أختي الكريمة: لا أحد يمكنه الاستغناء عن السّوق والتسوّق، إذ مصالحنا مرتبطة به كلّ يوم، لتحصيل منافع المعاش وما نحتاج إليه في قضاء حوائجنا وما يُهمّنا من أمر دنيانا، كما أنّ البيع والشّراء باب من أبواب الاسترزاق وعمارة الأرض وجلب المنافع في الدّنيا، ومع حاجتنا إلى التسوّق فإن شريعتنا السّمحاء جاءت بكلّ ما يؤطر هذه الحاجة ويضبطها؛ كي لا تنحرف إلى أمور تضرّ الأفراد والمجتمعات، وانطلاقاً من مبدأ النّصيحة أسعد بأن أبعث إليكِ وإلى كلّ متسوّقة هذه الإشارات الهادية والتّوجيهات السّامية التي تجعلك بإذن الله في هداية ورشاد من أمرك، ويحفظك من الوقوع فيما يشينك من حرام أو زلل أو انحراف..
جاء في صحيح مسلم أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال:
«لا تكونّن، إن استطعت، أوّل من يدخل السّوق ولا آخر من يخرج منها. فإنّها معركة الشّيطان، وبها ينصب رايته» رواه مسلم. فالأسواق أختي الكريمة شرّ البقاع وفيها تقع المنكرات وتكثر الفتن، وبها ينصب الشّيطان رايته، ولذا أدعوكِ أوّلا أن لا تجعلي ذهابك إلى الأسواق إلاّ لضرورة ملحّة، وحاجة ماسّة، واحذري أن تكون الأسواق مرتعاً لكِ للتنزّه والتّجوال دون أيّ هدف واضح أوغاية محدّدة، وكم جرّ الإكثار من التجوّل في الأسواق دون حاجة من مخالفات ومشكلات نسأل الله أن يحفظكِ وبنات المسلمين منها. واحرصي أيضاً إذا اضطررت إلى التّسوق أن تحدّدي مشترياتكِ وتختاري وقتاً يقلّ الزّحام فيه، وحاولي أن يكون معك ذو محرم حتّى تكوني في أمان من أذيّة الكثيرين من ذوي النّفوس الضّعيفة، وحتّى لا تضطرّي لمحادثة الرّجال من الباعة وغيرهم، وإن اضطررت للمحادثة فلا تخضعي بالقول ولا تطيليه ولا تخوضي فيما لا يتعلّق بما تريدين شراءه، فأكثر الباعة يغلب عليهم السّفه وقلّة الأدب والثّرثرة وضعف التّديّن بل وفي بعض الأحيان الطّيش والانحراف لاسيما الشّباب منهم..
أختي الكريمة: كم يؤسفني أن أرى بعض فتياتنا ونسائنا حين يخرجن إلى الأسواق وكأنّهن يقصدن قاعات الأفراح، فيحرصن على كامل زينتهن ويتعطّرن ويتبرّجن، ويلبسن عباءات مزخرفة أو ما ضاق و لصق بالجسد ممّا يثير النّاظرين والبائعين، ليقعن بعد ذلك فيما يخدش العفّة والحياء، فلا تكوني مثلهن، اتّق الله أختي الكريمة واحذري خيانة ربّك وكذا أهلك بمثل هذه التّصرفات التي لا تليق بكِ واعلمي أن الله مطّلع عليكِ، وإيّاكِ أن تكوني سبباً في افتتان الرّجال بكِ، فهم لا يستحون ممن لا حياء لها. وأخيراً تذكّري دعاء السّوق وفضله كي لا ترجعي إلى بيتك خالية الوفاض، يقول صلّى الله عليه وسلّم: ﴿من قال في السّوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيي ويّميت وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير كَتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتا في الجنّة﴾، رواه الترمذي وصحّحه الألباني، بارك الله فيكِ ويسّر أمرك ووفّقك لما يحب الله ويرضى.