تحكي تاريخ لوطاية في الزمن الغابر، على غرار عثور بعض الباحثين والمختصين على مدينة رومانية ومسرح روماني ومقبرة، وكذا معاصر للزيتون لا تزال معالمها شاهدة على مرور الرومان على المنطقة وتعاقب عديد الحضارات.
النهوض بالقطاعات الحيوية
وتعتبر لوطاية حسب عميري قطب جهوي صناعي وفلاحي بامتياز بفضل العدد الكبير للمصانع، والتي تعتمد عليها خزينة البلدية بفضل الجباية في تمويل المشاريع وانجاز المرافق العمومية، وأهمها مركب الملح منذ 1979، يوظف 200 عامل ومنجم آخر لإنتاج مادتي الكلور والميتالور قيد الإنجاز من شأنه تموين السوق الوطنية وتشغيل 400 عامل، إضافة لمصنع الإسمنت سيلاس للمستثمر سواكري وكذا مصنع إنتاج المياه المعدنية منبع الغزلان المشهورة وطنيا.
كما توجد بلوطاية محطتين لنقل المواد الكيميائية والبترولية ومصنعين للأجر ومنطقة النشاطات التي ستجعل البلدية قطبا وطنيا للاستثمار بها عدة وحدات لإنتاج المواد الغذائية والصناعات التحويلية على غرار معصرة للزيتون كون المنطقة غنية بهذه الشعبة الفلاحية بفضل مناخها شبه صحراوي حار صيفا وبارد شتاء.
كما يأتي استثمار الشركة الوطنية كوسيدار للإنتاج الحبوب والمواد النباتية والحيوانية والتي ستشغل 700 عامل على المدى المتوسط والقريب على مساحة 10 آلاف هكتار،وهو استثمار كبير ـ حسب المير ـ من شأنه تموين الولاية والوطن، يضاف لما سبق مشروع مصفاة للبترول من أصل 6 الموجودة وطنيا والتي في مرحلة الدراسة التقنية وهي استثمار عمومي تابع لمجمع سوناطراك والتي ستوفر 10 آلاف منصب شغل.
يضاف لما سبق ـ تتوفر لوطاية ـ على منبع حموي منفرد وطنيا لطبيعة مياهه الطبيعية والصحية وهو منبع سيدي الحاج، وتسعى البلدية خلال العهدة الحالية لتحقيق حلم إنجاز «متحف» يحفظ الذاكرة التاريخية الجماعية للجزائرية ويوثق الحضارات المتعاقبة على لوطاية.
خلال جولتنا بلوطاية سجلنا ربط التجمعات السكنية وكل المشاتي والقرى الـ7 بشبكة الكهرباء والغاز والصرف الصحي بنسبة تقارب الـ100 بالمائة، الأمر الذي جعل منها نموذجا وطنيا في التسيير المحلي والديمقراطية التشاركية يضيف عميري، حيث حقّقت البلدية خلال عهدتين قفزة نوعية في مختلف مناحي الحياة، وذلك من خلال توفير السكن، حيث تمّ منح 600 تجزئة اجتماعية في إطار التخصصات الاجتماعية و500 سكن ريفي والعشرات من السكنات من مختلف الصيغ الأخرى.
ولعلّ أهم الملفات المطروحة على طاولة المجلس لهذه العهدة حسب عميري هي النهوض بقطاعات الشباب والرياضة من خلال انجاز مسبح ودار للشباب وملعب، وكذا الثقافة والسياحة التربية والتعليم، حيث تمّ إنشاء ديوان محلي للسياحة الذي أوكل له دور تفعيل السياحة وتوفير مقرات لجمع وحفظ الآثار وتنظيم تظاهرات ومعارض وصالونات ثقافية وسياحية وتاريخية.
وتتوفر لوطاية على 8 مدراس ابتدائية ومتوسطتين وثانويتين، غير أنها تسجل نقصا بالمدينة الجديدة بعجز 10 أقسام توسيعية وهناك تجمعين سكنيين بحاجة لمجمع مدرسي وبالنسبة للطور المتوسط بمنبع الغزلان تمّ تسجيل عجز بـ300 مقعد بيداغوجي. نفس الشيء بالنسبة للمدينة الجديدة المسجل بها عجز 6 أقسام بمتوسطتها. كما يأتي انشغال انجاز ثانوية، من بين أهم مطالب السكان المرفوعة للجهات الوصية، خاصة والي بسكرة احمد كروم التي تعهّد بالنظر بجدية في الموضوع.
وخلافا لباقي بلديات الوطن لا تواجه لوطاية إشكالا في النقل المدرسي ونقص الحافلات التي عددها 6 بل بنقص حاد في السائقين بسبب تجميد التوظيف، حيث لجأ المجلس لاستجار حافلات خاصة نقل التلاميذ إلى المدارس في ظروف جيدة لضمان حق التلاميذ في التمدرس.
تتوفّر لوطاية مركز ومنبع الغزلان على مصفاتين لتصفية المياه المستعملة في إطار الحفاظ على البيئة في انتظار انجاز محطات تصفيات أخرى، وكل الشبكات الباطنية الخاصة بالمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وكذا شبكة الغاز الطبيعي، خاصة بعد زيارة والي بسكرة مؤخرا للبلدية وتخصيصه لغلاف مالي معتبر لاستكمال عملية الربط بنسبة 100 بالمائة.
نفس الشيء بالنسبة لشبكة الإنارة العمومية بالبلدية وعلى حواف الطريق الوطني رقم 3 على مسافة 20 كلم، من المنتظر أن تتكفّل بها مؤسسة «سكرة نت» الخاصة بالنظافة والمساحات الخضراء وصيانة شبكة الإنارة.
وبخصوص قطاع الفلاحة فتتميز لوطاية بجودة ووفرة شعبتي الحبوب والتمور وكذا الزيتون التي أخذت أفاقا كبيرة في التوسّع على مساحة تفوق الـ25 بالمائة من مساحة البلدية بفضل توجّه الفلاحين لها، نظرا لطبيعة المنطقة والتي أعطت نتائج إيجابية في الميدان وأجودها وطنيا خاصة مع توجّه المستثمرين لإنجاز معاصر لتفعيل هذه الشعبة وتموين السوق الوطنية بها.
والي بسكرة مدعو للتكفّل بقطاع الصحة
كما يعتبر قطاع الصحة بالبلدية من بين أكثر القطاعات الحساسة التي تبقى هاجسا للسكان بسبب انعدام العيادات متعدّدة الخدمات واقتصاره على مراكز صحية، يضاف لها النقص الفادح في الأطباء المختصين والأجهزة الطبية وحتى بعض التخصصات المنعدمة تماما على غرار التسمّم العقربي والأمومة والطفولة، التي لا تزال بمستشفى عاصمة الولاية رغم التعداد السكاني الكبير لبلدية لوطاية.
وتحصي لوطاية ـ حسب مسؤولها الأول ساعد عميري ـ 5 مراكز صحية لا تلبي حاجيات الساكنة، نظرا لغياب المناوبة بسبب نقص الأطباء. كما يأتي انشغال فتح جناح للأمومة والطفولة من أهم مطالب السكان والمجلس البلدي، من أجل التكفل بالنساء الحوامل ومتابعة حالتهن الصحية ووضع مواليدهن الجدد.
وناشد المير والي بسكرة ووزير الصحة التدخّل العاجل لبرمجة انجاز مشروع عيادة للأمومة والطفولة أو على الأقل فتح جناح بمركز لوطاية وتجهيزه وتوفير مختصين في أمراض النساء والتوليد، حيث تتواصل معاناة النساء الحوامل اللائي يضطرن إلى التنقل لمستشفى بشير بن ناصر أو إحدى العيادات الخاصة بمدينة بسكرة، لوضع مواليدهن، حيث ناشد السكان الوالي لإنهاء معاناتهم الكبيرة التي يتكبّدونها جراء التنقل إلى المستشفيات الأخرى في ظروف مناخية صعبة وفي أوقات متأخرة من الليل في بعض الأحيان، حيث تضطر البعض منهن لوضع المواليد على قارعة الطريق، الأمر الذي يتسبّب في مضاعفات صحية للأم والجنين وفي أسوء الظروف يؤدي بحياة الاثنين.
كما طالب المير بضرورة انجاز مشروع مستشفى جهوي خاص بالتسمم العقربي تستفيد من خدمات كل ولايات الجنوب والجنوب الشرقي على غرار باتنة الوادي المسيلة وغيرها، حيث تحصي لوطاية أكبر نسبة إصابة بالتسمم العقربي، خاصة وأنها منطقة عبور حيوية، حيث تمر يوميا أكثر من 20 ألف مركبة عبر الطريق الوطني رقم 03 الذي يشق لوطاية.
لعلّ الإشكال الكبير الذي تواجهه لوطاية لإنجاز المشاريع هو النقص الكبير في العقار، كونها فلاحية بامتياز، حيث يواجه المجلس البلدي في كل مرة يشرع في انجاز مخططات عمرانية، أن أغلب العقارات فلاحية ويحتاج التنازل عنها لإجراءات وقرارات مركزية تتجاوز حتى صلاحيات الوالي احمد كروم، حيث ناشد المير الجهات العليا للدولة على غرار الوزير الأول وكذا وزير الداخلية والتهيئة العمرانية لاقتطاع أراضي من المزرعة النموذجية والتي فيها مساحات كبيرة لأراضي غير مستغلة تقدر بـ6 آلاف هكتار من أصل 10، على غرار الحاصل في بعض ولايات الوطن، وذلك بهدف إنجاز مرافق عمومية، حيث أحصى المجلس ما نسبته 5 بالمائة فقط من مساحة البلدية بإمكانها أن تكون أراضي لإنجاز مشاريع، ما يعني أنه في السنوات القادمة ستكون لوطاية فعلا عاجزة عن انجاز أي مرفق أو تجهيز عمومي.
ونفس الشيء، بالنسبة للعقار الصناعي حيث يواجه المستثمرين الخواص صعوبات كثيرة في إيجاد عقارات لإنجاز مشاريعهم الاستثمارية رغم التوجه الجديد للدولة بتشجيع الإستثمار الخاص لخلق بدائل ثروة جديدة.
عصرنة الخدمة العمومية تحدي توشك البلدية على تحقيقه
نجحت لوطاية على مدار السنوات الأخيرة في تحسين الخدمة العمومية، رغم ميزانيتها المقدرة بـ7 مليار، غير أن تثمين ممتلكاتها صنع الفارق في تقريب الإدارة من المواطن، حيث تمّ انجاز 3
ملاحق إدارية بأكبر التجمعات السكانية مربوطة بالشبكة الوطنية، تستخرج منها كل الوثائق في لحظات على غرار رخص السياقة وبطاقات البيومترية لدرجة أن البلدية تستقبل سكان باقي بلديات الولاية لاستخراج وثائقهم وإتمام عملياتهم الإدارية، نظرا لجودة الخدمات المقدمة خاصة بعد تفعيل خلية للإعلام وإنشاء صفحة رسمية على الفايس بوك وأيام الإستقبال.
وتحصي لوطاية 11 ألف هيئة ناخبة تنتخب بـ6 مراكز تمّ توسيع مكاتبها لتوفير أجواء اقتراع جيدة، خاصة وأن الجزائر مقبلة على استحقاق انتخابي هام يتمثل في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها شهر افريل من العام المقبل.
كما نجحت لوطاية على عكس باقي بلديات الوطن في القضاء على مشكل القمامة والنفايات العشوائية، حيث لا تشتكي من «هاجس» غياب النظافة ورفع النفايات والمساحات الخضراء، حيث تتوفر البلدية على مركز تقني هام يستوعب يوميا أكثر من 10 أطنان من القمامة الخاصة بالبلدية تنقلها 3 شاحنات، إضافة لنفايات عديد البلديات المجاورة.