التَّسوُّل ظاهرة اجتماعيــة خطيـرة، تهدد المجتمع؛ حيث تظهر فيه البطالة، والتَّسوُّل فيه إهدار لكرامة الإنسان أمام الناس، وإن اتخاذ التَّسوُّل مهنة لجمع المال دليل على ضعف الثقة بالله تعالى، الذي ضمن الأرزاق لجميع مخلوقاته، وقد يدفع التَّسوُّل الشخص إلى ارتكاب الجرائم؛ فهو بداية الطريق للسرقات وا لانحراف
التَّسوُّل: طلب العطيَّة والإحسان من الأغنياء؛
: الإنسان الذي يتخذ من التَّسوُّل حرفةً يتكسب بها ويعيش عليها.
]ولقد حذر الله من التسول فقال الله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ َغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273.
وكذلك نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم يحذرنا من التَّسوُّل حيت روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعة (قطعة) لحم))؛ البخاري
قال الإمام النووي (رحمه الله): معناه: يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا، لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، فيُحشَر ووجهه عظم لا لحم عليه؛ عقوبةً له، وعلامةً له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالًا منهيًّا عنه وأكثَرَ منه؛
روى البخاري عن أبي هريرة: أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لأن يأخذَ أحدكم حَبْلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وجهه: خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعوه))؛ (البخاري حديث).
أسباب ظاهرة التَّسوُّل:يمكن أن نوجز أسباب انتشار ظاهرة التَّسوُّل في الأمور التالية:
(1) ضعف الثقة برزق الله تعالى، الذي ضمن الرزق لجميع مخلوقاته.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6.
وقال سبحانه: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ الذاريات: 22، 23.
(2) انتشار آفة الفقر الشديد في المجتمـع.
(3) انتشـار البطالـة التـي يعاني منهـا المجتمع.
(4) غياب التكافـل الاجتماعي بيـن أفـراد المجتمـع، وكذلك غيـاب العدالـة الاجتماعية.
(5) بعض الناس يفضِّلون الراحة على العمل، ويعتبرون التَّسوُّل حرفةً مربحة، تجلب عليهم مالًا كثيرًا بسهولة.
(6) كثيرٌ من الناس تغلِبُ عليهم العاطفة، فيجُودون بالمال على المتسوِّلين؛ اعتقادًا منهم أن هذا امتثالٌ لقول الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ الضحى: 10 .
(7) كثير من الناس لا يسعَوْن لإيجاد فرص عمل حقيقية للمتسولين؛ (العمل - لأحمد البقري - صـ 72).
سؤال هام: هل المتسوِّل الذي يقف أمام المساجد أو في الأماكن العامة مِن السَّائل والمحروم؟
الجواب: المتسوِّل الذي يتخذ من التَّسوُّل مهنةً لكسب المال، ويُذِلُّ نفسه للناس، وهو غير محتاج، ليس من السائل ولا المحروم؛ لأن السائل والمحروم لا يسألك، بل تظنُّه غنيًّا من التعفُّف.
يقول الإمام الغزالي (رحمه الله تعالى): السؤال فيه إذلالُ السائلِ نفسَه لغير الله سبحانه وتعالى، وليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَه لغير الله؛ فسائر الخلق عباد أمثاله، ثم إنه أيضًا إيذاءٌ للمسؤول؛ لأنه ربما لا يسمَح بالبذل عن طيب نفس؛ وذلك لأنه إن بذل، بذَل من قَبيل الحياء، وإن أعطى، أعطى مِن باب الرِّياء، وإن منَع فقد ألحق نفسَه بالبخلاء، ففي بذله شِرك، وفي منعه بُخل، والسائل هو السبب في كل هذا الإيذاء، والإيذاءُ محرَّم باتفاق الآراء.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه سائلًا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عَشِّ الرَّجل، فعشَّاه، ثم سمعه ثانيًا يسأل، فقال: ألم أقُلْ لك: عَشِّ الرَّجل؟ قال: قد عشَّيْتُه، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزًا، فقال: لستَ سائلًا، ولكنك تاجرٌ، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدَيْ إبلِ الصدقة، وضربه بالدرة، وقال: لا تَعُدْ. ولهذا فإنه من المفروض التصدي لهذه الآفة الاجتماعية والتي شوهت صورة البلاد والعباد والتي أصبحت مهنة محترفة عند كثير من الناس الذين ذهب منهم الحياء وتحولوا كأشباه قطع الطرق الذين يصادرون ويغتصبون أموال الناس بالباطل .