الزواج مشروع الحياة، من اهتم به منذ بداية الاختيار وسار على الخطوات الصحيحة التي أوصى بها الإسلام عاش في سعادة وهناء.
وتعتقد بعض الفتيات أن صفات شريك الحياة المتميز أن يكون مواظباً على الصلوات الخمس في المسجد في الصف الأول، وحافظاً للقرآن، وطالبا للعلم وغيرها، لكن هل هذه العوامل كافية لبناء أسرة مستقرة سعيدة؟
لا شك أن التزام الشاب مطلبٌ أساسي في عملية اختيار الزوج، وله فوائد لا تُعَدّ ولا تُحصى في إقامة دعائم البيت السعيد.. فالزوج الملتزم حقاً يحفظ زوجته ويحسن معاملتها، ويلتزم بوصايا الحبيب عليه الصلاة والسلام حيث قال:»اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه مسلم، ولكن من الأخطاء الشائعة أن هذا يكفي لبناء أسرة سعيدة، والأخطر من ذلك اعتقادهنّ أن الالتزام «الظاهري» للشاب يكفي ليدل على أنه ملتزم وهذا أمر خاطئ جداً.
فهناك أمور أُخرى مهمة جداً يجب أن تأخذها الفتاة بعين الاعتبار عند الاختيار.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه.. إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» رواه أبو دواد والترمذي وصححه الألباني، فالإطار الأساس الذي يجب أن يتم القبول بناءً عليه هو الدِّين والخُلُق معاً.. ولكن هناك العديد من المعايير الأخرى المهمة ولعل أهمها هو التكافؤ بين الشاب والفتاة.
متدّين.. ولا يناسبك!
الشاب المواظب على الصلوات والملتحي والحافظ للقرآن الكريم والطالب للعلم هو إنسان ولا شك مميّز جداً.. وما يقوم به من عبادات وطاعات تقرّبه من الله جل وعلا، هي عنصر إيجابي في عملية القبول به كزوج ولكنها لا يجب أن تكون العامل الأساس للقبول.. فإن قام بكل تلك القربات وهو مخلص فهذا سيقرّبه من الله جل وعلا، وترتفع درجاته، ولكن هذا لا يعني أنه يناسب هذه الفتاة كزوج! وهذه القربات وإن كانت من المفترض أن تنعكس على سلوكياته وطريقة تعامله مع أهل بيته ومَن حوله، إلا أن ذلك ليس واقعاً دائماً.. فكم رأينا من الملتزمين مَن يحفظ القرآن ويصلي في المساجد ولكنه للأسف عاقّ لأهله، شرس في معاملاته، سيئة أخلاقه، غضوب يؤذي أهل بيته ومقصِّرٌ في تطبيقه لدينه مع الآخرين.
إذا وباختصار يجب على الفتاة أن تفتش عن الشاب الملتزم المطبِّق لدينه: مع الله تعالى ومع الآخرين.. والذي يناسبها هي كفتاة ويكون كفؤاً لها -هي بعينها- نفسياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً وفكرياً وعلمياً.
فالالتزام بالعبادات وحده لا يكفي لبناء حياة أسريّة مستقرة وهانئة، إذ لا بد من التفاهم والحوار والانسجام والاحترام والمودة والرحمة والسَكَن ومفردات أُخرى عديدة، فكل إنسان له طابعه الشخصي وبصمته النفسية التي يجب مراعاتها حين يتم الاختيار ليتم التعايش ويسود الهناء.
المتدّين الصادق
الحبيب عليه الصلاة والسلام أرشد الفتيات لاختيار ذي الدِّين وفي الحديث «مَن تَرضَون دينه وخلقه».. ولا بد هنا من وقفة.. لِم أتبع الحبيب عليه الصلاة والسلام الخُلُق مع أن الدِّين يشمل الأخلاق؟ بعض العلماء قال: إن الدِّين هو الكل والخُلُق هو الجزء فنصح الحبيب عليه الصلاة والسلام بالدِّين ككل، وذكر الأخلاق بشكل خاص للتأكيد عليها وتخصيصه بالأهمية الكبرى.. وكم رأينا – للأسف - من شباب يلتزم بالعبادات ولكنه لم يترجم الدِّين في معاملاته وعلاقاته، بل ويفتقد للأخلاق الإسلامية.. بينما نجد بعض الناس ممّن يتمتّع بالأخلاق ولكنه غير ملتزم.. ولذلك يجب على الفتاة أن تفتّش عن الملتزم فعلاً، والخلوق لأنه حينها إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها، ولأنه يملك الخصال التي تدعوه إلى معاشرتها بالمعروف من بذلٍ للمعروف قولاً وفعلاً، ومن كفٍّ للأذى قولاً وفعلاً.
وفي هذا السياق لا بد من التنويه إلى أن كلمة «مَن ترضَون» لها دلالتها.. فقد يتقدّم شاب لفتاة وهو يصلي ويأتي الحلال ويبعد عن الحرام.. فتجد هذه الفتاة أنه وليّ عصره، وتعتبره قِمّة في الالتزام، بينما إن تقدّم هذا الشاب نفسه لفتاة أُخرى لها مفهومها الخاص للتديّن فقد تجده مقصِّرا في عدّة مناح، لذلك أرشد الحبيب عليه الصلاة والسلام على اختيار الفتاة لمن ترضى دينه وخلقه هي وعلى حسب معاييرها..
القبول.. بداية الطريق
القبول هو الخطوة الأولى التي تقرر الفتاة من بعدها هل تكمل المسير في هذه الخِطبة أم تردّ الخطيب.. إذ إن الارتياح النفسي المبدئي للخاطب أمر أساس.. وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالوسامة والجمال.. وحتى الجمال فهو نسبي يختلف من شخص لآخر.. وعادة ما ينشغل الشاب بالجمال عند الاختيار أكثر من انشغال الفتاة به؛ كونها تفتش عن مقوِّمات الشخصية الأُخرى الأهم في الرجل مثل: أن يكون مسؤولاً، قادراً على النفقة، متعلّماً يفوقها في الجسم والطول، وحسبها أن لا تعتبره دميماً لا تطيق النظر إليه فلا يؤدمَ بينهما..
أحياناً تنفر الفتاة من الخاطب من أول لقاء، وهنا نطلب منها أن تعطيه فرصة أُخرى لأنها قد تكون ربطت رؤيته بشخص تكرهه أو إنسان أساء إليها في طفولتها أو غير ذلك.. فمن المنصف أن تعطي نفسها فرصة أُخرى وتجتمع به –بوجود أهلها طبعاً- مرة ثانية وثالثة.. فإن بقي النفور فلا ننصح بأن تكمل الخِطبة.. أما إن تعدّلت مشاعرها وأحسّت أن باستطاعتها تقبّله كزوج فتكمل المشروع إلى نهايته وتقوم بدراسته كما يجب لتأخذ القرار المناسب.
فالفتاة تعتقد أن المتقدِّم لخطبتها إن كان ملتزماً خلوقاً يتمتّع بمقوِّمات لا تُرَد فعليها القبول به، حتى وإن نفرت منه خوفاً من أن يشملها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض».. ولكن الحقيقة أنها غير مؤاخذة على رفض مَن لم تستسغه نفسها.. والمعني بالحديث هي تلك الفئة التي ترفض الخاطب لأنه ملتزم.. أو ترفضه لأنها تبغي التفاخر والجاه فتعرض عن الملتزم دينياً سعياً وراء الدنيا الزائلة.