الصحابي جليل جليبيب، في نظر كثير من الناس أنه لا يملك من مقومات السعادة شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال أو المنصب أو الحسب والنسب، أما جليبيب فكان فقير الحال غنيًا بالإيمان ورفع الله نسبه بالإسلام وشرفه الله بالدخول في هذا الدين، فإليكم قصته:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عفان حدّثنا حماد عن ثابت عن كنانة عن أبي برزة الأسلمي، قال: إنّ جليبيب كان امرءًا يدخل على النساء يمازحهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخلن عليكن جليبيب؛ فإنّه إن دخل عليكن لأفعلن وأفعلن، قالت: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيم لم يزوّجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك»، قال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّي لست أريدها لنفسي»، قال: فلمن؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لجليبيب»، فقال: يا رسول الله، أشاور أمّها فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، فقالت: نعم، ونعمة عين، فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ ألا لعمر الله لا نزوّجه، فلمّا أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ قالت: أتردّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ادفعوني إليه؛ فإنّه لن يضيعني فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: شأنك بها فزوّجها جليبيبا قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه رضي الله عنهم: «هل تفقدون من أحد؟»، قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا، قال صلى الله عليه وسلم: «انظروا هل تفقدون من أحد؟»، قالوا: لا، قال صلى الله عليه وسلم: «لكنني أفقد جليبيبا»، قال صلى الله عليه وسلم: «فاطلبوه في القتلى»، فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال: «قتل سبعة وقتلوه، هذا منّي وأنا منه» مرتين أو ثلاث، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له، ماله سريرٌ إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وضعه في قبره.
فانظروا كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته، وقدّم نفسه قربانًا إلى الله؛ لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هو مني وأنا منه»؛ أي على هديي وسنّتي وطريقتي، وهذا إيماءٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أن جليبيبا قتل شهيدًا، وهو بإذن الله من أهل الجنة؛ فهذه السعادة الحقيقية.