نحن في عصرٍ انتشرت فيه الفِتَن؛ فتنة الشُّبهات والشَّهوات، في البيوت والشوارع، وفي البرِّ والبَحر، وفي السمعيات والمَرئيات. وشبابنا - رجالًا ونساءً - اليوم قد ابتُلوا بتلك الفِتَن والمُغريات، التي غرَّهم الشيطان بها، كسرابٍ بقِيعَةٍ يَحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يَجده شيئًا، إلا من رحمهم الله تعالى واختارهم، فجعَلهم تحت قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الحجر: 42.
ومرحلة الشباب تبدأ من سن البلوغ إلى سنِّ الأربعين، واستدلَّ البعض بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} الأحقاف: 15.
الشباب هم رجال الغد، وثمرات المستقبَل، وأمل المجتمع، وثروة الوطن.
أما الشابات، فهنَّ الأمهات، فبأيديهنَّ يتخرَّج العظماء من الرجال والنساء، فمتى صلحْن صار مُستقبلًا زاهرًا للعالم كله.
فمرحلة الشباب مرحلة القوة والفرصة؛ لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحَّتك قبل سقمِك، وغناك قبل فَقرك، وفراغك قبل شُغلِك، وحياتَكَ قبل مَوتِك».
كما أن الشباب في تلك المرحلة سرعان ما يُغريهم الشيطان، ويُغْويهم إلى الفحشاء؛ لذا عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الداء، فوصف لهم دواءين؛ وهما: الزواج للمستطيع، والصوم للعاجز؛ كي ينجوا من ابتزاز الشيطان، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشَّباب، من استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» (رواه الشيخان).
فالشباب انحرفوا عقديًّا، وانحرفوا فكريًّا، وانحرَفوا خلُقيًّا؛ لذا نراهم آمَنوا بأفكار الكفار، وقلَّدوا أعمالهم، وتشبَّهوا بهم، وصدَق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «لتتبعُنَّ سنن الذين مِن قَبلِكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذِراع، حتى لو دخَلوا في جحر ضبٍّ لاتَّبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» (رواه الشيخان).
فما هي الأسباب التي أدَّت إلى هذه الانحرافات؟
أسباب انحراف الشباب
1 - الإعراض عن الكتاب والسنَّة: قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه: 124.
2 - الشيطان: الحرب بين الشيطان والبشر بدأت منذ خلق الإنسان؛ وذلك حسدًا من عنده، ولا تزال تلك الحرب بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.
فأكبر عدو للإنسان هو الشيطان، أقسَمَ أنه ليجلسنَّ الصراط المستقيم لإضلالِهم؛ قال الله تعالى متحدِّثًا على لسان إبليس اللعين: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}الأعراف: 16، 17.
3 - فساد الوالدَين (عدم استقامة الوالدين على الفطرة):
فابن آدم يولد على فطرته مع الدين، ففساد الوالدَين أو أحدهما قد يؤثر على الولد؛ كما جاء في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما مِن مَولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحسُّون فيها مِن جدعاء؟» (رواه البخاري).
4 - فساد البيئة: يقال إن الإنسان ابن بيئته، فكلَّما صلَحت البيئة صلحَ الشباب، وكلما فسدت البيئة فسد الشباب؛ قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} الأعراف: 58.
5 - القرين السوء: القرين السوء قد يقودُ المرء إلى النار، وقد مثَّل لنا الرسول صلى الله عليه وسلم القرين السوء بصفة موجَزة؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّما مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كحامِلِ المسْك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثة» (أخرجه البخاري ومسلم).
6 - الفراغ: إن الشباب لو عرفوا قيمة الوقت لما ضيعوا جميع أوقاتهم سُدى بين اللهو والفوضى؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحَّة، والفراغ» (رواه البخاري).
7 - الغنى: بعض الشباب أنعم الله عليهم بالنعم التي لم يَشعُروا بها حتى يشكروه، فتراهم يقومون بإسراف المال والتبذير فيما لا ينفع، وقد أهلك الله قرية كاملة بسبب كفرِهم نِعَمَ الله؛ قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل: 112.
8 - الفقر: ففقدان الإيمان بالله والثقة به أدى إلى موت كثير من الشباب الذين يهاجرون عن طريق البحر متجهين إلى الغرب طمعًا في كسب المال، وأدَّى بالشابات إلى بيع شرفهنَّ مِن أجل دريهمات تسقط في أيديهنَّ.
9 - المخدرات: والشباب مقسمون في المخدرات على قسمين:
أ - الطامع في المال: فهذا لا يشربها؛ وإنما يطمع في المال، فصار بائع المخدرات، ونسي مروءته وإنسانيته، فتخلَّفَ وأفسَدَ أمةً بكامِلها.
ب - الشارب: أنعم الله عليه بالعقل السليم فلم يستخدمه في حفظ القرآن، أو سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدفاع عن الدين، أو إصلاح ذات البين، وإنما استخدم هذه النِّعمة التي فقدها خلق كثير، في شرب الخمر أو في التفكير الزائف.
الحــلــول
1 - تعليم الشباب الكتاب والسنَّة.
2 - توعيتُهم؛ وذلك عن طريق الدورات العلمية، لسدِّ جميع أسباب طرق الفساد المذكورة.
3 - تذكيرُهم بشباب وشابات ما زال التاريخ يَذكرهم ويُذكِّرنا بهم: شباب وشابات وضعوا بصماتهم في الحياة، وما زال التاريخ يَذكرهم ويُذكِّرنا بهم، ويُثني عليهم.
اللهمَّ اهدِ شبابَنا، وخذْ بنواصيهم إلى ما تُحبُّ وتَرضى، واهدِهم إلى الصراط المُستقيم، وأَرِهم الحقَّ حتَّى يؤمنوا به.