الهمّة هي تلك القوة الباعثة على الفعل، وهي الطموح إلى معالي الأمور، وهي ضد الخنوع والهون والرضا بالدون.
والهمّة قرينة النية فإن صلحت صلح ما بعدها وإن فسدت فسد ما بعدها،وفي هذا يقول أحد الصالحين: «همّتك احفظها فإن الهمّة مقدمة الأشياء فمن صلحت هّمته وصدق فيها: صلح له ماوراء ذلك من الأعمال».
والهمّة ترفع صاحبها عند وقوفه بين الخلق ومحلها قلبه، والقلب إما أن يحمل همّ الجبال وإمّا يحمل ضعف الذباب، ويمثل لها ابن القيم فيقول: «مثل القلب مثل الطائر، كلما علا: بعد عن الآفات وكلما نزل: احتوته الآفات»، وهذا يعني أن الاستعلال بالهمّة والطموح يُبقي القلب نظيفا بريئا مشغولا بالعظام، أما الاهتمام بالسفاسف فيبقي القلب مشغولا بالآفات وسهام الشيطان، فالهمّة تأتي على قدر اهتمام الإنسان بعظام الأمور أو صغارها كما يقول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ولقد تواردت النصوص من الكتاب والسنّة والتي تحثّ على الهمّة وارتياد المعالي والتسابق في الخيرات، والتحذير من سقوط الهمم والخنوع عن فعل الخير والأمر به، وذلك لأن الإسلام يكره ساقطي الهمم ولهذا ذَمّهم في أبشع صورة فقال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}، سورة الأعراف.
أما أهل العزائم والهمم فلقد أثنى عليهم وحثّ على تقفّي أثرهم وفي طليعتهم الرسل والأنبياء من أولى العزم فقال: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل}.
وهم الذين أثنى عليهم ووصفهم بالرجال الثابتين على الطاعة والقوة في دين الله تعالى فقال: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}، سورة النور.
وأما في السنّة فكثيرا ما حثّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الهمة ورفع الشأن والطموح واتخاذ الأمل أكسيرا لتحقيق الأماني رغم الصعاب والجراح والفتن والمغريات فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـفي الحديث: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».
واعتبر أن الطامح في المعالي لا يحجبه عن ذلك شيء بشرط العمل ثم العمل لبلوغ المرام، فعن ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: «كنت أبيت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي «سل؟ فقلت أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قلت هو ذاك قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود».
وكأن النفس هي محور السقوط ومحور الرفعة والعلو وهذا صحيح بلا شكّ فكل من الناس إما طامع في الدنيا وإما راغب في الآخرة، أمله أن يرضى عنه الله تعالى فطالب الدنيا طموحه سافل لا يلبث أن يذهب سواء تحقّق أم لم يتحقّق بينما طالب الآخرة يعمل لها بالتغلّب على مطالب نفسه بالإيمان إن ما عند الله خير وأبقى، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام «إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها».
ومن أجل ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرشد إلى أن المسلم إذا سأل الله فليكثر ولا يطمع في قليل يريد فقال: «إذا سأل أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربّه عزّ وجل».
ولذلك فعلى ذي الهمّة العالية أن يطمح إلى تحقيق الآمال الكبيرة ويعمل على تجاوز الصعاب وتذليل العقبات، وأن يعلم أن الله تعالى لا يٌعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو سبحانه يحبّ عبده الطامح في الوصول إلى ما عنده، فملكه لا ينقصه شيء ولقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحثّ الناس على التوجه إلى الله بالطلب بتجميل المسألة والعزم فيها وطلب أعلاها فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمان ومنه تفجر أنهار الجنة».
إن الهمّة العالية هي التي تحقّق للشباب الأماني الفضفاضة المستعصية والتي يستحيل تحقيقها على ذوي الهمم الفاشلة السافلة بشرط العلم والتحرك وعدم الرضوخ للظروف والصعاب المصطنعة، لاسيما أن الله وضع فينا قوة بالفعل تحقّق المستحيل وتحوّل الحلم إلى واقع محسوس، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، سورة التوبة.