تنشيط آليات التعاون الثنائي وبناء شراكة عادلة ومربحة
تعميق التشاور السياسي حول القضايا الإقليمية والدولية
رؤية جزائرية شاملـة لإعادة التمـوضع كفاعل محوري في القارة السمراء
في سياق التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، تأتي زيارة الرئيس الرواندي بول كاغامي، إلى الجزائر، والتي شرع فيها، أمس الثلاثاء، لتشكل محطة استراتيجية جديدة تعكس التوجه المتصاعد للجزائر نحو تعزيز علاقاتها مع دول العمق الإفريقي.
هذه الزيارة، التي تستمر يومين، تندرج ضمن رؤية جزائرية شاملة تهدف إلى إعادة تموضع البلاد كفاعل محوري في القارة الإفريقية، ليس فقط على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، بل أيضاً في المجالات الاقتصادية والتنموية.
تسعى الجزائر، بثقلها الاقتصادي كأحد أكبر الاقتصادات في إفريقيا، إلى توظيف هذه الميزة لتعزيز شراكاتها مع دول القارة، مستفيدة من تجربتها التاريخية في دعم حركات التحرر، لتنتقل إلى مرحلة جديدة تركز على التعاون الاقتصادي والتنموي.
في هذا الإطار، تُعد رواندا شريكاً مثالياً، نظراً لما حققته من نمو اقتصادي ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 7,44٪ سنوياً في المتوسط بين عامي 2020 و2022، مدفوعاً بإصلاحات هيكلية وتنظيم بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات.
في السياق، تُظهر الجزائر اهتماماً متزايداً بتعزيز التعاون الاقتصادي مع رواندا، حيث من المتوقع الاتفاق على توسيع مجالات التعاون لتشمل الطاقة والصناعة الصيدلانية، بالإضافة إلى تنشيط آليات التعاون الثنائي، مثل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي. وهذا التوجه يعكس رغبة جزائرية في بناء شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة، بعيداً عن الشعارات التقليدية، ومواكبة للتحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية. علاوة على ذلك، تسعى الجزائر إلى تحويل رصيدها الرمزي في إفريقيا، المستند إلى تاريخها في دعم الدول الإفريقية غداة الاستقلال، إلى قوة ناعمة تُترجم إلى شراكات اقتصادية وتنموية ملموسة. وهذا التوجه يتطلب إعادة هيكلة العلاقات الإفريقية على أسس واقعية، تأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة وأهمية الأمن الإقليمي والتكامل الاقتصادي. في هذا الإطار، يقول الدكتور منصوري عبد القادر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح لـ «الشعب»: «إن الجزائر تدرك اليوم جيداً أن النفوذ والتأثير في إفريقيا لم يعد يُقاس بالدعم السياسي أو الخطابات التاريخية فقط، بل بقدرتها الفعلية على تقديم نموذج اقتصادي واعد، والمساهمة المباشرة والفاعلة في التنمية الشاملة والمستدامة للقارة. وزيارة الرئيس كاغامي ليست سوى مؤشر واضح على هذا التوجه الاستراتيجي الجديد الذي تتبناه الجزائر، والذي يركز على تفعيل التعاون الاقتصادي كمحرك رئيسي للدبلوماسية. ويعكس هذا التحول وعياً جزائرياً بأن القارة الإفريقية لم تعد تقتصر على مجرد فضاء للتضامن السياسي، بل أصبحت فضاءً للمصالح الاقتصادية المشتركة التي يجب استثمارها بعناية وشغف». في سياق متصل، تجمع الجزائر ورواندا علاقات تاريخية قوية، أساسها الاحترام المتبادل والتنسيق في المواقف والتضامن والدفاع المشترك عن القضايا الإفريقية. وقد شهدت هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، نفساً جديداً وديناميكية متصاعدة في ظل الإرادة القوية والعزيمة المشتركة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ونظيره الرواندي بول كاغامي.
وتجسيداً لذلك، تأتي زيارة كاغامي لتعزيز التعاون على جميع الأصعدة وتعميق التشاور السياسي حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وكانت الجزائر قد فتحت سفارة لها في كيغالي سنة 2021، كما تم تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائر- رواندا في مارس 2023.
كذلك، يعرف التعاون العسكري بين البلدين تطوراً هاماً، حيث زار رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة رواندا في فيفري 2024، في حين قام نظيره الرواندي بزيارة الجزائر في أفريل 2024، مؤكديْن على أهمية التنسيق في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها القارة. ومن المتوقع أن يعزز البلدان التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق في القضايا الأمنية والسياسية على الساحتين الإفريقية والدولية، مما يرسخ العلاقات الجزائرية- الرواندية كنموذج رائد للتعاون الإفريقي المشترك.