سؤال مطروح والإجابة عنه ضرورية

كيف نُعين أطفالنا على حب القرآن الكريم؟

إن طفلا في جوفه القرآن، أو شيءٌ من القرآن، أو طفلا يُحِبُّ القرآن لهو نورٌ في الأرض يتحرك وسط الظلام الأخلاقي الذي يسود أيامنا الحالية، وصِرنا نخشى اتساع رقعته في الأعوام القادمة.

وإذا كان الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - قد اعتبر زمانه زمان فِتن لأن الريح كشفت جزءاً من كعب امرأة رغما ًعنها، ورآه هو عن غير قَصد، فماذا نقول عن زماننا؟
بل كيف نتصور حال الزمان الذي سيعيشه أبناؤنا ؟
وإذا كان المَخرج من هذه الفِتن هو التمسُّك بكتاب الله، وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فما أحرانا بأن نحبِّب القرآن إلى أبناءنا،لعل القرآن يشفع لنا ولهم يوم القيامة، وعساه أن ينير لهم أيامهم، ولعل الله ينير بهم ما قد يحل من ظلام حولهم. لماذا نحبِّب القرآن الكريم إلى أبنائنا؟!!
إن الأسباب - في الحقيقة - كثيرة، ولعل ما يلي هو بعضها:
 1 - لأن القرآن الكريم هو عقل المؤمن، ودستور حياته، فهو كلام الله الذي تولَّى حفظه دون سائر ما نزل من كتب سماوية، لذا فإن أطفالنا إذا أحبوه تمسَّكوا بتعاليمه، ومن ثمَّ لم يضلِّوا أبداً.
2 - لأن القرآن الكريم هو خير ما يثبِّت في النفس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وخير ما يفسح أمام العقل آفاق العلوم والمعارف الإنسانية، وخير ما يسكُب في القلب برد الطمأنينة والرضا، وخير ما يمكن أن نُناجي به مولانا في هدأة الأسحار.
3 - لأن القرآن الكريم هو “الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفِكر والوعي، ومنهج الاستقامة، والهداية، ومقياس النقاء و الأصالة”، فإذا أحبه الطفل كان ذلك ضمانا ً- بإذن الله – لهدايته، واستقامته، وسِعة أفقه، ونقاء سريرته، وغزارة علمه.
4 - “لأن القرآن الكريم إذا تبوَّأ مكانةً عظيمة في نفوس أطفالنا شبُّوا على ذلك، ولعل منهم مَن يصبح قاضيا ً،أو وزيراً،أو رئيساً، فيجعل القرآن العظيم له دستوراً ومنهاجاً، بعد أن ترسَّخ حبه في نفسه منذ الصِّغَر”.
5- لأن حب الطفل للقرآن يعينه على حفظه، ولعل هذا يحفظ الطفل، ليس فقط من شرور الدنيا والآخرة، وإنما أيضاً من بذاءات اللسان، ففم ينطق بكلام الله ويحفظه يأنف، ويستنكف عن أن ينطق بالشتائم والغيبة والكذب وسائر آفات اللسان.
6 - لأن أبناءنا أمانة ٌفي أعناقنا أوصانا الله تعالى ورسوله الكريم بهم، وسوف نسألٌ عنهم يوم القيامة، وكفانا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع مَن يعول”؛ فالضياع قد يكون أخلاقياً، وقد يكون دينياً، وقد يكون نفسياً، وقد يكون مادياً - كفانا الله وإيَّاكم شر تضييع أبناءنا- ولن نجد أكثر أماناً من القرآن نبثه في عقول وأرواح أطفالنا حِفظاً لهم من كل أنواع الضَّياع.
7 - لأن ذاكرة الطفل صفحة ٌ بيضاء، فإذا لم نملؤها بالمفيد فإنها ستمتلىء بما هو موجود،فإذا أحب الطفل القرآن الكريم، أصبح فهمه يسيراً عليه، مما يولِّد لديه ذخيرة من المفاهيم والمعلومات التي تمكِّنه من غربلة، وتنقية الأفكار الهدامة التي تغزو فِكرَهُ من كل مكان.
8 - لأن هذا الصغير صغيرٌ في نظر الناس، لكنه كبير عند الله، فهو من عباده الصِّغار،لذا فمن حقه علينا أن نحترمه، وأن نعطيه حقه من الرعاية والتأديب، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: “أدّبوا أولادكم على ثلاث خِصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن فإن حَمَلة القرآن في ظل عرش الرحمن يوم لا ظِل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه” (رواه الطبراني).
9 - لأن القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي يربط المسلمين بربهم، ويجمع بين قلوبهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وما أحوج أطفالنا - حين يشبُّوا - لأن يرتبطوا بشتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في وقت اشتدت فيه الهجمات على الدين الإسلامي والمسلمين من كل مكان.

كيف أغرس في قلب طفلي
حب القرآن؟

ومن أجل ذلك علينا أن نبدأ من البداية، وهي اختيار الزوج أو الزوجة الصالحة، فقبل أن ننثر البذور علينا أن نختار الأرض الصالحة للزراعة، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور حتى نضمن بإذن الله محصولاً سليماً من الآفات، يسُرُّ القلب والعين.
 بعد ذلك تأتي المراحل التالية، والله المستعان عليها:
 أولاً: مرحلة الأجِنَّة: في هذه المرحلة يكون الجنين في مرحلة تكوين من طَور إلى طَور، ولك أن تتخيل جنينك وهو ينمو ويتكون على نغم القرآن المرتَّل، فلقد أثبتت البحوث والدراسات المتخصصة في علم الأجنة أن الجنين يتأثر بما يحيط بأمه، ويتأثر بحالتها النفسية، حتى أنه يتذوق الطعام التي تأكله وهي تحمله، ويُقبل عليه أكثر مِمَّا يُقبل على غيره من الأطعمة.
ويؤكد هذا فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الحاصل على الدكتوراه في تربية الأولاد في الإسلام- في قوله: إن الأم الحامل التي تقرأ القرآن تلد طفلاً متعلقا ً بالقرآن.
لذا فإن الإكثار من تلاوة القرآن والاستماع إليه في فترة الحمل يزيد من ارتباط الطفل عاطفياً ووجدانياً بالقرآن، ما يزيد من فرصة الإقبال على تعلُّمه وحِفظه فيما بعد.
ثانياً: مرحلة ما بعد الولادة حتى نهاية العام الأول:
تبدأ هذه المرحلة بخروج الجنين إلى الدنيا حيث أول محيط اجتماعي يحيط به، لذا فإنها تعد الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي، فلا عجب إذن أن يركز المنهج الاسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة، فالطفل في أيامه الأولى، وبعد خروجه من محضنه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة يحتاج إلى التغذية الجسمية والنفسية ليعوِّض ما اعتاده وأِلفه وهو في وعاء أمه.
لذا نرى المولى سبحانه يوصي الأم بأن ترضع طفلها حولين كاملين، ويجعل هذا حقاً من حقوق الطفل، كما نراه - عز وجل - يكفل للأم في هذه الفترة الطعام والكساء هي ورضيعها،كما جاء في قوله سبحانه:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} البقرة: 233.
ومن ثم، فإن الأم التي تُرضع طفلها على صوت ندِيٍ يتلو القرآن الكريم، فإن الراحة و السكينة والاطمئنان والحنان الذين يشعر بهم الطفل وهو بين أحضان أمه سيرتبطون في عقله اللاواعي بالقرآن الكريم، ومن ثَمَّ يصبح القرآن بالنسبة للطفل - فيما بعد - مصدرا ًللأمن والاطمئنان والسعادة، ونوعاً آخر من الزاد الذي يشبع قلبه وروحه،كما كانت الرضاعة تشبع بطنه وتُسعد قلبه، فإذا كانت الأم هي التي تتلو القرآن مجوَّداً، فإن ذلك يكون أقرب لوجدان الطفل وأشد تأثيراً فيه، وأهنأ له ولأمه .

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024