رسالــة مــن إمــام:

عوامـل الرقـي الإنسـاني

بقلم: الإمام علي عثمان (الجلفة)

الرقي الإنساني لابد أن ينبع أولا وأخيرا من جهات ثلاث: العقل. القلب. الجسد.
كل إنسان في هذه الدنيا مطالب بأن يرتقي بنفسه في مجال العقل الذي ينقسم بدوره إلى خمس مراتب:
المرتبة الأولى: العقل الوازع. وبه يستطيع الإنسان أن يأكل ويشرب وينام ويستخدم ما أنتجه غيره. وهو عقل مقلد بصفة عامة. سواء كان مقلدا للغرب أم مقلدا للأباء.
والقاعدة تقول: ''إمان المقلد لا يجوز''.
ومن خلال هذه القاعدة يجب على الإنسان أن يرتقي بهذا العقل إلى مراحل أخرى وأنماط أفضل وأنفع. وذلك بدخوله إلي المراحل الأربعة الآتية.
المرتبة الثانية: وهو العقل المدبر أو المفكر. وهو عقل يفكر فيما حوله. ويعرف ما حوله من الكون. ويعرف ما في هذا العصر من مستجدات.
وقد قال الحق سبحانه وتعالى: ﴾أفلا يتدبرون القرآن..﴿ (محمد الآية ٢٤).
وتدبر القرآن يوصل إلى المرحلة الثالثة. وهى العلم. فإن أول آية نزلت على قلب الرسول الكريم ''اقرأ'' ولم تكن مع الرسول ورقة ليقرأها. ولم يكن مع جبريل كذلك. ولكن الأمر بالقراءة قراءة الكون. وذلك واضح بالتكرار ثلاث مرات. وعندما قال صلى اللّه عليه وسلم: ''ما أنا بقاريء '' قرأ عليه جبريل عليه السلام قول اللّه تبارك وتعالى'' :أقرأ باسم ربك الذي خلق''.

ترقــــــــــية القلــــــــــــب

وترقية القلب لابد منها في طريق الرقي الإنساني. وذلك عن طريق الفرار من اللّه تعالى إليه. حيث لا منجي منه إلا إليه. ويكون الفرار من الكفر إلي الإسلام. ومن الإسلام إلي الإيمان. ومن الإيمان إلى الإحسان. ومن الإحسان إلى اللّه سبحانه وتعالى. وبذلك يكون الإنسان عبدا مخلصا للّه عز وجل. ويكون خارجا من حوله وقوته إلى حول اللّه وقوته.
ولذلك يقول اللّه تبارك وتعالى: ﴾يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتي اللّه بقلب سليم﴿، (الشعراء الآية ٨٨ ـ ٨٩).
والإنسان وسط بين جوهرين. قال تعالى: ﴾وهديناه النجدين﴿، (البلد الآية ١٠).
ومن شأن القلب أن يرى ويختار الأفضل والأصلح في العواقب الدنيوية أو الأخروية. والإنسان في الاعتقاد قد اختلف في الدين الواضح. وفي الشرائع السماوية. وفي النحل الأرضية.
والأفضل للإنسان أن يرتبط قلبه بفطرته. التي يصل الإنسان من خلالها إلي معرفة حقيقة وجوده. وهي عبادة اللّه تبارك وتعالى.

ترقــــــــية الجســــد

وترقية الجسد تكون بالرياضة. والنظر إلى الخضرة والماء والكعبة. وسماع القرآن الكريم. وشم الروائح الطبية. والأكل من الحلال الطيب. والمحافظة على الكون بما فيه من نبات وحيوان... إلخ.
وأنماط الجسد قوة الغدد. وبها النشور والنمو. ومن أجل أن نحافظ على هذه القوة فلابد من أن يتغذي الإنسان من نبات ليس فيه مبيدات كيماوية. والحيوان لا يتغذى (العلق الآية ١).
المرحلة الثالثة: العقل العالم. وهو الذي يستنبط ما في الكون من قدرات ليفيد بها الإنسانية جمعاء. سواء كان هذا العلم علما روحيا أم علما ماديا. وذلك بالنظر والاستدلال.
المرحلة الرابعة: العقل الحكيم: وهو العقل الذي يخرج ما تعلمه الإنسان ليصل إلى الإنسان على حسب قدرته العقلية مخاطبا البشر بما يفهمون وبما يعرفون على اختلاف درجاتهم في الثقافة والفهم.
وبعد ذلك يدخل الإنسان إلى علم من عند اللّه. وهو الرشد الذي تمثله المرحلة الخامسة.
المرحلة السادسة: العقل الرشيد: والعقل الرشيد هبة من اللّه تعالي إلى عباده. ولذلك قال موسى عليه السلام للخضر عليه السلام...: ﴾هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا﴿، (الكهف الآية ٦٦).
فموسى عليه السلام عنده العقل الوازع والمدبر والعالم والحكيم. ولم يكن عنده العقل الرشيد.
يقول الحق سبحانه وتعالى ... ﴾واتقوا اللّه ويعلمكم اللّه..﴿ (البقرة الآية ٢٢٨).
ويقول أيضا ... ﴾وقل رب زدني علما﴿، (طه الآية ١١٤).
ويقول أيضا.. : (وفوق كل ذي علم عليم﴿، (يوسف الآية ٧٦).
بمواد هرمونية. فقد وصلت البشرية بتغذية الحيوان إلى جنون البقر وأنفلونزا الطيور والأمراض السرطانية.
والخلاص من ذلك يكون بترك التربة كما هي. وأن يتغذى الحيوان نباتا طيبا. مع المحافظة على الهواء الذي نتنفسه. والماء الذي نشربه. والبعد عن المهلوسات والمنشطات والمنومات والعقاقير بشتى أنواعها.
والقوة الحسية بها الإحساس واللذة والألم. والقوة التخيلية بها تصور أعيان الأشياء بعد غيبتها عن الحس. أو تخيل شيء غير موجود. فهذه هي أنماط الجسد المركب من جسم مدرك للبصر والبصيرة. والقوة الروحانية في إدراك رسوم المعلومات. فإن الخيال يتصور عن المحسوس. فالإنسان له يد عاملة. ولسان ناطق. وانتصاب في القامة الدالة على استيلائه وخلافته للكون.
قال الحق سبحانه وتعالى: ﴾لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴿، (التين الآية ٤).
ومع ذلك فإن جسم الإنسان ضعيف. يحتاج إلى مقويات. قال اللّه سبحانه وتعالى: ﴾وخلق الإنسان ضعيفا﴿، (النساءالآية ٢٨).
ويحتاج إلى السلاح والملبس. والمطعم والمشرب. والمنام.
والإنسان الراقي هو الذي يوظف هذه الحاجات. ويعمل الأعمال الحسنة من حيث النمو والنسل.
نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن ترتقي الإنسانية إلى أبعد مدى في عقلها وقلبها وجسدها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024