توجد مشكلة أسرية أزلية تبدأ مع تحول الأبناء من سن الطفولة إلى سن المراهقة، وقد احتار الأباء في علاج المشكلة رغم خبراتهم السابقة فيها، وذلك لتغير الموقف عند الأب والأم من مراهق أثناء فترة مراهقته إلى راعٍ أثناء فترة مراهقة أبنائه.
وتتركّز مشكلة المراهق في النمو البدني المتسارع، والإفراز الهرموني الزائد والرغبة الجنسية القوية، والحاجات النفسية المعقدة، وفي هذا الوضع المتأجج تجد الأسرة نفسها في مشكلة كبيرة. من هنا وجب الاهتمام بالمراهق في مناهج التربية الأسرية في المدرسة والتعاون بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام ووسائط الثقافة الأخرى, بحيث يتكامل الاهتمام بالجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والروحية، وهذا يتطلب مناهج متكاملة ومترابطة يعدها اختصاصيون في علوم الأحياء والنفس والتربية الإسلامية والتربية الأسرية، والتربية الاجتماعية والبدنية.
الرّسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ والمراهق
عالجت السنة النبوية المطهرة الجوانب النفسية والبدنية والتعليمية والاجتماعية والتربوية للمراهق في الحديث الذي أورده الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده، عن أبي أمامة أن فتى شاباً أتى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه، مه، فدنا منه قريباً قال: فجلس (أي الشاب)، قال: “أتحبه لأهلك؟”، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم”، قال: “أتحبه لأختك؟”، قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.
ـ قال: “أتحبه لعمتك؟”، قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: “ولا الناس يحبونه لعماتهم”.
ـ قال: “أتحبه لخالتك؟”، قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: “ولا الناس يحبونه لخالاتهم”.
ـ قال: فوضع يده عليه وقال: “اللّهم اغفر ذنبه، وطهّر قلبه، وحصّن فرجه”، فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء (أخرجه الإمام أحمد في مسنده).
من التربية الأسرية في الحديث:
1 ـ الرفق واللين في المعاملة:
عندما أفصح الفتى بما يعانيه من حاجة إلى الزنا زجره القوم وقالوا: مه ـ مه،) ولكن الرحمة المهداة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ رفق بالفتى وعامله باللين وهدأ من روعه ودنا منه قريباً، فأنس الفتى وهدأ. من هنا وجب معاملة المراهقين بالرفق واللطف واللين، وتقدير الموقف العصيب الذي يعاني منه المراهق.
2 ـ فتح باب الحوار مع المراهق:
عندما أنس الفتى لرسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فتح معه باب الحوار والمناقشة، وهذا من أحدث أساليب التعليم والتعلُّم في التربية الحديثة، والحوار وإيجابية المتعلم يؤديان إلى سرعة التعلم وإشراكه في النتائج التعليمية والتقويم، فيشعر أنه صاحب القرار وأن الحل ليس مفروضاً عليه، من هنا وجب علينا بناء مناهج دراسية تقوم على فتح باب الحوار مع المتعلم وأن يكون المعلم والمربي قادراً على إدارة الحوار، وهذا لن يتأتى إلا بالعلم بنفسية المراهق وخصائص نموه، وحاجته البدنية والاجتماعية والتربوية.
3 ـ العِلم بنفسية المراهق وخصائص نموّه:
حتى يتمكّن المعلم أو المربي أو الوالد من معالجة المراهق يجب عليه أن يكون على دراية تامة بالجوانب النفسية وخصائص نمو المراهق حتى نستطيع الوصول إلى النتائج المرجوة.
4 ـ بيان أبعاد المشكلة:
حتى يعلم الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ المراهق خطورة الزنا بين معه جوانب المشكلة الاجتماعية والنفسية، وأن ما يريد الإقدام عليه من المخالفات الاجتماعية والخلقية التي لا يرضاها الناس لأنفسهم وهنا استشعر المراهق أبعاد المشكلة.
5 ـ تحديد المشكلة:
علم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن للمشكلة أسس خلقية وقلبية وبدنية، فوضع يده على صدر الشاب ثم دعا له بالمغفرة لطلبه الزنا، وتطهير القلب من نوازع الشيطان وإحصان فرجه، من هنا يجب أن نعلم مشاكل المراهقين ونحددها.
6 ـ علاج المشكلة:
ـ عالج المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ المشكلة بعد تحديدها، فوضع يده على الفتى ليهدأ بدينا، وطلب من الله أن يحصن فرجه، ويطهر قلبه، وحتى نحصن فرج الشباب علينا تيسير سبل الزواج والحث عليه بضوابطه الشرعية، وتربية الشباب تربية إيمانية وإتاحة مجالات للأنشطة الشبابية، وتنميته اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً. ومن سبل تحقيق ذلك بناء المناهج الدراسية في مجال التربية الأسرية وتعاون الجميع من أجل تربية المراهقين التربية السوية.