تقع مدينة سعيدة في الشمال الغربي للجزائر، وتعد من المدن القديمة تمتد فوق الهضاب وللجبال والسهول وكانت قديما موطنا لقبائل بربرية تسمى»تيرسيف».
في القرن التاسع الميلادي سميت «حاز سعيد «، وذلك للمياه المعدنية لسيدي عيسى. كما سميت أيضا في عهد الفاطميين «العقبان «، لوجودها في الهضاب العليا، وسماها الأمير عبد القادر سعيد نظرا لما حققه فيها من قوة، وهو الاسم الذي بقيت عليه اليوم.
في سياق الحديث عن تاريخ مدينة سعيدة، فإن المخلفات التي تركها الأجيال السابقة التي سكنت سعيدة وضواحيها. وجدت المدينة ما قبل التاريخ، ويشهد على ذلك محطات مختلفة كالمغارات والمخابئ، والرسوم الحجرية الموجودة في المنطقة «تيفريت «وجد الإنسان فيها أكثر من 15 ألف سنة، فكان الإنسان يسكن هذه الكهوف، ما جعل منها موطنا للأمم السابقة من بربر و رومان ومقصدا للفاتحين.
تميز سكان سعيدة وضواحيها أثناء الفتح الإسلامي بإستقبال حار وعاملوهم بصفاء واللياقة وكرم الضيافة، وبحسب الدراسات، فإن المغارات التي توجد فيها تعود إلى العصر الحجري، وبحسب ابن خلدون يعتبر البرابرة، أول سكان سعيدة.
صار الجميع يحترمهم وينوّه بخصالهم، مما زادهم شهرة وقدرتهم على القتال وتحمل المشاق، كما جعل منهم الرخاء الحقيقي في العيش رجالا كاملي الرجولة وحب الحرية، صنعت منهم رجال ثائرين يشدون على رؤسهم عصائب بيضاء فهم أهل نجدة وشجاعة وسلاحهم السيوف والرماح ولهم الخيل يركبوها بالسروج.
مرّت على سعيدة العديد من الحضارات منذ عصور ماقبل الميلاد، ففي القرن الثالث الميلادي كانت تحت قيادة الملك النوميدي «ماسينيسا» وفي عصره مثلت منطقة زراعية قوية وعظيمة البساتين وكثيرة المياه والفواكه، فهي أجمل مدينة بأهلها وبلطافة الشمائل وحسن الأخلاق، وفيها وادي الخصب ووجود ينابيع المياه ويصونونها ويسقون الحدائق والأشجار المثمرة التي تثمر تمرا و هذه تثمر جوزا. أشجار وبساتين وحدائق غنّاء وفاكهة كثيرة مختلفة الأنواع، مدينة سعيدة في هضبة تحفّ بها هذه الخيرات والأنهار. وبعد ماسينيسا وقعت تحت سيطرة الإحتلال الروماني عام 40 م.
في 429 م احتلتها الوندال في القرن السابع الميلادي، أين ترسخت المسيحية في المنطقة، نزل الوندال على الشواطئ الغربية بنواحي الغزوات وواصل الزحف شرقا فأتى على الأخضر واليابس. قام بقطع الأشجار وإحراق الزرع وقتل الأبرياء، لم يكن الوندال أهل حضارة ولا كانوا يقدرون القيّم، بل أنهم قوم بكل مفاهيم الهمجية والوحشية.
في القرن الثامن الميلادي، تم فتحها من قبل المسلمين بصعوبة واستمرت مدة طويلة بمقاومتها وحينها، تم تأسيس مملكة تيهرت «702/858».
عرفت هذه الفترة تطورا وحضارة في جميع الميادين. وسيطر الفاطميون على المنطقة في القرن الحادي عشر الميلادي عام (1036-1094)، وبعد الفاطميون، أتى الموّحدون الذين استقروا في سعيدة عام 1147 وعام 1269 ثم جاء الزيانيون وبقوا إلى غاية 1550م، وهو تاريخ دخول العثمانيين. وقعت سعيدة تحت الحكم العثماني وضمّت إلى بايلك معسكر عام 1701/1791 م تحت حكم الأغا. توّفرت المرافق الضرورية للحياة لاسيما الدينية منها والاجتماعية كالمساجد والمكتبات والمدارس التي كانت تلّقن العلوم وكان يشرف على التعليم فيها علماء أجلاء.
الإحتلال الفرنسي
تطور الصراع منذ القرن السادس عشر إلى صراع صليبي، تفتقت أسباب مدنية وراح يتطور بسرعة. لقد إنتشر الإسلام وانتصر المسلمون انتصارات باهرة، بدأت الهجومات تفرض الحصار على الجزائر وأصبحت الأمور واضحة بعد انهزام الأسطول الجزائري في معركة «نفرين» باليونان، يوم 20 أكتوبر 1827م. هذا ما أدى بالجزائر بعد ما كانت سيطرتها بلا منازع في البحر الأبيض المتوسط. وفي 1830 م إحتلت فرنسا الجزائر، ثم وهران وكذلك معسكر وسعيدة. تنقل الأمير عبد القادر إلى سعيدة وأسس قاعدته العسكرية بغابة العقبان على برج مراقبة روماني في 22/10/1841 م.
دخل الفرنسيون سعيدة بقيادة الجنرال بيجو بعد أن تركها الأمير وفي هذه الفترة عرفت المدينة العديد من المعارك ضد المحتل الفرنسي مثل معركة «عين ألمانعة « في 24 أوت 1843 م وفي 9/12 معركتي تيرسين وسيدي يوسف في 22/9/1843 م .
كما نظمت معارك في جنوب سعيدة بقيادة الشيخ البطل بوعمامة (ولد1840/1908) شخصية تاريخية قادة الثورات ضد المستعمر الفرنسي بالجنوب العربي للبلاد. لم يتجرّع طعم الهزيمة في بداية الأمر، فقد حارب بكل قوة وقام بوعمامة بتحد كبير لسياسة الاستعمار، وبمواقفه استطاع أن يضرب فرنسا وكان له ما أراد واجتمعت الأمة وبدأ الحرب فأظهر شجاعة عظيمة وذكاء متقدا.
إن بوعمامة قد مات رحمه الله ولكن الأمة التي أنجبته قادرة أن تنجب مئات منه يحملون هم أمتهم ويدافعون عن كرامتها ويستعيدون أرضها. ابتكر وسائل لم يعرفها أسلافه واستطاع الشعب الجزائري أن ينتصر على عدوه وأخرجه من بلادنا صاغرا ذليلا . نظمت مظاهرات بمدينة سعيدة في 02/05/1945 و كان إحراق مقر البلدية وفي يوم أول نوفمبر اندلاع الثورة في مارس 1956، مع إشعال الثورة في المنطقة كانت نشأة خلية للفدائيين.
شاهدت المنطقة العديد من المعارك المسلحة و سجلت وقوع 1700 شهيد في ساحة الوعي لتعيش الجزائر حرة كريمة.
سجلت أيضا أكثر من 81 عملية عسكرية من 1956 إلى 1962، وتتميز المدينة بالنشاطات الإقتصادية من صناعة وخدمات وفلاحة وتجارة، وذلك بسبب خصوبة أراضيها وموقعها الجغرافي. فهي مدينة عصرية ذات ماض عريق وللمدينة شلاّلات «تيفريت «، وهذا المنظر البديع بأشجارها الكثيفة التي تعانق الجبل في منظر فريد من نوعه، وكذلك عين السخونة، قبلة السياحة العلاجية.
فالمدينة بطرازها المعماري وفنادقها العالية التي يتمتعوا فيها المسافرون بصوت ندى جميل فيجلسون يناشدون الغناء والمعاني الراقية ....
يقول المثل «عش سعيدا ترى الكون سعيدا».