رغم إجماع الخبراء على أنها ستكون عصيبة اقتصاديا، إلا أن سنة 2016 مرت بسلام وقد شهدت عدة أحداث هامة، منها قانون المالية 2017، الذي حمل جانبا إستشرافيا، يمتد إلى ثلاث سنوات (لأول مرة). كما شكل التحول الاقتصادي تحت شعار تنويع المداخيل أنموذجا بديلا للمحروقات، بالإضافة إلى أبرز حدث يتمثل في لقاء أوبك في الجزائر، الذي مكن من تخفيض الإنتاج لرفع أسعار الذهب الأسود المتهاوية وهي مكتسبات هامة، تعمل الدولة على المحافظة عليها من خلال كسب الرهانات التي تواجهها، على غرار محاربة الفساد وتنظيم السوق الموازية التي تمثل 40 من المائة من الاقتصاد الوطني. «الشعب» ترصد حصيلة 2016 في هذه الوقفة.
مع نهاية سنة 2016، تبددت بعض المخاوف فيما يتعلق بالمستقبل الاقتصادي للبلد. مخاوف زرعتها انهيارات أسعار البترول، ما استدعى مراجعة السعر المرجعي له المعتمد في قانون المالية لـ2017، 2018 و2019، نحو الارتفاع (50 دولارا)، ما يمكن برسم الكثير من الإيجابيات خلال هذه العهدة، نظرا للقوانين الهامة التي نزلت على البرلمان غرفتيه والتي تم المصادقة عليها بالأغلبية، وما تمثله من أهمية بالنسبة للتشريع الجزائري، ودعم القوانين التي جاءت لصالح المواطن الجزائري ومؤسسات الدولة بشكل عام.
نشير في هذا السياق، إلى أن تنظيم المؤسسات العمومية الإقتصادية، قد عرف تحولا كبيرا بمناسبة صدور قانون المالية لسنة 2016 حيث نصت المادة 62 منه، على فتح رأس هذه المؤسسات للشراكة على المساهمات الوطنية مع احتفاظ الدولة بحد أقصى من رأس المال.
سنة انطلاق النموذج
الاقتصادي المتنوع
شكل لقاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبيب)، متنفسا لدى الدول المنضوية تحت هذه المنظمة، حيث تعدى قرار تخفيض إنتاج النفط عقب اجتماعها في الجزائر سبتمبر الماضي، توقعات تجميد الإنتاج، وقد سمح بعودة ارتفاع أسعار البرميل النفطي إلى ما يفوق 50 دولارا خلال الأيام القلائل التي أعقبت هذا اللقاء التاريخي، الذي احتضنته الجزائر.
حتى انهيار أسعار النفط منذ 2014، وقبل أن ترتفع نسبيا خلال الأشهر الأخيرة، تحول من نقمة إلى نعمة، جعلت السياسات تبحث عن مخرج للأزمة، من خلال التخلص من التبعية للاقتصاد الريعي «الإتكالي»، وأصبحت فرصة سانحة للجزائر، لبناء اقتصاد وطني منتج، يحقق تنمية مستدامة، ومن خلال النظرة الإستشرافية الممتدة على مدى 3 سنوات القادمة التي تعتمد على التسيير الحذر للنفقات، وبحث موارد مالية محلية من قبل الجماعات المحلية، عن طريق الجباية.
سياسة اقتصادية لتكامل
القطاعين العمومي والخاص
كان لابد من البحث عن اقتصاد بديل، يخلق الثروة والقيمة المضافة ويوفر مناصب العمل لآلاف المتخرجين سنويا من الجامعات، حيث استحدث القطاع الاقتصادي لسنة وشيكة الانقضاء قرابة 400 ألف منصب، حسب الأرقام الواردة عن وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، ويستقطب في ذات الوقت الكفاءات الحاملة للمشاريع الاستثمارية في شتى القطاعات، من خلال إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لدعم وتوسيع النسيج الصناعي.
هذه السياسة الجديدة للحكومة الموجهة لهذا القطاع، فرضتها التحولات العميقة الحاصلة على المستويين الاقتصادي والمالي، وطنيا ودوليا، ما أدى إلى مراجعة القانون 01- 18 ،على اعتبار أن دعم قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أصبح يشكل أولوية لدى السلطات العمومية لتنويع الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
تركز هذه السياسة الجديدة على تشجيع المنتج الوطني، للخروج من دائرة المحروقات وعدم التفريق بين القطاعين العام والخاص في الاستثمار والتنمية الاقتصادية، وقد أتاح الوضع الاقتصادي الرهان، الفرصة للمستثمرين الخواص لبناء المؤسسات الاقتصادية دون تمييز بين المؤسسات العمومية والخاصة.
بحسب الحصيلة الأخيرة التي قدمها وزير الصناعة والمناجم، فانه تم سنة 2015 إنشاء 84000 مؤسسة، ما يرفع كثافة النسيج الصناعي إلى 23 مؤسسة لكل 1000 ساكن. كما ارتفع التمويل الموجه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى 9 من المائة سنة 2016، بعدما كان لا يتجاوز 5 من المائة السنة التي قبلها. علما أن 50 من المائة من هذا التمويل موجه للقطاع الخاص.
رهان على تنظيم القطاع
الموازي ومحاربة الفساد
تبقى تواجه الجزائر رهانات كبرى تتمثل في تنظيم السوق الموازية، التي تمثل، بحسب الخبراء في المجال الاقتصادي، 40 من المائة من الاقتصاد الوطني، لدمجه في الاقتصاد الرسمي ومحاربة التهريب، لما يحدثه من نزيف اقتصادي، ينخر البلد، فضلا عن محاربة التجارة غير الشرعية للعملة الصعبة.
الحكومة من خلال الإجراءات التي اتخذتها في إطار القوانين المصادق عليها خلال السنة، تصر على إدخال هذا النشاط ضمن النشاط الرسمي، عن طريق وضع إطار، يسمح للتجار خارج الإطار القانوني، ولاسيما الصغار منهم، بالنشاط داخل أماكن مجهزة، من طرف الجماعات المحلية منها 100 محل الموجهة للشباب في إطار برنامج الرئيس، على أن يستفيدوا بصفة مؤقتة من الإعفاء من الضريبة الجزافية الوحيدة، خلال السنتين الأوليين من بداية النشاط.
وترمي الإصلاحات التي وضعتها الدولة، إلى محاربة كل مظاهر الفساد وإهدار المال العام، إلى تعزيز الرقابة على أرباح الشركات العمومية والخاصة، وقد تم في هذا الإطار اتخاذ عدة تدابير، لتعزيز مكافحة الظاهرة، أهمها رقمنة إجراءات الجمركة، وتحديد مجال التدخل البشري (الأعوان)، في هذه العملية، وكذا تبني الصرامة، وخاصة في محاربة تهريب العملة ورؤوس الأموال إلى الخارج.
كما سيساهم التصريح الإلكتروني والشباك الوحيد، واستحداث الجمركة عن بعد وتقليص آجالها، في تقليل الاتصال بين المتعاملين الاقتصاديين، وأعوان الجمارك، وبالتالي التقليل من خطر الفساد، وما يترتب عنه من آثار وخيمة على الاقتصاد والمجتمع.