دمـج المعاق في المجتمـع

كيـف قـرّره القـرآن الكريم والسنّـة النّبوية؟

أعطى الإسلام لهؤلاء المعاقين حقوقهم فحرص على دمج المعاق في مجتمعه، فقد ولى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ابن أم مكتوم على المدينة عندما خرج لإحدى غزواته، كما يتجه الإسلام إلى المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه المعاق فيعلمهم ويربيهم على السلوك الذي يجب عليهم أن يسلكوه في معاملتهم لإخوانهم وأهليهم من ذوي العاهات.
فهو يعلن بصريح العبارة أن ما حل بإخوانهم من بلاء لا ينقص قدرهم ولا ينال من قيمتهم في المجتمع فهم جميعاً سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى، فقد يكون صاحب العاهة أفضل وأكرم عند الله من ألف صحيح معافى فقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فالميزان الحقيقي هو التقوى وليس المال أو الجاه أو الصحة أو الصورة الخارجية أو غير ذلك لأنه لا يمكن أن تتحقق الغاية السامية من هذه الحياة إلا إذا تحقق ميزان التقوى، هذا الميزان الذي له وقع أخّاذ في ضمير المسلم بما يحويه من الخير والاستقامة والصلاح والإصلاح للفرد والمجتمع وللإنسانية جمعاء، فالتقوى جماع لكل فضيلة.
وقد أكد الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ هذه القيمة في أكثر من حديث، ففي حجة الوداع التي حوت جوامع الكلم وأخطر قواعد الإسلام قال صلى الله عليه وسلم: «أيّها النّاس، إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتّقوى، خيركم عند الله أتقاك»، ولكي ينزع من النفوس بقايا القيم الأرضية قال صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
 ومن حقوقهم عدم السخرية منهم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم}. فالمجتمع الذي يزدري الأصحاء فيه أهل البلاء يكون مصدر شقاء وألم لهؤلاء قد يفوق ألم المصيبة، وربما فاقها فعلاً، فكم من ذوي البلاء من حمل عاهته ورضي بواقعه.
وليعلم هؤلاء الأصحاء أن ما يرفلون به من صحة ومن ضروب النعم والخير ليس إلا من فضل الله وجوده وكرمه، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}، وأن الذي وهبهم هذه النعم لقادر على سلبها منهم، وقادر أيضاً على إعطائها لمن كانت أعين أهل النعمة تزدريهم، فقد قال تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}،
كما أن لأهل البلاء مكانة في المجتمع بمساهمتهم في خيره وإسعاده فقد رأى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون، وترزقون إلا بضعفائكم؟» (رواه البخاري)، وعند النسائي: «إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلا تهم وإخلاصهم».
 قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء وأكثر خشوعاً في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا، وقال الحافظ المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حاله. وقد نهى الإسلام عن الغيبة وذكر المسلم أخيه بما يكره، فبذلك يكون المجتمع ميدان رحب أنشأه الإسلام للحياة السعيدة الكريمة، فيكون مجتمع لا يستخف بهؤلاء الضعفاء والمعاقين ولا يزدريهم.
 وفي مقابل ذلك يتوجه الإسلام إلى خير علاج وأصلحه لنفس المعاق ليجتث منه القلق والشعور بالنقص، ويحل مكانه الرضى والثقة والسعادة، حيث يرشده إلى أن ما يعانيه من شدة العاهة لا ينقص من كرامته كما لا يحط من قيمته في الحياة، لأن العاهة الحقيقية هي تلك التي تصيب الدين والخلق للمسلم، وبمعادلة بسيطة يقارن الإنسان بين فقد البصر مثلاً وفقد الشرف، ويقارن بين بتر اليد أو الرجل وبتر الكرامة والأخلاق و تشوه الدين والضمير، إن تلك المقارنة لتحمل على الحمد والرضى بسلامة ذي العاهة الجسدية من الإصابة بعاهة النفس على النحو الذي ذكر في قوله تعالى: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور}.
  ومع هذا فإن الإسلام لم يهمل العاهة والإعاقة، ولم ينكر وجودها ولم يتجاهل أثرها على صاحبها، لذلك وجه الإنسان إلى الصبر على ما يواجهه من نكبات وكوارث تحل في جسمه أو ماله أو أهله، وليرجع كل منا إلى نفسه فإنه لا شك يجد في سيرته أو في سيرة من يعرف شدائد صنعت نعماً ومصائب صنعت رجالاً قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}، فالآية الأولى تعلن حقيقة أزلية وهي أن كل ما يجري في هذا الكون وما يتعرض له الإنسان في حياته إنما هو بقضاء الله وقدره وقيمة هذه الحياة أنها تسكب في النفس البشرية السكون والطمأنينة عند إستقبال الحوادث والمتاعب بيقينها أن كل ذلك كان بقضاء وقدر. وتأتي الآية الثانية لتوجه النفس البشرية إلى ما يجب أن تكون عليه عند المصيبة وعند النعمة فلا يأس في الأولى ولا افتخار في الثانية، وقد قررت السنة هذا المعنى فقال صلى الله عليه وسلم: {عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إنّ أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، وأحاديث أخرى تحث على الصبر منه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19622

العدد 19622

الخميس 14 نوفمبر 2024
العدد 19621

العدد 19621

الأربعاء 13 نوفمبر 2024
العدد 19619

العدد 19619

الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
العدد 19618

العدد 19618

الإثنين 11 نوفمبر 2024