يقول تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ اللـّه لمع المحسنين}.
إنّ الله سبحانه في هذه الآية وضّح أنّه من بذل وسعه في الحصول على الخير، وجاهد نفسه وقاومها على الطّاعة يسّر الله له ذلك، كما أكّد في قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى}.
هذه الآية تبين لنا أهمية مجاهدة النفس، وضرورة تحرّي أحوالها ذلك أن الانسان يشعر بين الفينة والأخرى إدبارا وفتورا وتهاونا في أداء الواجبات، بل يتخلى عن ذلك الواجب أحيانا نظرا لعدم الاهتمام بهذه النفس واعتبارها شيئا على هامش الوجود.
والمعروف أنّ النّفس هي روح الانسان، وعليها مقام الصلاح والفساد، كما قال سبحانه: {ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها}، فهي كالعجينة فإذا اهتمت بها كانت صالحة نافعة، وإذا أهملتها كانت فاسدة ضارّة، وصدق البصيري إذ يقول: والنّفس كالطّفل إن تهمله، شبّ على حب الرضاع وإن تعظمه ينفطم. ولهذا فلابد من مجاهدة النفس، وضرورة إخضاعها لأوامر الله بالامتثال والفعل، ونواهيه بالابتعاد والترك، ولا يتحقّق هذا الأمر إلا بمعرفة شروط ثلاثة:
أولا: أن يتعرّف الانسان على نفسه: وذلك بالتأكد من أن أغلى ما في الانسان نفسه التي هي قبضة بيد الله من التراب، ونفخه من روح الله تعالى، فهي أفضل المخلوقات وبها أصبح الانسان يمثل هذا الكون بالاستخلاف فيه، وعليه فإنّ الجهود التربوية والمتابعة تخص هذه النّفس بالدرجة الأولى، وإنما الجسم ومظاهره ما هو إلاّ تابع لها كما قال الشّاعر:
يا خادم الجسم كم تشفى لخدمته
أتطلب الرّبح ممّا فيه خسران
أقبل على النّفس واستكمل فضائلها
فأنت بالرّوح لا بالجسم إنسان
هذا من جهة، ومن جهة أخرى على الانسان أن يدرك أن ألد الأعداء إليه هي نفسه التي بين جنبيه، كما قال عليه الصّلاة والسّلام من حديث سعد بن سنان، عن أنس عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ “أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك” (الطبراني).
ثانيا: أن يتعرّف على عدوّه: إلى جانب النّفس كعدو هناك عدو آخر يتربّص بالانسان الدوائر وهو الشّيطان، إبليس الذي أخرج آدم من الجنّة فغواه وأخذ على نفسه عهدا أن لا يترك مجالا لإفساده إلاّ جرّبه، وأقسم على ذلك بعزّه الله سبحانه:
{فبعزّتك لأغوينّهم حتى حين}.
فإذا عرف الانسان خطورة الشّيطان فإنّه يسهل عليه مجاهدة النفس، لاسيّما أنّ الله تعالى قد حذّرنا منه في غير ما آية من القرآن منها قوله تعالى: {إنّ الشّيطان لكم عدو فاتّخذوه عدوّا”}.
ولقد أشار النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى أنّ الشّيطان يراقب هذا الانسان، فقال: “الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم”.
ثالثا: وأخيرا ومن الشّروط التي تساعد المرء على المجاهدة معرفة فضل العبادة، وأنّ هذا الانسان إنما خلقه الله ليعبده، ولم يخلقه سبحانه عبثا، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون}، {وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون}.
فإذا عرف الانسان هذا وجد في ذلك لذّة تقرّبه من الله تعالى، تمكّنه من التّغلب على النّفس وحلفائها الثلاث التي ذكرها أحد الشّعراء الحكماء في قوله:
إنّي ابتليت بأربع يرمونني
بقوس من نبل لها تأثير
إبليس والدنيا ونفسي والهوى
أنت يا رب عليّ الخلاص قدير
فلنحذر إذا أن ننسى هذا، ونعمل على مجاهدة أنفسنا حتى تكتب لها الوصول والنّجاة، والتّغلّب على مشاكل الحياة والفوز بجنّة الله ورضوانه.