حقيقة الحياة الطيبة الموصلة إلى الحياة الأكمل الآخرة

إن من الناس مَن يَملِك المال الكثير الوفير ما يكفيه ويكفي أولاده وأحفاده، لكنه في هلعٍ عظيم، لِمَ؟ لأنه لم يقنع. ومن الناس من عنده من المال اليسير الذي يقضي به حاجاته، ولا يفتح لغيره بابًا في مطالبة، ولكنه يشعر أنه أغنى الخلق، وذلك بقناعته التي حصلت في قلبه وصلته بربه بأن صرف هذا المال كما أراد الله جل وعلا، قد أفلح من هُدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافًا، وقنع به؛ يعني أنه حصل به ما يكفيه ويسد حاجته دون استطالةٍ ولا استكثار، وذلك أن الناظر في حال أصحاب الأموال أنهم مهما كثُرت أموالهم، فإنهم لا يستخدمون منها إلا ما يكفيهم، لن يأتي في يومٍ فيأكلوا أكل عشرةٍ من الناس في آنٍ واحد، سيأكل كما يأكل غيره، ولن يلبس كما يلبس عشرةٌ من الناس في آن واحد، سيلبس كما يلبس غيره، سيأتيه ما يحصل به المقصود من هذا اللباس، وهذا الطعام، وغير ذلك من احتياجات الناس، كان عيشه كفافًا؛ ولذا كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يدعو بذلك، ويقول: (اللّهم اجعل رزق آل محمد كفافًا).
 وكان يقول لما عرض عليه جبريل الغنى قال: (بل أعيش كما يعيش العبد، أجوع يومًا وأشبع يومًا)، أو كما صح عنه عليه الصلاة والسلام، وقنع به، ذلك أن القناعة قد فُسِّرت بمعنى الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة؛ لأن من لم يُرزق القناعة، فمهما ملك ومهما رُزق، ومهما أُوتي، فلا يزال يشعر أنه في نقص، فهو في حالٍ بئيسة ساخطٌ على نفسه، وأعظم من ذلك سخطه على ربه، لم يقنع بما أتاه الله، يرى أن الناس خيرًا منه، أُوتوا مالًا وأولادًا، وأوتوا صحةً وثراءً، فهو ساخطٌ على ربه شاكٍ له، ومثل هذا من أعظم ما يُصاب به الإنسان أن يكون متسخطًا على ربه، ظانًّا به ظنًّ سوءٍ، عياذًا بالله من هذه الحال!
 ولذا؛ فإن من أعظم ما يُعين الإنسان على الحياة الطيبة، أن يربي في نفسه القناعةَ، فإذا امتدَّت عينه إلى حال الآخرين، تذكَّر ما عنده من النعم وهي كثيرةٌ؛ كما قال الله تعالى:  ]وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، إبراهيم الآية 34، فإذا كان الإنسان ينطلق من هذه المنطلقات، يرى الخير الكثير الذي أُوتِي، ويرى الحياة الدنيا من خلال منظارٍ صحيح لا يقوم على استكثار المال، وأنه العنصر الأوحد لحصول الحياة الطيبة، بل نظر على وَفق ما تقدم من اطمئنانه وصلته بربه جل وعلا، وما يكون له من حُسن العُقبى في الآخرة، ورؤيته أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا محطةٌ مؤقتة يتزوَّد منها ما يساعده ويُعينه على لقاء ربه، وحلول جنته، فإنه حينئذٍ سيشعر بطُمأنينة لا يمكن أن توصَف، ولا أن تُحصَّل بمالٍ كثير، ولا بجاهٍ ولا مناصبَ، ولا بغير ذلك.
إنها الطمأنينة النفسية والقناعة القلبية التي تُورِث عند الإنسان رضًا عن ربه جل وعلا، فمتى وصل إلى هذه الحال، كان الله له، وكان الله معه، والله يقول كما في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024