انتظر المسلمون في كل بقاع الأرض رؤية هلال شهر رمضان، الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم، ووعد الله من يصوم نهاره ويقوم ليل بالأجر والثواب، ويعتق الله في هذا الشهر الكريم رقاب من شاء من عباده من النار.
استعد المسلمون لاستقبال الشهر الكريم قبل حلوله بالكثير من العادات الدنيوية من شراء لاحتياجات رمضان ودعوات للأهل والأصدقاء لتناول إفطار أحد أيام الشهر الكريم، ولكن كثيرا من الناس لا يستعد لرمضان بما يستحق من استعداد روحي ونفسي يتناسب وقدر الشهر الذي عظمه الله وفضله على بقية شهور العام.
أما الاستقبال الصحيح للشهر الفضيل فأكده عدد من العلماء، الذين حددوا ملامح هذا الاستقبال بصيام عدد من الأيام الماضية من شهر شعبان لتهيئة النفس والجسم للصوم، وكذلك الإكثار من الطاعات قبل دخول الشهر وإنهاء الخصومات والخلافات وصلة الأرحام، وعقد النية على تمام الصوم والعبادة والإقلاع عن كل ما لا يليق بأفضل الشهور عند الله.
فعلى المسلمين أن يستقبلوا شهر رمضان بما يستحق هذا الشهر الكريم من تقدير وتعظيم، فعليهم القيام بما من شأنه مساعدتهم على صوم نهاره كما يجب أن يكون الصوم، وقيام ليل كما يجب أن يكون القيام. فالمسلم أن يستقوي بصومه على العمل، لا أن يتذرع بالصيام للتكاسل عن العمل، كما على كل مسلم أن يجعل من شهر رمضان بداية جديدة له مع الله ومع الناس فلا يجب أن يدخل شهر رمضان على امرئ مسلم وعليه من المظالم الكثير، وله عدد من الخصومات في العمل، وبين الأهل، والجيران والأصدقاء، فمع بداية الشهر الكريم يجب أن يسعى المسلم إلى تصفية هذه الخصومات، كما عليه أن يرد كل المظالم التى عليه لأهلها.
ونشير إلى أن ما يقع فيه المسلم طوال العام يجب أن يتفاداه في رمضان، خاصة قبل دخول الشهر الكريم، كي يعود نفسه على الطاعة، فعلى المسلم ألا يؤخر صلاة مفروضة، أو يداوم على معصية مثل شرب السجائر.
المسلم عليه الاهتمام بمجتمعه، طوال العام، وفي رمضان بصورة أكبر، فلا يعقل أن يصوم المسلمون شهرا كاملا، يداومون فيه على الطاعات بينما شوارع مدنهم غير نظيفة، بل وفي بعض المناطق مكدسة بالقمامة، أو أن يبقى بين المسلم جائع بينما موائد الأغنياء مكدسة بمفاخر الطعام والشراب.
فعلى المسلمين أن يستقبلوا رمضان كما استقبله رسول الله ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ بأن يكونوا قد أكثروا من الصيام في شهر شعبان، لأن النبي ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ عندما سئل عن ذلك قال إن أفضل الصيام في غير رمضان هو صيام شعبان، كما كان رسول الله ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ كثير الصدقة في رجب وشعبان، وكان الصحابة يستعدون لاستقبال شهر رمضان خلال الأشهر الستة التي تسبقه، اشتياقا للشهر الكريم لما فيه من خير للمسلمين.
فعلى المسلم أن يبدأ شهر رمضان، وقد خلا قلبه من الحقد والحسد والعداوة والاختلافات كما يجب على المسلم أن يتخلى خلال هذا الشهر الكريم عن الأنانية وتعليم النفس البذل والعطاء وتفضيل الغير.
إن المسلم يجب عليه تهيئة نفسه لاستقبال أعظم شهور العام بالإكثار من الخيرات والطاعات في شهري رجب وشعبان، كمقدمة طبيعية للشهر الكريم.
والمسلم الذي يريد الفوز برضا الله وثوابه خلال الشهر الكريم عليه أن يكثر من الطاعات خاصة الصلاة والصدقة، وقضاء ليالي رمضان في قيام وتلاوة لكتاب الله، كما على المسلم أن يواظب علي صلاة السنننن والتي لا يواظب عليها كثير من الناس في الشهور الأخرى، لأن الطاعات في رمضان ثوابها أكبر من ثوابها في بقية الشهور فشهر رمضان ضيف عزيز علي كل مسلم، وأن استقبال هذا الضيف يجب أن يكون بما هو أهل له، أن هناك ضوابط يجب على المسلم الالتزام بها قبل دخول الشهر الكريم منها: ضرورة مراجعة مقومات الشخصية الفردية ومحاولة تحسينها، ومراجعة جدول العمل اليومي وإعادة توزيعه بما يتناسب مع رمضان.
فعلى المسلم اقتناص فرصة دخول شهر رمضان لتقليل كمية الطعام التي يأكلها، وتقليل كلفتها بما يتناسب مع الشهر الكريم من زهد، على عكس ما يقوم به الناس حاليا من إسراف وتبذير.
إن من أجل نعم الله على الإنسان أن يمد الله في أجله حتى يرى هلال رمضان، ففي أول ليلة منه تهتز أشجار الجنة وتتفتح أبوابها، تغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين وينادي مناد من قبل الله عز وجل يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أدبر، فإذا ما استشعر الانسان ذلك علم أن هذا الضيف هو ضيف الله، وقد غاب عنا ثم عادة مرة أخرى ينشر الخير واليمن والسلام، وقد جاء محملا بالهدايا العظام، وإذا ما استشعر المؤمن ذلك خر لربه ساجدا على بلوغه نعمة رمضان، فادع الله أن يبلغك رمضان ويبارك لك فيه، فقد يكون حجة لك أو عليك، والرسول ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ يقول: :»رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان فلم يغفر الله له».
فإذا ما بورك للعبد في رمضان غربت شمسه وليس عليه خطيئة وخرج من رمضان كيوم ولدته أمه، بهذه الكيفية يجب أن يحرص المسلم على استقبال رمضان، وكان من عادته ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ أول يوم من رمضان أن ينظر ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ إلى الهلال ويدعو الله عز وجل قائلا: «اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والبركة والسلامة والإسلام».
المسلم قبل أن يقول مرحبا لرمضان عليه أن يستعد له، ففيه يتعلم الكثير من القيم والفضائل لأنه شهر ينزل الله فيه الرحمة، ويستجيب فيه الدعاء ويغفر للصائمين القانتين ذنوبهم، والمسلمون أحوج في هذا الشهر إلى الانضباط والتحكم في نزواتهم وشهواتهم والتقرب إلي الله بالعمل الجاد الصالح لهذه الأمة، ولهذا المجتمع، فمضمون الترحاب بمقدم رمضان وما تشتمل عليه، أن يلتزم الجميع فيه بالصدق والأمانة، وتحمل المسئولية نحو مجتمعهم وأمتهم فإن أهم الدروس التي يجب الاستفادة منها أن هذا الشهر الكريم يربي في المسلم الإرادة القوية، ويجعله قريبا من الله ومن الناس يعيش مع إخوانه في حب وسلام وتآلف وابتعاد تام عن كل ما حرمه الله حتى يتقبل الله منه صومه، فهذا الشهر الفضيل هو الذي ابتدئ فيه نزول القرآن الكريم على النبي الأمين ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ وفي هذا الشهر أيضا ينبغي أن يتسابق فيه المسلمون ويتنافسوا في فعل الخيرات والابتعاد عن كل عمل يعكر صفو الناس ويعكر حياتهم.