70 سنة مرت وأول نوفمبر وهج لازال متقدا.. سعيد شكيدان:

الجزائر المنتصرة.. حاملة لواء الشهداء ومقبرة المتآمرين

فايزة بلعريبي

 

  القاطـــــــــــــــــــــرة التنمويــــــــــــــــــــة قاريــــــــــــــــــــا وقبلــــــــــــــــــــة للسلــــــــــــــــــــم والســـــــــــــــــــــلام عالميــــــــــــــــــــا

سبعون سنة تمر اليوم، على شرارة التحرر التي أطلقت بجميع التراب الوطني، ذات أول نوفمبر من سنة 1954، والعقيدة الدبلوماسية الجزائرية، ثابتة لم تتغير، والكلمة الناطقة بالحق لم تخرسها المساعي البائسة من مؤامرات دنيئة لزعزعة استقرار الجزائر، محاولات في منتهى الغباء من متجاهلين للتاريخ أو جاهلين به.

الجزائر المنتصرة اليوم تستمد قوتها من مبادئها الثورية ووفائها لبيان أول نوفمبر، وتحرص على تكريس طابعها الاجتماعي والحفاظ على استقرارها الاجتماعي وصون كرامة مواطنيها، حفاظا منها على أمانة الشهداء وردا على مطامع الأعداء. جزائر 2024 المنتصرة تتبوأ مراتب ريادية في جميع المجالات، وسطع نجمها عالميا. نجاح لم ينسها يوما وفاءها لمبادئها النوفمبرية وعقيدتها الدبلوماسية القائمة على نصرة المستضعفين أينما كانوا ومساندة القضايا العادلة على رأسها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية قولا وفعلا.
أوضح أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، المتخصص في الإعلام الثوري، الدكتور سعيد شكيدان، أن الظروف الداخلية والخارجية المحيطة باندلاع ثورة أول نوفمبر التحريرية، شكلت أرضية صلبة لاندلاع الكفاح المسلح، فعلى الصعيد الداخلي كان تشتت الحركة الوطنية التحررية وظهور عدة تيارات وتنظيمات، آل بها المآل في النهاية إلى خضوعها للتيار المطالب بالاستقلال التام للجزائر وتمكنه من فرض فكرة الكفاح المسلح وتزعمه للمشهد التحرري، وبالتالي وصول التنظيم الاستقلالي المسلح إلى أوج قوته وصلابة تركيبته من حيث الاستعداد للإعلان عن الثورة المسلحة، من خلال المنظمة الخاصة والتيار المسلح في حزب حركة انتصار الحريات الديموقراطية.
بالمقابل ساعدت الظروف الخارجية كثيرا على بلورة فكرة الكفاح المسلح وتشجيع قادة الثورة على رأسها اندلاع الثورة التحريرية بتونس ضد الاستعمار الفرنسي، وظهور التصحيح التاريخي بجمهورية مصر العربية، وكذا ظهور المد الثوري العالمي، أين أصبح مبدأ تقرير للمصير للدول المستعمرة أهم مبدإ مدرج على مستوى هيئة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تراجع قوة المستعمر الفرنسي وهيبته الدولية بعد الهزيمة التي لحقت به في حربه على الفيتنام.
ظروف، يرى المتحدث، أنها شجعت قادة الثورة التحريرية على إعلان الكفاح المسلح ووثقت شهادة ميلاده ذات أول نوفمبر من سنة 1954، مبدؤهم في ذلك أن ما أخذ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة.
وأكد شكيدان، أن الإعلان عن انطلاق الكفاح المسلح، بأول نوفمبر، لم يولد من عدم، وإنما سبقه تنسيق وتنظيم هيكلي للثورة المسلحة، من طرف المنظمة الخاصة التي كان أشهر وآخر اجتماعاتها اجتماع لقادة الثورة في منزل “بالمدنية” في أكتوبر 1954، الذي تم بمقتضاه تاريخ وساعة اندلاع الثورة التحريرية، الذي سيكون موحدا على مستوى التراب الوطني وتقسيم التراب الوطني إلى 5 مناطق هي، الأوراس، الشمال القسنطيني، منطقة القبائل، الجزائر العاصمة، ومنطقة وهران، على التوالي. ثم تم تحويلها بعد انعقاد مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، إلى ولايات، مع تكثيف التنسيق فيما بينها، فيما يخص جمع الأسلحة وتجنيد المجاهدين.
الإعــــلام الثـــوري.. رصاصـــــــة صـــدحـــــت بالحـــــــق
ووعيا من قادة الثورة -الذين أبانوا عن سعي سياسي أبهر العالم- بأهمية الإعلام، فقد أعطوا أهمية كبرى لدور الإعلام من أجل تدويل القضية الجزائرية وطرحها على مستوى المحافل الدولية، كمبدأ محوري لقادة الثورة التحريرية، وعن قناعة منهم بعدم وجود عمل سياسي بمعزل عن الإعلام كسلطة رابعة.
يتجلى هذا الاهتمام، أضاف المتحدث، بداية من بيان أول نوفمبر إلى مؤتمر الصومام، الذي أعطى قاعدة متينة للتنظيم والتنسيق الإعلامي العصري، رغم قلة الإمكانيات التكنولوجية، وقد واصل الإعلام رسالته النضالية بعد الاستقلال منذ تأسيس أول وزارة للإعلام خلال الحكومة المؤقتة.
وبالنسبة للوسائل الإعلامية آنذاك، فقد كانت البداية بالإذاعة السرية التي لعبت دورا كبيرا رغم قلة الإمكانيات، للرد على الدعاية الفرنسية المغرضة التي اعتبرت الثورة التحريرية انتفاضة متمردين ومشكل داخلي، كما تمكنت الإذاعة السرية من كسر الحصار الفرنسي على الثورة التحريرية، والتعريف ببرنامجها العسكري والسياسي، خارج حدود التراب الوطني، بالخصوص على مستوى العالم الأنجلوسكسوني.
أعمــــــــــال سينمائيـــــــة توثــــــــق وتــــــــــؤرخ..
كما لعب قطاع السينما دورا كبيرا في الترويج للقضية الجزائرية، حيث أنشئت بمقتضى مخرجات مؤتمر الصومام أول مدرسة سنيمائية بالولاية الأولى بالأوراس، أسسها صديق الثورة التحريرية، الفرنسي المناضل “غوني فوتيم”، الذي تولى تأطير وتنظيم قطاع السينما الجزائرية إبان الثورة التحريرية، حيث قام بإخراج العديد من الأعمال السينمائية التي وثقت أحداث الثورة التحريرية. واعتبر سعيد شكيدان أنه من باب الإنصاف لابد من استذكار ما قدمه الأخوة شندارلي، خاصة الدبلوماسي عبد القادر شندارلي، ممثل جبهة التحرير الوطني بنيويورك والمخرج السينمائي جمال شندارلي، من خدمات للسنيما الجزائرية ومن خلالها للإعلام الثوري، حيث قام جمال شندارلي بإخراج العديد من الأفلام السنيمائية التي وثقت بأمانة أحداث الثورة التحريرية، ففيلم “ياسمينة” الذي عرض بنيويورك الذي أثر كثيرا على الرأي العام العالمي آنذاك وأعطى صدى قوي للثورة التحريرية على المستوى العالمي من بوابة نيويورك. ومن الوسائل الإعلامية التي كان لها دور كبير في الدفاع عن القضية الجزائرية، اليومية الزميلة، الناطقة بالفرنسية “المجاهد” التي ساهمت بشكل كبير في الرد على الدعاية الفرنسية ونشر مبادئ ثورة التحرير المجيدة، ولم تتوقف عند حدود القضية الجزائرية بل دافعت عن كل القضايا التحررية المراهنة آنذاك بإفريقيا وآسيا ضد الاستعمار الفرنسي.
الدبلوماسيــــــــة الثوريـــــــة تقنــــــــــع العـــــــــالم..
وفي هذا الصدد، ونحن نحتفل بسبعينية الثورة المجيدة، ارتأى محدثنا التأكيد، على أن الثورة التحريرية ورغم مرور سبعين سنة على اندلاعها، إلا أنها اتسمت بالطابع العصري الذي لازال إلى اليوم قدوة للحركات التحررية الراهنة، نظرا للوعي السياسي لقادتها وحرصهم على تدويل القضية الجزائرية عبر منابر المحافل الدولية، أهمها هيئة الأمم المتحدة، وهو نجاح سياسي لا يقل أهمية عن الانتصارات العسكرية عبر المعارك التي كان يخوضها المجاهدين ضد المستعمر، فمنهم من قضى نحبه، وارتقى مع الشهداء والصديقين ومنهم من كتب له رؤية الجزائر المستقلة ولا يزال يعيش اليوم إنجازات الجزائر المنتصرة. وابتداء من 1955، تابع ذات المتحدث، تمت برمجة القضية الفلسطينية بجدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو الإنجاز الذي هز الكيان الفرنسي المستعمر دبلوماسيا، لتأخذ الثورة التحريرية منعرجا جديدا تمثل في النضال على الجبهات الثلاث، الدبلوماسية، السياسية والعسكرية، وتمكنت من استمالة عدد كبير من الدول المساندة للقضية التحررية العادلة للجزائر ضد المستعمر الفرنسي، الذي خسر معركته الدبلوماسية بمنبر الأمم المتحدة، ما جعل الوفد الفرنسي ينسحب عدة مرات من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبالحديث عن الدول التي كانت سباقة لاحتضان الثورة التحريرية، أجاب شكيدان أن الدول العربية بحكم انتمائها العربي الإسلامي، كانت أول من ساند القضية الجزائرية منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة التحريرية. وللأمانة التاريخية، أكد شكيدان أن جميع الدول العربية قد ساندت القضية الجزائرية، معنويا وسياسيا وحتى عسكريا، إضافة إلى الدول الإسلامية بحكم الانتماء الحضاري والديني المشترك مع الجزائر. وتأتي في المرتبة الثانية الدول التي عاشت الاستعمار وتعي معنى الحرية المسلوبة، خاصة الدول الأسيوية ودول الشرق الوسط. في حين عارضت الدول الرأسمالية الغربية التي تنتمي إلى الحلف الأطلسي، المسار التحرري الجزائري.
محــــور ساطــــــــع بأدبيـــات الثورات التحرريـــة..
واليوم أصبحت الجزائر رقما عالميا صعبا لا يقهر ولا يفاوض عندما يتعلق الأمر بسيادته وسيادة الشعوب المستضعفة، استرسل ذات المتحدث، كما أصبحت الثورة الجزائرية تجربة مهمة بأدبيات الثورات التحررية.
وأضاف شكيدان أن الجزائر قد أرست بعد الاستقلال قاعدة اقتصادية منيعة، سنوات السبعينات، يواصل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون اليوم، وفاءا منه لبيان أول نوفمبر وأمانة الشهداء، والعهد البوميدني، بناء جزائر جديدة منتصرة، واحدة موحدة، لا مجال للتشكيك في أصالة شعبه ووفائه لقيمه النوفمبرية ولا عزاء للخونة بها. اليوم تتزعم الجزائر القاطرة التنموية قاريا، كقبلة للسلم والسلام، يستدل بها على المستوى القاري والعربي وحتى العالمي، فتجربتها في مكافحة الإرهاب، شدد المتحدث، أصبحت نموذجا يقتدى به، كما أن مساعيها في لم الشمل العربي، ونصرة المستضعفين لا يمكن أن يشكك بها إلا ناكر أو جاحد، وهو مبدأ ثابت بالعقيدة الدبلوماسية الجزائرية، المستقاة من بيان أول نوفمبر.
مبدأ جسدته الجزائر، حسب ذات المتحدث، من خلال مواقفها الثابتة والمشرفة منذ توليها منصب عضو غير دائم بمجلس الأمن، حيث لم تتوانى للحظة في الوقوف إلى جانب أم القضايا، القضية الفلسطينية من خلال مرافعاتها التي لم تهدأ منذ بداية طوفان الأقصى، على مستوى الجلسات العادية والطارئة التي تطالب بها الجزائر دائما، لتجريم ما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم في حق أشقائنا بغزة وفي حق الإنسانية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19610

العدد 19610

الخميس 31 أكتوير 2024
العدد 19609

العدد 19609

الأربعاء 30 أكتوير 2024
العدد 19608

العدد 19608

الثلاثاء 29 أكتوير 2024
العدد 19607

العدد 19607

الإثنين 28 أكتوير 2024