الخبـير في الاستراتيجيـات الاقتصاديـة.. فريـد كورتـل لـ “الشعـب”..

تفعيل المناطق الحرّة والتجارة البينيـة.. توّغل رباعـي نحو العمق الإفريقي

فايزة بلعريبي

الإدارة المشتركـة للميــاه الجوفيـة للحفــاظ على السيــادة الإقليمية

بمبادرة جزائرية، لقيت ترحيبا كبيرا ودعما ديبلوماسيا من طرف كل من تونس وليبيا وموريتانيا، تشهد منطقة شمال إفريقيا ميلاد تكتل إقليمي مهم، هدفه التعاون الاقتصادي بالدرجة الأولى بعيدا عن الأجندات والحسابات الضيقة. حيث أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عزمه على النهوض بالمنطقة وإبعادها عن بوتقة النزاعات الأمنية، مما يحفظ السلام والاستقرار بها. فمن لقاءات هامش قمة الغاز المنعقدة بالجزائر، إلى قمة ثلاثية تجمع قادة كل من الجزائر، تونس وليبيا، وزيارة رئيس الجمهورية إلى موريتانيا، لتشكل نقطة انطلاق، تهدف لإنشاء تجمع شمال إفريقي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وتوحيد الصف، وفي وقت يشهد فيه العالم تنامي التجمعات الإقليمية.
اعتبر الخبير في الاستراتيجيات الاقتصادية، البروفيسور فريد كورتل في اتصال مع “الشعب”، الاجتماعات التي تعقد بين الدول الثلاث “الجزائر وتونس وليبيا”، فرصة للنظر والتشاور والفصل في العديد من القضايا والملفات المشتركة ذات البعد الإقليمي، بما يخدم مصالح هذه الدول مجتمعة.
مضيفا أن هذه البلدان إلى جانب موريتانيا -إضافة إلى الحدود الإقليمية التي تجمعها وتربطها روابط متينة ومصالح مشتركة، بات عليها إرساء ركائز حوار جاد وتبني إستراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار، من خلال استشرافاتها للمستقبل المشترك لكل من الجزائر، تونس وليبيا وكذا موريتانيا، وما تواجهه من تحديات اقتصادية ومخاطر أمنية إقليمية.

تكتـلات مفروضـة..

وارتأى كورتل الحديث عن التكتل الذي بدأ بثلاث دول، بداية من ميلاده أول مرة، تحديدا في مارس 2024، على هامش قمة الغاز المنعقدة بالجزائر ما بين 29 فيفري و02 مارس بالجزائر العاصمة، حيث تم عقد اجتماع ثلاثي بين قادة الجزائر وتونس وليبيا، أين تم الاتفاق على ضرورة تنسيق الجهود من أجل توطيد أطر الشراكة بما يخدم مصالحها، في ظل واقع عالمي تحكمه الاتفاقيات والمصالح المشتركة.
واقع يفرض التكتلات الاقتصادية والسياسي، ما يحتم على الجزائر عقد تكتلات لحماية مصالحها. أما عن خلفيات الاجتماع، فقد أوضح الخبير الاقتصادي أنه يؤسس لمشروع شراكة تصبو إلى تكامل إقليمي يعزّز من وزن هذه الدول الأربع بين شركائها العالميين خاصة المتواجدين بالضفة المقابلة من حوض المتوسط.
 وشددا في نفس الوقت على أن أي شراكة مبرمة بين هذه الدول من شأنها تقوية مناعتها أمام مساعي الاختراق وتوطيد العلاقات البينية ما يسمح بتشكيل سد اقتصادي وسياسي منيع أمام المناورات الغادرة التي تهدف إلى تشتيت الشمل العربي أينما وجد. كما سيترتب عن الاجتماعات التي سيتم الاتفاق على عقدها بشكل دوري منتظم كل ثلاثة أشهر، ترسيخ الثقة بشكل أعمق ومد جسور التعاون بين الدول الثلاث لتشمل المنحى الأمني والاقتصادي، وما يترتب عنه من فتح للأسواق الإفريقية وتكامل تجاري، مما سيسمح من التخفيف من التبعية الغربية، بالإضافة إلى التخفيف من حدة الأزمات التي تعيشها هذه الدول خاصة الأمنية منها بالنسبة للشقيقة ليبيا.

رؤيـة اقتصاديـة لمصــير مشترك..

في هذا الإطار، أضاف كورتل، أن المسعى الاقتصادي الذي يعتبر من البنود الأساسية التي يركز عليها التعاون، بإمكانه أن يشكل دفعا قويا لإنشاء مناطق تبادل حرة بين هذه الدول عبر حدودها الجغرافية، خاصة وأن القانون 15/22 المتعلق بالمناطق الحرة، قد كرس مبدأ إنشاء مناطق حرة حدودية خاصة على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية مع الجارتين تونس وليبيا وموريتانيا، مما سيعزز من قوة اقتصادياتها ثنائيا وثلاثيا ورباعيا، وتعميم الفائدة الاقتصادية.
وفي 21 جويلية 2024، تم الاتفاق في لقاء ثاني بقصر قرطاج بالعاصمة تونس، بعد الذي انعقد على هامش قمة الغاز، تابع المتحدث، تم بموجبه الإعلان عن مبادرة لأرباب العمل جزائريين وتونسيين وليبيين، تقتضي إنشاء مجلس شراكة لمنظمات أرباب العمل بين كل من مجلس التجديد الجزائري الاقتصادي والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية “أوتيكا”، والإتحاد العام لغرف الصناعة والتجارة والزراعة بليبيا، ما اعتبره المتحدث تجسيدا لمسعى قادة الدول، في الشق الاقتصادي حيث ستشكل المبادرة آلية للعمل المشترك للمساهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي بين هذه الدول، من خلال شراكات استثمارية ذات قيمة مضافة عالية بين الفاعلين الاقتصاديين من القطاعين العام والخاص لهذه الدول، ودراسة إنجاز مشاريع تنموية كبرى لا سيما على المناطق الحدودية المشتركة مع ضمان انخراطها ضمن سلاسل القيم العالمية.
وبحسب ما صدر عن التكتل الإقليمي للدول، استطرد ذات المتحدث، أن أهمية التعجيل بإقامة مناطق للتبادل الحر، وإنشاء مناطق صناعية ذكية بالمناطق الحدودية المشتركة، وإقامة استثمارات منتجة بات أمرا حتميا، كجزء هام من مسعى قادة الدول لتأمين المنطقة اقتصاديا وصد المناورات التي تستهدف أمنها الاقتصادي ومن خلاله أمنها السياسي والعسكري في حال التبعية للغرب.

الميـاه الجوفية

 وفي ذات السياق، تطرق البروفيسور كورتل، إلى ثالث لقاء في إطار الاجتماعات الدورية، تضمن جدول أعماله إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الجانب الجزائري ممثلا بوزير الري والجانب التونسي ممثلا بوزير الفلاحة والموارد المائية والليبي ممثلا بوزير الموارد المائية، حيث سعت بعض الأطراف الخارجية استغلال هذا الجانب، نظرا لامتلاك الجزائر حجما معتبرا من المياه الجوفية المتواجدة بالصحراء الكبرى للجزائر، تشترك فيها مع كل من ليبيا وتونس، ما دفع بهذه الدول إلى اتخاذ قرار إنشاء آلية مقرها الجزائر، مهمتها الأساسية الإدارة المشتركة للمياه الجوفية طبقا لمصالح كل دولة، وبهذا الخصوص فتح كورتل قوسا حول منسوب المياه الجوفية الموزع كالآتي، %70 منها متواجدة بالصحراء الكبرى الجزائرية، 20% متواجدة بالأراضي الليبية و10% منها متواجدة بالإقليم التونسي. واعتبر كورتل، أن نجاح هذه الدول في تسيير مواردها من المياه الجوفية، يعتبر في حد ذاته انتصارا لها.

تبـادل خبراتــي ونفوذ إقليمـي..

أما بالنسبة للمحاور التي ستتضمنها جداول أعمال الاجتماعات، يتوقع كورتل أنها ستشمل محاور أمنية بالدرجة الأولى إضافة إلى المحاور ذات الطابع السياسي والاقتصادي، بما يخدم توغل اقتصادياتها عبر الخارطة الاقتصادية العالمية والإفريقية، خاصة وأن الجزائر وليبيا دولتان نفطيتان بامتياز، وبالتالي فإن كل شراكة طاقوية بينهما ستعزز من نفوذهما بالأسواق الطاقوية العالمية -بحسب ذات المتحدث- إضافة إلى السمعة السياحية والمورد البشري العامل الذي تتميز به الجارة تونس، مما يشكل عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية الكبرى، وإنشاء قاعدة اقتصادية للتوغل نحو العمق الإفريقي في ظل المنطقة الحرة للتبادل التجاري الإفريقي “زليكاف”.
في هذا الصدد أشاد كورتل بالتجربة الليبية الرائدة فيما تعلق بالمناطق الحرة وإمكانية تصدير خبرتها في هذا النشاط إلى كل من الجزائر وتونس وموريتانيا، ما يمكن من التسريع في تفعيل مشروع المناطق الحرة وما يدره من منافع اقتصادية للبلدان الثلاث، أهمها توفير المنتجات للأسواق المحلية وتوفير العملة الصعبة بالإضافة إلى امتصاص البطالة.
من خلال ما سبق ذكره، خلص كورتل إلى أن الشراكات والتكتلات ذات المصالح المشتركة تفرض نفسها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، فمهما بلغت الدول من قوة اقتصادية إلا أنها تبقى في حاجة إلى تحالفات لحماية مصالحها، مستشهدا بالجزائر التي تعتبر اليوم ثالث اقتصاد إفريقي إلا أن ذلك لا يجعلها في غنى عن التحالف الإقليمي مع دول الجوار التي أبدت في العديد من المناسبات اهتمامها بالتجربة الجزائرية في عدة مجالات على غرار الطاقة، حيث ذكر كورتل مثالا عن مجال التنقيب عن النفط الذي أثبتت الشركة الجزائرية “سوناطراك” جدارتها به، من خلال عمليات الاستكشاف والتنقيب التي قامت بها في ليبيا منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، بالإضافة إلى الاستكشاف الذي قامت به مؤخرا بالنيجر وغيرها.
إلى جانب الريادة الجزائرية في مجال المؤسسات الناشئة، حيث أصبح اليوم النظام البيئي الاقتصادي للمؤسسات الناشئة، نموذجا قابلا للتصدير على مستوى القارة الإفريقية. وبالتالي فالتكامل الاقتصادي الثلاثي، يقول كورتل، سيمكن من الرفع من الإمكانيات الاقتصادية لهذه الدول ويرفع من قيمة ناتجها الداخلي الخام من خلال الرفع من رؤوس الأموال المتداولة بها وانتعاش الحركية الاقتصادية بها.

الهجـــرة غير الشرعية.. هـاجس مشـترك

ولا يمكن الحديث عن الملفات ذات الاهتمام المشترك بين كل من الجزائر، تونس وليبيا دون التطرق إلى ملف الهجرة السرية من الجنوب الإفريقي نحو هذه الدول، ملف يقول كورتل أنه بات يؤرق الدول المستقبلة لما يترتب عنه من تداعيات، حيث يتخذ المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مختلف الدول الإفريقية، دول الشمال الإفريقي كمعابر نحو الدول الأوربية، وبالتالي ونظرا لما تشكله الهجرة غير الشرعية من عبء على الدول خاصة في الشق الأمني، لما يرافقها من نشاط غير شرعي، كالتهريب والاتجار بالبشر والترويج للمخدرات، وجب التصدي لها من خلال إستراتيجية مشتركة، وهو ما تحرص مختلف الجهات الأمنية على التنسيق فيما بينها من أجل التصدي لهذه الظاهرة. من جهة أخرى فإن تنمية المناطق الحدودية وإعمارها، سيحد من نزوح المهاجرين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19651

العدد 19651

الأربعاء 18 ديسمبر 2024
العدد 19650

العدد 19650

الثلاثاء 17 ديسمبر 2024
العدد 19649

العدد 19649

الأحد 15 ديسمبر 2024
العدد 19648

العدد 19648

السبت 14 ديسمبر 2024