روي البخاري بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال قالوا: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» المسلم الكامل في الرجولة هو من اتصف بهذه الخصال مع مراعاة باقي الأركان قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين. وإثبات اسم الشيء على معنى إثبات الكمال له مستفيض في كلام العرب. ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبين علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده. كما ذكر مثله في علامة المنافق. ويحتمل أن يكون المراد بذلك الاشارة إلى الحثّ على حسن معاملة العبد مع ربّه لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه. من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى وذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب. لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا. والإتيان بجمع التذكير للتغليب فإن المسلمات يدخلن في ذلك أيضا وخص اللسان بالذكر لأنه منعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبه. فإنه صغير حجمه. عظيم طاعته وجرمه. إذا لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان. وهما غاية الطاعة والعصيان. ثم إنه ما من موجود أو معدوم. خالق أو مخلوق. متخيل أو معلوم. مظنون أو مهموم إلا واللسان يتناوله. ويتعرض له بإثبات أو نفي. فإن كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان إما بحق أو باطل. ولا شئ إلا والعلم متناول له. وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور. والآذان لا تصل إلى غير الأصوات. واليد لا تصل إلى غير الأجسام. وكذا سائر الأعضاء أما اللسان فرحب الميدان ليس له مرد ولا لمجاله منتهي وحد. له في الخير مجال رحب. وله في الشر ذيل سحب. فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخي العنان. سلك به الشيطان في كل ميدان. وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار. ولا يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم. ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع. فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة. ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله. وعلم ما يحمد فيه اطلاق اللسان أو يذم. والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان فإنه لا تعب في إطلاقه. ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عآفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله. وأنه أعظم الة الشيطان في استغواء الإنسان وآفاته كثيرة منها: آفة الكلام فيما لا يعني. والخوض في الباطل. والمراء والجدال. الخصومة والفحش والسب والبذاءة واللعن أما الحيوان أو جماد أو إنسان. والمزاح والسخرية والاستهزاء وإفشاء السر والوعد الكاذب والكذب في القول واليمين ثم الغيبة والنميمة وغيرها وغيرها الكثير والكثير وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأن اللسان يمكنه القول في الماضيين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وإن أثرها في ذلك لعظيم ويستثني من ذلك شرعا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من إخرج لسانه على سبيل الاستهزاء وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق.
ونأخذ من هذا الحديث:
- حرص الصحابة على سؤال نبيهم عن الأنفع والأكثر أجرا من أعمال الخير والبر.
- إجابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه لما رآه من شدة الحرص على التعلم والعمل.
- إجابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه على حسب ما يراه من أحوالهم وحسب ما يقدرون عليه من الأعمال أو علاجا لنقص فيهم في جانب من الجوانب فيعلمهم ليسد ذلك الخلل أو النقص وكانت حاجة هؤلاء إلى أن يكفوا أذاهم عن الناس من قبل اللسان واليد.
السيرة العطرة
توجــيـه نبـوي عظيـم
شوهد:1174 مرة