نشر هذا المقال غايته المساهمة في الحملات التحسيسية لمواجهة حوادث المرور وتوقيف إرهاب الطرقات، وهو مقال يتضمّن مقترح مشروع أسميته «هدية الطريق»، قصد تكريم السائقين الذين يحترمون قانون المرور ويساهمون في الحفاظ على الأرواح، عبر مبادرات لأجهزة الشرطة والدرك الوطني مرة في الشهر مثلا.
عندما يتحوّل إرهاب الطّرقات إلى خطر جسيم يهدد امن المجتمع والدولة، فإنّ تدخّل جميع فئات وعناصر الأمة أكثر من ضرورة وطنية وأكبر من واجب إنساني، لأن الكل مهدّد في كل لحظة لخطر حادث مرور من السائقين أو من الرّاجلين، لكن يبدو أن التفكير الجزائري اقتصر على قوانين العقاب للمخطئين دون الالتفات للسائقين الملتزمين بالقانون، فلماذا هذا النّسيان والتّجاهليبدو أنّ اهتمام الجزائريين بوضع قوانين للعقاب ومتابعة المخطئين قد أنساهم تأمل من يبدع في ميدان عمله أو بحثه، أو يلتزم بالأنظمة التي تسير علاقات العمل أو التفوق التربوي والعلمي في مدارسنا وجامعاتنا، ومن ثمّة جاءت فكرة تكريم السواق الدين يلتزمون بقوانين الطريق.
لقد جاءتني الفكرة من طريقة تعامل الجامعة الجزائرية مع ظاهرة غياب الطلبة عن الدروس، فالإدارة والأساتذة يهتمان بالطلبة الغائبين وتسجيل غيابهم والبحث عن طرق لإقصائهم ومعاقبتهم عن الغياب وعدم تتبع سير الحصص والدروس، من دون الاهتمام بالبحث عن طرق لمكافئة من يحضر ويلتزم بالانضباط والمشاركة والنقاش، إلا في حالات استثنائية عند بعض الكليات والأقسام...وهو الأمر الموجود في كثير من المؤسسات العمومية والخاصة، حيث يكون الاهتمام على العقوبة فقط دون النظر في المكافأة؟
إنّنا نقترح على المجموعات الإقليمية للدرك الوطني ومصالح الأمن الوطني - مرة في الشهر مثلا وفي توقيت محدد ومكان معين - توقيف السيارات التي تلتزم بالسرعة المحددة في الطرق وفي مداخل المدن من خلال الرادار، وشكرهم وتكريمهم بشهادة شرفية وتسجيل لحظة التكريم في الموقع الالكتروني للدرك الوطني أو الأمن الوطني او التنسيق مع الفضائيات التلفزية للتصوير، بدل توقيف المتجاوزين للسرعة فقط أو
المخالفين للقوانين وبدل دعوة القنوات التلفزية لتسجل المخالفين ومشاهد سحب الرخص منهم؟
ونقترح أن تقدّم لكل سائق حافظ على أرواح المواطنين جائزة عبارة عن حقيبة صغيرة فيها منشورات المؤسسات الأمنية والعسكرية مثل مجلة الشرطة ومجلة الجيش الوطني...أو كتب عن المواطنة وتاريخ الجزائر وكذلك إهداء السواق الراية الوطنية...أو أقراص مضغوطة تتضمن تسجيلات صوتية لإلياذة الجزائر لمفدي زكريا أو القرآن الكريم أو قانون المرور أو أي هدية رمزية تسهم في تجسيد الوطنية المواطنة والأخلاق الاجتماعية المدنية والمتحضرة...على أن تكون العملية مرة في الشهر مثلا، وتختار الفرق الشرطية والدركية مناطق مختلفة من الولاية وتوقيف عدد محدد من السيارات الملتزمة بالقانون (10 على سبيل المثال) لأن الهدف تسويقي وتحسيسي قبل كل شيء، وفيه التفاتة للوجه الإيجابي من الجزائري.
وقد يسهم في هذه الفكرة رجال المال والأعمال (من خلال منتدى المؤسسات مثلا) للتواصل مع الجمعيات وتقديم مبالغ مالية أو هدايا أخرى للسائقين عبر كامل الطرق (البلدية، الولائية، الوطنية، الطريق السيار) لكي نقول جميعا بصوت واحد «شكرا أيّها السّائق الملتزم بالقانون»، فإذا كانت العقوبات لم تسهم في خفض أرقام الحوادث والقتلى والجرحى فربما عكس طريقة التفكير قد تفعل ذلك.
بل لماذا لا نقدّم للمخالفين للقانون نسخا ورقية أو إلكترونية من قانون المرور وأرقام الحوادث ونتائج الإفراط في السرعة، عدم وضع الحزام، التجاوز الخطير، عدم احترام مسافة الأمان...وغيرها من المخالفات، إلى جانب العقوبة المالية أو سحب الرخصة؟
على أجهزتنا الأمنية المسوؤلة على الطرقات أن تقول للمحسن أحسنت ولا تكتفي بأن تقول للمسيء أسأت، فالكثير من الداخلين إلى المناطق العمرانية والمدنية يلتزمون بالإنقاص من السرعة لكن لم نشكرهم ولم نهتم بهم، وكل الأنظار موجّهة لمن يدخل بسرعة جنونية للمدينة أو لمن يتجاوز تجاوزا خطيرا، كما أنّ الأمن أو الدرك يتابع السيارة التي لم تحترم إشارة «قف»، من غير التقدم من السيارة التي توقّفت عند «قف»، لشكر صاحبها أو تكريمه؟ فلماذا يا سيدي الشّرطي أو الدركي تغرم ذاك ولا تكرّم هذا؟
على طريقة تفكيرنا أن تتغيّر جذريا وعلى الجميع عبر الوطن وعبر كل المؤسسات والإدارات أن يلتفت للجوانب الإيجابية والمشرقة من الإنسان الجزائري، فالكثير من العمال يحتاجون للشكر والثناء، والكثير من التلاميذ والطلبة يريدون منّا الشكر والتشريف، والكثير من المعلّمين شرفاء وضمائرهم حية ويشتغلون بتضحية وفاء للمهنة وأخلاقياتها، والكثير من الأطباء، المهندسين، المقاولين، السياسيين، الإعلاميين...يحبّون هذه الأرض ويواصلون الوفاء لمجد وعهد الشهداء ويبدعون في قطاعاتهم، لكن لم ننظر إليهم وركّزنا على منهم عكسهم في الأخلاق والأداء المهني، وهذه طريق لن توصلنا إلى التطور الحضاري والنهوض الوطني.
أخيرا
نقترح هذه الأفكار للمساهمة في النقاش الوطني حول ظاهرة إرهاب الطرقات ، ولكي تتحد الجهود لتوقيف أرقام الضحايا والمجروحين والذين تحولت حياتهم إلى مأساة وخسائر نفسية ومالية واجتماعية بسبب حادث مرور خطير، فهل يلتفت المسؤولون في الجهاز الأمني الجزائري لهذه الأفكار؟