لم يُحرّم الإسلام أمرا إلا وكان لانتهاك حرمته أثر كبير على العبد الظالم الباغي بفعله هذا، والتشريع الإسلامي كل متكامل، إذا أُخلّ بشيء منه، أُخلّ بباقيه وانعكس أثر ذلك على مُتوازنات النظام العام للمجتمع وللفرد، وعلى هذا الأساس يمكن الحديث عن أعراض جانبية للكسب الحرام، حيث يطال سوءها ما سوى العلاقة بالمال ليمسّ كل ما له إشراقة في حياة المسلم، ومن انعكاسات الكسب الحرام هذه الجوانب.
يُورث الكسل ويطمس نور القلب
للكسب الحرام آثار وأضرار وخيمة على صاحبه، فهو يؤدي إلى ظلمة القلب وكسل الجوارح عن طاعة الرب ونزع البركة من الرزق والعمر، قال صلى اللـّه عليه وسلّم: «إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلاّ كانت النّار أولى به» (رواه الترمذي)، وقال ابن عباس رضي اللـّه عنه: إنّ للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وزيادة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق. ويقول يحيى بن معاذ: الطاعة خزانة من خزائن اللـّه إلاّ أنّ مفتاحها الدعاء وأسنانها لقم الحلال. ويروى أن الأمير شروان خرج للصيد ذات مرة فأدركه العطش، فرأى في البرية بستانا وعنده صبي فطلب منه ماء، فقال ليس عندنا ماء، قال: ادفع لي رمانة فدفعها إليه فاستحسنها فنوى أخذ البستان، ثم قال: ادفع لي أخرى، فدفع له أخرى، فوجدها حامضة، فقال أما هي من الشجرة الأولى، قال: نعم، قال: كيف تغيّر طعمها، قال: لعل نيّة الأمير تغيّرت، فرجع عن ذلك في نفسه، ثم قال: ادفع لي أخرى فدفع له أخرى، فوجدها أحسن من الأولى، فقال: كيف صلحت، قال: بصلاح نية الأمير، فأكل الحرام يحوّل الحلو إلى حامض والرضا واليقين إلى الشك والسخط.
سخط اللـّه
يستوجب الكسب الحرام غضب اللـّه تبارك وتعالى ودخول النار، وعن أبي أمامة الحارثي ـ رضي اللـّه عنه ـ أن رسول اللـّه ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنّة»، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك» (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة ـ رضي اللـّه تعالى عنه ـ قال: سمعت النبي ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ يقول: «اليمين الكاذبة منفقة للسلعة،ممحقة للكسب»، وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي اللـّه عنه ـ قال: قال رسول الله ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم»، قَال: قُلْت: يَا رَسُولَ الله، مَنْ هُمْ خَسِرُوا وَخَابُوا؟، قَال: فأَعَادَهُ رَسُولُ اللهِ ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ ثَلاَثَ مَرَّات، قَالَ «الْمُسْبِل وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِب، أَوِ الْفَاجِر وَالْمَنَّانُ» (رواه مسلم)، وروى البخاري من حديث خولة الأنصارية أن رسول اللـّه ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ قال: «إنّ رجالا يتخوضون في مال اللـّه بغير حق فلهم النّار يوم القيامة» (رواه البخاري)، وعن أبي بكر ـ رضي اللـّه عنه ـ أن رسول الله ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ قال: «لا يدخل الجنّة جسد غذي بالحرام».
استجابة معلّقة بطيب المأكل والمشرب
روي عن ابن عباس ـ رضي اللـّه عنهما ـ قال: تليت هذه الآية عند رسول الـلّه ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا»، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول اللّـه، ادع اللـّه أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبّل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به». وقد حرص سعد على الكسب الحلال حتى يكون مستجاب الدعوة، لذا فقد قيل له: لم تستجاب دعوتك؟ فقال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت ومن أين خرجت. ولما سعى أهل الكوفة به إلى عمر ـ رضي اللـّه عنه ـ أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة، فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا وأثنى عليه، حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة، فذمّه وقال: لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، فلما بلغ سعدا ذلك قال: اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره وأعمي بصره واعرضه للفتن، فعمي وافتقر وكبر سنه وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة، فإذا قيل له كيف أنت يا أبا سعدة يقول شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد. وعن أبي هريرة رضي اللـّه عنه قال: قال رسول الله ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «أيّها النّاس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا إنّي بما تعملون عليم، وقال: يا أيّها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام مشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» (صحيح مسلم)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بنفَقَةٍ طَيِّبَة وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلالٌ وَرَاحِلَتُكَ حَلالٌ وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُور، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ فَنَادَى: لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَاد مِنَ السَّمَاءِ: لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْك، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُور» (أخرجه الطبراني).
ردّ صالح العمل
عن ابن عباس ـ رضي اللـّه عنه ـ أن النبي عليه الصّلاة والسّلام قال: «والذي نفس محمّد بيده، إنّ الرّجل ليَقْذفُ اللّقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يوما، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به»، وعن عمر بن الخطاب ـ رضي اللـّه عنه ـ قال: قتل نفر يوم خيبر فقالوا فلان شهيد حتى ذكروا رجلا، فقالوا فلان شهيد، فقال رسول الله ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «كلا، إنّي رأيته في النّار في عباءة أو في بردة غلها»، ثم قال لي: «يا بن الخطاب، قم فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون»، فقمت فناديت في الناس». وكان من دعاء النبي ــ صلّى الـلّه عليه وسلّم ــ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَع وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَع وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَع وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَها».