قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما (رواه البخاري).
وفي هذا الحديث دعوة مباشرة من الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ لكفالة اليتيم دون أن يقيد ذلك بوقت معين أو يوم محدد.فجعلها من أحدى أسباب مجاورته صلى الله عليه وسلم في الجنة، فما أعظمها منزلة، نسأل الله الوصول اليها.
ويؤكد صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن الجنة تجب لما يقوم برعايته والقيام على شئونه ،فيقول صلى الله عليه وسلم: «من ضمّ يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة (رواه أبو على والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري).
بل وجعل الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ كفالته علاجاً لأمراض النفس البشرية، الأمر الذي يصل بالمجتمع الى الصورة الأخوية التى ارتضاها له الإسلام، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ رجل يشكو قسوة قلبه؟ قال: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك»( رواه الطبراني وقال الألباني حسن).
فقدم لنا الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ علاجاً لقسوة القلوب، وسبباً في رقتها ،وأرشدنا إلى طريق تحقيق الحاجات لمن له حاجة يريد الوصول اليها. فعندما يقصد الإنسان بيت اليتيم، فله بكل خطوة يخطوها ابتغاء الأجر والثواب ترقيق للقلب، وإن سعي الجوارح للخير دائما فيه ما يلين ذلك القلب، وإن كان القلب هو ملاك الإنسان كله، فإن الجوارح العاملة بالخير تجعل سيدها في أحسن هيئة، وأفضل حال.
إن التصدق بالمشاعر، والتبرع بالأحاسيس، وعمل القلب قبل عمل الجوارح يزيل سواد القلب، وينظف ما داخله، ويخلصه مما شابه من سوء الفعل والقول، وكأن المسح على رأس اليتيم تجديد لنشاط القلب من جديد، وتخلية له من سواده، وتحلية له بعمل هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى.
وإن كان لين القلب كجائزة من الجوائز الكبيرة، فإن هذه الجائزة قيمة؛ لأن الفعل الذي قام به المسلم ليس محصورا على نفسه، بل تعدى نفعه إلى الغير، وأي غير ينتفع به مثل اليتيم؟! فالذكر يلين القلب، ولكن ليس كالمسح على اليتيم؛ لأن المسح على رأس اليتيم ترجمة للذكر الصادق، بل هو ذكر عملي، كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
وأن من ذكر الله، ذكره الله تعالى، ذكره باللسان، كما جاء في الحديث: «أنا مع عبدي إذا ذكرني، وتحركت بي شفتاه»، أو ذكره بفعله، بإتيان ما افترض الله تعالى في المقام الأول، ثم بفعل الطاعات غير المفروضة، والتي هي سبيل من سبل محبة الله تعالى، ورفعة الإنسان عنده سبحانه، وخاصة فيما يتعلق بالإحسان إلى الغير.
ولكفالة اليتيم صور مختلفة:
أولاً: بضم اليتيم إلى حجر إلى أسرة الكفيل ، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك، وهذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم.
ثانياً: وتتجلى الصورة الثانية في كفالة اليتيم ً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى، ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلاً لليتيم وهو داخل إن شاء الله تعالى في قول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا».
وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام.
ونهاية علينا أن نتخيل حال اليتيم إذا لم يجد من يعوضه عن حنان والديه، ومن يقوم على رعايته وقضاء حاجاته، فأنه حتما سيخرج للمجتمع شاذ الطباع، شارد الفكر، بداخله حقد شديد موجه لكل من حوله،وتتحول نظراته القاتمة الى قوة هادمة.