يقول الله - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ الحج: 32، والشعائر: جمع «شعيرة»، وهي كلُّ ما أمر الله به من أمور الدين، وكل ما وجبت علينا طاعة الله فيه، وتعظيم شعائر الله: إجلالها، وإحلالها المكانة الرفيعة في المشاعر والقلوب، وأداؤها برغبةٍ ومحبةٍ وشغفٍ، وشعائر الله تحيط حياتنا كلَّها، وهي متنوعة ومتعددة، منها الشعائر الزمانيَّة، كشهر رمضان، شهر عظَّمه الله، أرسل فيه رسله، أنزل فيه كتبه، وأمرنا بتعظيمه؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة: 185]، فهو شهر البعثة، وبها عرف الإنسان التوحيد، وظهرت شمس الإسلام، وفتحت أبواب الجنة للمؤمنين، وهو شهر القرآن، ذلك النور الذي حسر ظلمات الجهل والظلم، وبيَّن معالم الإخاء والصفاء، وهو شهر المغفرة والعتق من النار، عظمته في قلوبنا واجبة، ودليلها صومنا وتقربنا إلى الله بالعبادة والأعمال الصالحة، وكذلك من شعائر الله الزمانيَّة: العشر الأوائل من ذي الحجة؛ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله - عز وجل - من هذه الأيام))؛ يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ))؛ رواه الأمام أحمد.فهي أيام العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد، والمسلمون في ذلك يعظمون ثلاثة أعشار: العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأوائل من المحرم، التي تختم بعاشوراء.
ومن شعائر الله الزمانيَّة:يومنا هذا يوم الجمعة؛ جاء في «صحيح مسلم» قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).
ومن شعائر الله كذلك ساعة يوم الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وفيه ساعةٌ لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه))؛ رواه الإمام مالك، ثم هناك الشعائر المكانيَّة؛ كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ يقول حبيبنا - صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه))؛ رواه الإمام أحمد بسند صحيحٍ.
ومن الشعائر المكانيَّة - أيضاً - كل بيوت الله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها))؛ رواه الإمام مسلم.
ومنشعائر اللهكل أمر فيه طاعة الله؛ من صلاة وزكاة وصوم وحج، وكل عمل صالح مع خلق الله؛ سواء كان من المسلم إلى المسلم، أو غيره.
والمسلم مسالم مع ما حوله من حيوان ونبات وجماد؛ فقد دخلت امرأة النار في هرةٍ ربطتها حتى ماتت، ودخلت أخرى الجنة في كلبٍ سقته الماء فأعادت له الحياة، ووعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة الجارية لمن غرس غرسًا؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسانٌ ولا دابة ولا طيرٌ إلا كان له صدقةً إلى يوم القيامة))؛ رواه الإمام مسلم.فكل عملٍ صالح هو من شعائر الله، وكما عظَّم الله شعائره، وجب على المؤمنين تعظيمها؛ فقد عظَّم الله قرآنه وباركه - سبحانه - فقال - جل جلاله -: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، فيا من تحملون كتاب الله في صدوركم، اتقوا الله كما علمكم الله، عظِّموا كتاب الله، تدبَّروا آياته، طبِّقوها في أيام حياتكم، واحذروا الدنيا، كونوا القدوة في تصرفاتكم؛ فأنتم أهل الله وخاصته، والقرآن الذي في صدوركم هو مرقاكم على مدارج الجنة، وكل أمرٍ فيه ملزم لجميع الأمة، فواجبنا العمل بما فيه، نعم أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات، كل آيةٍ فيه هي كلمة الله إلى كلِّ واحد منَّا، هذا الكتاب فيه حياتنا، وفيه سعادتنا في الدنيا، وفيه نجاتنا يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة، قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران))؛ رواه الإمام مسلم.
ومن تعظيم شعائر الله:تعظيم بيوت الله؛ لقوله - جل وعلا - في الحديث القدسي: «إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زُوَّاري فيها عُمَّارها، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته، ثم زارني في بيتي».نعظمها بالإقبال عليها بمحبة وشغف بدخولها، وقد اشتاقت الأرواح إليها بالوقوف فيها أمام الله في خشوع وإنابة، بالجلوس فيها مع كلام الله ومع ذكره والتوسل إليه، نعظمها بمحبتها في قلوبنا، بتقديسها في عقولنا بالعمل الدؤوب على عزِّها ورفعتها؛ لتظل في حياتنا منارات تهدينا إلى هدى الله،
ومن تعظيم شعائر الله أن نتعامل إخوة في الله، فهو الذي أكرمنا بهذه الأخوة، فقال - جل جلاله -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، إخوة في الدين، إخوة مع أهلنا في بيوتنا، إخوة مع جيراننا، إخوة في كل تعامل في حياتنا، حتى نحقق أمر الله في الأخوة، ونحقق حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الذي وصف المؤمنين بقوله: ((مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطُفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى))؛ أخرجه مسلم.
من دلائل تعظيم شعائر اللهتعظيم الله، فليبحث المؤمن في منعطفات قلبه، أين تعظيم ومحبة الله؟ ولقياس ذلك انظر أيها المؤمن وأيتها المؤمنة إلى مدى طاعتك لله، كيف هي عبادتك؟ كيف تكون في صلاتك؟ هل تحب الصلاة؟ هل تنتظر الصلاة؟ هل تشتاق إلى الصلاة؟ هل تحب الوقوف أمام الله؟ وهو الذي ناداك من سابع سماء: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ طه: 14
افتح باب معاملاتك، انظر إلى حالك في البيت، هل أطعت الله في أهلك؟ تذكَّر جلساتك معهم، هل احتوت على كتاب الله؟ هل فتحت يومًا حديثًا عن حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم؟انظر إلى حالك في الطريق، هل بلغت خشية الله إلى عينيك؟ انظر إلى حالك مع جيرانك، هل كففت أذاك عنهم؟ ابحث بعد ذلك، كيف تكون عظمة الله مع عظمة من عظمت؟ يقول الله - جل جلاله -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
قسْ محبتك لله بطاعتك لأوامر الله، تجد مدى إيمانك وارتباطك بالله، فإن وجدت خيرًا فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك، فاجعل طاعتك لله منهجًا لحياتك، وقس ما يصادفك في الحياة بميزان الطاعة، تكن مؤمنًا بإذن الله.اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين الطائعين، وارزقنا التوجه إليك وحسن اليقين.