لكي يكون المجتمع مجتمعاً سليماً قوياً متيناً معافى من الأمراض الاجتماعية حمل الإسلام المسؤولية لجميع الأطراف فيه، عدا الصبي والمجنون وبإلقاء المسؤولية على الجميع، يحصل التوازن في المجتمع ويعلم كل فرد أنه مؤاخذ ومحاسب على ما يفعله وما تكسبه يداه وما يكنه ضميره.
وأساس هذه المسؤولية قوله - عليه الصلاة والسلام فيما معناه “كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده ومسؤول عن رعيته ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته”.
أما المسؤولية الأولى: فهي مسؤولية الإمام وهو كل شخص بيده سلطة فعلية أو تنفيذية كالحاكم والوزير والقاضي ورئيس الدائرة.
فالحاكم مسؤوليته عظيمة وخطيرة للغاية لذا تكون له المنزلة الرفيعة العظيمة يوم القيامة إذا كان عادلاً يحكم بكتاب الله وسنة رسوله.
وتكون له المنزلة الوضعية الأليمة إذا كان مستبداً جباراً في الأرض نابذاً لكتاب الله ولتعاليم نبيه.
فإذا كان عادلاً بين الأمة يسير على هدى الله ورسوله ولا يحابي أحداً ويجعل الناس سواسية في حكمه لا يعرف قريباً أو بعيداً أو ذا جاه أو ذا مال وثروة فإن الله تعالى يكرمه جزاء لذلك بأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال - صلى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل....”.
فكان الإمام العادل أول من ميزه الله تعالى بهذه الميزة العظيمة وقائل هذا الكلام هو سيد العادلين وإمام الحاكمين طبق هذا الكلام بالفعل فلم يكن في يوم من الأيام مسيئاً لأحد ولم يكن في يوم من الأيام مفرقاً في الحكم بين قريب أو بعيد أو غني أو فقير الكل في نظره سواء وقد تحمل المشقة والأعباء الكثيرة والسهر في سبيل راحة الأمة.
والمسؤولية والعدالة بين الناس تتجلي في أقصى صورها وتتضح من حديث المخزومية: وهو أن المخزومية سرقت ووصل الأمر إليه - صلى الله عليه وسلم فقرر قطع يدها وهناك التمس القوم شخصاً يتشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأن يعفو عنها لأنها امرأة شريفة ومن قبيلة معروفة فلم يجدوا من يجرؤ على الكلام معه سوى أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه في ذلك فما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن وبخه على موقفه.
ولم يكتف بذلك ولكنه صعد المنبر وأعلن للجميع أن الناس في نظر الإسلام سواء، لا يعرف شريفاً ولا وضيعاً وحذرهم من أن يقفوا مثل تلك المواقف غير العادلة “إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
فالتسلط على أموال الناس وأخذها دون ما وجه حق مما لا يجوز التسامح والتساهل فيه لأن ذلك خطر على الأفراد والجماعات والدولة.
وقد طبق تلك العدالة على نفسه فقال: “من كانت له ظلامة علي فهذا ظهري فقام أحد الصحابة فقال: أنا يا رسول الله فقال: هذا ظهري فقال: اكشف عن ظهرك فكشف عن ظهره فنزل يقبل ظهره وقال: إنما أردت هذا”.
إذن فمسؤولية الحاكم ليست بالأمر السهل الهين لأن خطأه خطأ للأمة وصوابه صواب الأمة.
والمسؤول الثاني: عائل الأسرة فهو مسؤول أمام الله عن زوجته وعن أولاده وعن خدمه وعن كل من تحت يده وكل ما يدور في البيت.
فإذا ما قصروا في واجبات الله أو تعدوا نواهيه فعليه أن يعالج الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة مراراً فإذا لم يجد ذلك فيتحتم عليه معالجتهم بالقوة ولا يتركهم على ما هم عليه يفعلون ما يشاءون ويجالسون من يشاءون ويذهبون أين يشاءون.
وهو مسؤول كذلك عن القيام بواجبه نحو متطلبات زوجته وأولاده من غذاء وكسوة وتعليم وتأديب.
ويجب عليه أن يكون قدوة حسنة لجميع أفراد الأسرة فهم ينظرون إليه كمعلم وكمرب كبير يقتدون به ويحذون حذوه فإذا كان مثلاً حسناً فسوف ينطبق عليهم وإذا كان مثلاً سيئاً فهم منه أسوأ.
المسؤول الثالث: المرأة فهي مسؤولة كذلك أمام الله عن كل ما يدور في داخل البيت عن الأطفال وعن تربيتهم وعن غذائهم وعن راحتهم كما أنها مسؤولة عن كل ما تفعله من وراء زوجها من خيانة ومن مصاحبة غير مرضية وأفعال منافية للأخلاق الإسلامية وكذلك مسؤولة عن مال زوجها فلا يجوز لها البذخ والإسراف في ماله ولا إعطاء الغير بغير إذنه سواء كان قريباً أم بعيداً ومسؤولة عن الخدم ومسؤولة عما يؤذيه ويسبب عدم راحته وعدم تنفيذ وصاياه وعدم توفير رغباته ومتطلباته في حدود الشرع فهي أمينه على عرضه وعرضها وعن ماله وأولاده فعليها أن تراقب الله في كل ذلك.
المسؤول الرابع: الخادم فهو مسؤول عن كل ما تحت يده من مال سيده وأهل بيته وأولاده فهو أمين على ذلك فيجب عليه أن ينصح له في عمله وأن يخلص له وإلا فهو مؤاخذ على كل ذلك.
ويشبهه الموظف في الدائرة الحكومية والعمال فإنهم مسؤولون عن كل صغيرة وكل كبيرة عما تحت أيديهم وتحت سيطرتهم.