يتطلّب الإنعاش الاقتصادي تغيير أنماط النشاط الاقتصادي، بشكل جذري في بعض الأحيان، ممّا يمكن من معالجة الإختلالات الاقتصادية وإصلاح الضرر عن طريق إعادة تخصيص الموارد وإعادة استخدامها الطاقات المتجددة، حسب ما توصّل إليه الخبير في الطاقة بوزيان مهماه.
يعتبر مهماه أنّ الطّاقات المتجدّدة تعد رافدا من روافد الإنعاش الاقتصادي في الجزائر، مبرزا دورها في تحقيق التنمية الإقليمية، قال في حديثه لـ «الشعب» حول هذا الموضوع إنه حينما نهتم بمناقشة مسألة «الإنعاش الاقتصادي»، فمن وجهة نظره، ينبغي عدم الإغراق في التنظير، بل يستحسن لنا التوجه إلى استحضار الخلاصات المهمة التي تركز على تحريك النمو، ومنها على الخصوص «بواعث الإنتاج» وبناء العناصر المحققة لـ «الرفاه الإجتماعي» وخلق «الوظائف» على المستوى المحلي، لأنها تعدّ المحرك الأساس لإنعاش الاستهلاك وتقوية القدرة الشرائية، وبالتالي تحريك الإنتاج.
يرى الخبير أنه يجب الإدراك بأن مسألة الإنعاش الإقتصادي «تتجلى من خلال تغيير أنماط النشاط الاقتصادي، وبشكل جذري في بعض الأحيان، وأحيانا بطرق غير ملحوظة، حيث يقوم «الإنعاش» بمعالجة الإختلالات الاقتصادية وإصلاح الضرر عن طريق إعادة تخصيص الموارد وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها في استخدامات جديدة، بطريقة مماثلة لكيفية عمل الوظيفة الحيوية لجسم الكائن الحي، وكيف يتعامل مع الأنسجة الميتة والتالفة من أجل إنتاج خلايا وأنسجة جديدة حتى ولو كانت الإصابات بليغة.
تجدّد التّنمية والأعمال التّجارية
الأهم بالنسبة له هو أنّ الطّاقات المتجدّدة من خلال ميزاتها المتعددة، تعيد تجديد التنمية والأعمال التجارية الجديد، مشيرا إلى أن تقييمات التحول تدل على أنها في بداية تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سيكون خلق القيمة الإقتصادية المحلية المحتملة محدودًا، كون مرافق الإنتاج وكذلك المهارات والمعرفة المطلوبة قد تكون غير متوفرة على المستوى المحلي، خاصة فيما يتعلق بالتصنيع، لكن هناك تجارب لبلدان ركّزت أولاً على المكونات ذات التنوع العالي والتعقيد المنخفض، مما سمح لها بزيادة خلق القيمة الاقتصادية المضافة محليّاً تدريجياً إلى غاية الوصول إلى إنشاء السلاسل الصناعية الأولى.
يمكن للجزائر أن تستفيد من هذه التجارب التي كانت انطلاقتها من خلال إنشاء القيمة المحلية بشكل أساسي في مجالات صناعية محدودة تتعلق بإنتاج الكوابل ومعدات الشبكات، وفي بناء قدرات التشغيل والصيانة، وأيضا التحكم في الخدمات المالية الجديدة لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتتطور صيرورة الأعمال وصولاً إلى تصنيع مكونات أكثر تعقيدًا في الصناعات المتآزرة، على الخصوص في حالة البلدان ذات السياسات الصناعية الطموحة التي تجمع بين البحث والتطوير والتراكمية والتكوين والتدريب والتأهيل، بما يهدف إلى إنشاء سلسلة قيمة محلية كاملة.
ففي تجربة جنوب إفريقيا مثلا، خلقت متطلّبات المحتوى المحلي حتمية لدمج قدرات الفواعل المحلية في مشاريع الطاقة المتجددة، مما أدى إلى خلق تفاعل ايجابي هجين كبير بين الإستثمار الأجنبي المباشر وقدرات الفواعل المحليين في المشاريع المشتركة، وكذلك في التعاون بين موردي التكنولوجيات الدوليين والمحليين، وكانت السياسات تركز على تحديد عتبات المحتوى المحلي، بدلاً من فرض توطين مكونات معينة، كما سمحت جنوب إفريقيا للقطاع الخاص من تحديد كيفية تلبية عتبات المحتوى المحلي، بحيث ساعد تصميم المحتوى المحلي الذكي والسلس هذا على التحكم في تكاليف الطاقة المتجددة مما جعلها قابلة للإدارة على الرغم من الوصول بمتطلبات المحتوى المحلي إلى نسبة 40 % لطاقة الرياح و45 % للطاقة الشمسية الكهروضوئية.
الطّاقة الشّمسية مكّنت من تحقيق القدرة التّنافسية مع النّفط والغاز الطّبيعي
أضاف أنّ مساهمة محطات الطاقة الشمسية للتدفئة الصناعية في المكسيك، عُمان وإسبانيا أصبحت تنافسية من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري، مما يشير إلى إمكانية زيادة نمو سوق التدفئة بالطاقة الشمسية في العديد من البلدان الأخرى، وكون تحقيق القدرة التنافسية العالية مع النفط والغاز الطبيعي لا يزال يمثل تحديًا جوهريا، مما دفع بالحكومات في عام 2019 كي تُقدم عددا متزايدا من التمويل لمنشآت التدفئة الصناعية الشمسية، بما في ذلك النمسا، الصين، فرنسا، ألمانيا وهولندا، وبدعم «المنح» تمّ تركيب العديد من المحطات الكبيرة وتركيب التجهيزات الجديدة، بما في ذلك نظام تجميع الألواح المسطحة الذي يوفر الحرارة لمصنع الورق الفرنسي (3.4 ميغاواط)، وبناء حقل يوفر الحرارة للبيوت الزجاجية في هولندا بسعة (6، 5 ميغاواط.
وفيما يتعلق بدور الطاقات المتجددة في خلق الوظائف، قال مهماه إنه ممكن وذلك باستنباط تجارب دول سبقتنا في تطوير قطاع الطاقات المتجددة. ولفهم وإدراك مدى مساهمة الطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية بمختلف فروعها وتطبيقاتها في خلق القيمة الإقتصادية، وعلى الخصوص التوسع في إنشاء مناصب الشغل واستدامتها على المستوى المحلي وداخل الإقليم الجغرافي للجماعات المحلية، استحضر الخبير معطيات هذا الوضع مثلا على مدى عشرية كاملة (2010-2019)، لمعرفة كيف استمر نمو الوظائف في قطاع الطاقات المتجددة في جميع أنحاء العالم، حيث أصبح القطاع يشغل في عام 2019 حوالي 11 ، 5 مليون شخص في وظائف مباشرة وغير مباشرة، منها 32 % تشغله النساء، مع وجود 3، 8 مليون وظيفة منها في القطاع الصناعي للكهروضوئي.
ولإدراك أهمية هذا الرقم المتعلق بمساهمة الطاقات المتجددة في خلق الوظائف أجرى الخبير مقارنة، ففي سنة 2017، كان قطاع الطاقة العالمي يوظف ما يقرب من 58 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، في تلك سنة وصل عدد الوظائف المباشرة وغير مباشرة في قطاع الطاقات المتجددة بما فيها طاقة المساقط المائية وطاقة الكتلة الحيوية التقليدية 10، 53 وظيفة، أي ما نسبته 18، 15% من مجموع الوظائف الكلية في قطاع الطاقة العالمي، بينما الطاقات المتجددة في سنة 2017 كانت تمثل 17، 9% من إجمالي الاستهلاك الطاقوي النهائي العالمي، أي أنها تخلق وظائف أكبر من نسبة مساهمتها في النشاط الفعلي المتعلق بتوليد الطاقة واستهلاكها، وهذا مؤشر مهم.
وللتعمق أكثر في فهم الرقم، ذكر مهماه أن مجموعة طاقة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة المحيطات) تمثل 2، 1 % من إجمالي الاستهلاك الطاقوي العالمي، بمعنى أنها تمثل 11، 73 % فقط من المساهمة الطاقوية داخل منظومة الطاقات المتجددة، لكنها في المقابل توظف 6636 شخص، بما يمثل 58 % من مجموع الوظائف التي خلقها قطاع الطاقة المتجددة. لنتأمّل هذه المفارقة التي يلخصها رقمان، مساهمة في الإستهلاك النهائي للطاقة بـ 11، 73% مع توظيف 58 % من تعداد العمال!! أي أن الطاقة الشمسية مثلا تخلق قيمة اقتصادية تعادل خمسة (5) أضعاف قيمة مساهمتها الطاقوية، وهذا شيء مبهر حقا، فلو يسهم كل قطاع نشاطا بخمسة أضعاف قيمته الذاتية فسيكون «الرخاء» مُشاعا في كلّ الأرجاء.