تدهور منظومة الأخلاق عند الجزائريينتدهور الأخلاق في مجتمعنا لم يعد يحتاج إلى كثير من العناء لإثباته .. فما بين انتشار حوادث خطف واغتصاب الفتيات إلى المعاكسات إلى الإدمان وتعاطي وتجارة المخدرات .. وتزايد جرائم الرشوة والسرقات بل والقتل وكذلك انتشار جرائم التزوير واستيلاء المال العام .. كل ذلك مؤشر يؤكد انهيار الأنماط والقيم الحاكمة للأخلاق في مجتمعنا .. ونحن في هذا الموضوع نبحث عن هذه القيم الحاكمة وعن سبب التدهور.
يمهد الدكتور محمد ميمون من جامعة الجزائر فيقول: إن تدهور السلوك الاجتماعي يعد مساوياً لانحراف السلوك الاجتماعي .. فالسلوك الاجتماعي نفسه قد لا يكون قويماً مثل الأخذ بالثأر ولكنه منتشر لدى قطاعات اجتماعية في العاصمة مثلاً. وتدهور السلوك الاجتماعي يتسع إلى معنى أوسع من عدم الانضباط الفكري أو السلوكي إزاء القيم الحاكمة في المجتمع ويحدث ذلك عندما يبدأ انحراف الفكر والأخلاق. ويضيف إننا الآن في حالة ضياع كما يسميها علماء الاجتماع .. فالكل لا يعرف المعايير السائدة في المجتمع ولا يعرف التمييز بين الخطأ والصواب. ومن المؤكد أن للغزو الفكري والثقافي دور في تنامي هذه الأنماط المنحرفة من السلوك ... إن التردي والخلل قد وصل بنا إلى حد مخيف .. ولا علاج إلا بعودة التربية الروحية فهي وحدها القادرة على إعادة التوازن إلى مجتمعنا.
الجزائريون لهم ازدواجية قيمية
أما الدكتور عبد الرحمن بيرتمة أستاذ علم النفس فيصنف الأعمال الفنية التي يقوم بها الناس إلى ثلاثة أصناف:
الأولى : هي الطبقة العليا من الأفعال وتشمل ضروباً من العطاء الاجتماعي دون مقابل كالأعمال التطوعية والتبرعات.
والثانية : هي الطبقة الوسطى من الأفعال وتشمل ضروب السلوك التبادلي والتعاوني ومعظم السلوك البشري والقوانين تنظم هذه الطبقة ليتحقق تبادل المنافع للطرفين وللمجتمع.
والثالثة: هي الطبقة الدنيا أو السوداء وتضم كل أنواع السلوك المضاد للمجتمع من جرائم أو جنح أو مخالفات أو معاصي ومنكرات.
والتدهور يعني أن السلوك الواقع في الطبقة السوداء قد ازداد وأن السلوك الواقع في الطبقة الأولى قد تضاءل .. ولكي نحكم بوجود تدهور نحتاج أولاً إلى إحصاءات دقيقة شاملة ترصد السلوك في الطبقتين الأولى والثانية في سنوات عديدة متوالية. ويضيف الدكتور عبد الرحمن أن لكل مجتمع قيمه العليا التي يحرص على صيانتها وفي ضوئها يحكم على الأفراد .. ولكننا نحن الجزائريون لدينا ازدواجية قيمية .. فالقيم الاجتماعية الكبرى هي الدين والنفس والمال والعقل والعرض وهي المقاصد العليا للشريعة .. فالدين عند الأغلبية هو القيمة الكبرى الحارسة لكل القيم الأخرى وأي إهمال أو انتهاك له يعد سلوكاً سلبياً.
حياة الإنسان لا تحظى بالأهمية المطلوبة
أما القيمة الثالثة وهي المال عصب الحياة، فإن الإسلام جعل له حرمة خاصة والإسلام يطارد الكسب الحرام والسرقة.. أما القيمة الرابعة وهي العقل فقد صانها الإسلام وحافظ عليها وجعل تعطيله أو إهماله أو تضليله جريمة.
أما القيمة الأخيرة وهي العرض، فإن السمعة الطيبة والطهارة والعفة يحافظ عليها الإسلام .. وكل ما من شأنه المساس بالعرض كقذف المحصنات والتشهير والطعن والسب والهجاء والاغتصاب وهتك العرض ..فكل عمل يبغي مقاومة ذلك هو عمل إيجابي في المنظور الديني. وفي النهاية يؤكد الدكتور عبد الرحمن، أن الأزمة الاقتصادية لها جوانب مخربة على الوضع الاجتماعي .. فالمتعطل والجائع والعاجز عن إيجاد مسكن وعن الزواج وعن العلاج كل هؤلاء لا ينتظر منهم الالتزام بقيم المجتمع ولولا التكافل الاجتماعي الذي يفرضه الإسلام على مجتمعنا لظهرت هذه الآثار.
الخلل جاء مع الاستعمار
أما الدكتور الأستاذ عمار جيدل الباحث والمفكر من جامعة الجزائر فيقول: إن تدهور السلوك لدينا ليس ظاهرة معاصرة وليس فقط مرتبطا بالاستعمار .. ولكننا لدينا تخلف موروث وألوان من التدهور الاجتماعي حتى قبل مجيء الاستعمار، لكن الوافد الغربي قد أحدث خللاً في المعيار .. بمعنى أننا قبل الاحتلال كنا متفقين على موقف واحد لتعريف ما هو الخلل؟.. فالحلال والحرام .. رغم وجود التدهور في الماضي كان هناك اتفاق عليهما وكان هناك اتفاق على ما هو السلوك القويم؟ ولكن الخلل في المعيار جاء مع قدوم الاستعمار الأجنبي .. فعندما يكون الميزان صحيحاً نعرف أن فلاناً على حق في فعله وأن الآخر على باطل .. فماذا يحدث إذا كان الميزان نفسه فيه خلل؟ فالاستعمار أضاف كماً من التدهور وخللاً في الميزان الذي يفرق بين الحسن والقبيح. فالتعليم لدينا وانهزامه أمام الفكر الغربي قد أدى إلى أننا نتبنى قيماً ومفاهيم غريبة علينا ومخالفة للإسلام بدعوى التطور والتقدم ثم صهرها في عقول أجيالنا فصعب على هذه الأجيال التمييز بين الحق والباطل وساهمت في نشر المعاصي وتعميم الأخلاق المرذولة بل وتحبيذها والدعوة إليها. أما المشاكل الاقتصادية فكان له دوراً هاماَ في الانحراف الأخلاقي.
فالناس حينما لا يجدون وسيلة مواصلات مريحة ويركبون المواصلات المزدحمة تحدث أثر هذا الزحام أخلاق رذيلة .. وكذلك إذا وقفوا في طابور لشراء حاجياتهم يحدث نفس الشيء .. أما إذا حالت الظروف الاقتصادية بين الشباب والزواج فحدث ولا حرج عما يمكن أن يحدث .. وكذلك مشاكل المساكن وندرتها .. أما الاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح الحكومية فإنه طريق ممهد للانحرافات الأخلاقية.
هناك استسهال فضيع للمحرمات
أما الدكتورة آمنة. ن أستاذة الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الجزائر تدق ناقوس الخطر وتؤكد أنها تفاجأ وتصدم بنماذج اجتماعية غريبة وعلاقات مشبوهة لنساء ورجال متزوجين .. لم نكن لنسمع عنها من قبل .. إن الطوفان طال كل المستويات وطال الأساس الأخلاقي لمجتمعنا .. لقد أصبح هناك استسهال للمحرمات .. ومسؤوليتنا كأفراد وجماعات أن ندق ناقوس الخطر ونجري دراسات علمية دقيقة على كافة المستويات .. وأنا أرفع صوتي من خلال هذه الكلمات ومتى استطعت إلى ذلك سبيلاً إلى مراكز البحوث ورجال الإعلام المخلصين والكتاب أن يوجهوا جهودهم لمحاربة هذا الطوفان وأن يخرجوا من خلال الدراسات العلمية بنتائج وحلول جذرية لأن الخطر يحدق بالجميع.
مجتمعنا الآن في حالة انهيار
رؤية الدكتور عبد الحليم قابة رئيس لجنة الفتوى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين تؤكد أن مجتمعنا الآن في حالة انهيار .. انهيار الأسرة وانهيار في علاقات الزوج بالزوجة وانهيار في العمل وانهيار بين الشباب وانهيار بين الكبار .. وهناك عوامل كثيرة .. وما يسمى بالتطرف جاء كرد فعل على التسيب العام والانحلال الذي ساد حياتنا .. فهناك اتجاه متحرر من عاداتنا وتقاليدنا وديننا وذاتنا.