طرحت معضلة ثقل المحفظة المدرسية هذه السنة مجددا، بالرغم من جهود الوزارة في تخفيف الحجم الساعي إلى 12 ساعة. غير أن الظرف الاستثنائي أجبر 5 ملايين تلميذ بالطور الابتدائي على حمل حقائب يتجاوز وزنها 10 كلغ على ظهور لم يكتمل نموها، ما يتسبب في الكثير من الأخطار الصحية، في مقدمتها اعوجاج العمود الفقري أو ما يعرف بـ»السكوليوز»، داء يكلف علاجه 4 مرات أضعاف المشاريع المدرسية.
يعيش التلاميذ، بعد شهر من العودة إلى مقاعدهم بالمدارس، معاناة حقيقية اتضحت معالمها على الأولياء الذين أتعبهم ثقل المحفظة المدرسية وأصبحت تؤرقهم، بالنظر إلى حملها بدلا عن أبنائهم لتجنيبهم الأخطار الصحية التي تنجم عنها، على غرار اعوجاج العمود الفقري أو انحراف الظهر الذي حذر الأطباء من مضاعفاته الخطيرة على صحتهم.
المحفظة الثقيلة خطر يهدد المستوى العقلي والمعرفي للتلميذ
أكد مختصون في الشأن التربوي، خلال حديثهم لـ «الشعب»، أن الوزارة الوصية مطالبة بالنظر في ملف ثقل المحفظة المدرسية وتخفيف وزنها الذي يتجاوز 10 كلغ لدى تلاميذ السنتين الرابعة والخامسة ابتدائي و6 كلغ لدى السنتين الثانية والثالثة من خلال إيجاد البديل، المتمثل في إلغاء مواد الإيقاظ والتربية المدنية كحل استثنائي هذه السنة أو وضع الخزائن المدرسية والاستجابة للتعليمة التي أقرتها السلطات منذ 3 سنوات ولم تستجب لها الكثير من البلديات.
وقال الأمين العام لنقابة أساتذة التعليم الإبتدائي محمد حميدات في تصريح لـ «الشعب»، إنها كانت ضمن جملة المطالب المطروحة خلال السنوات الماضية ويجب العودة إليها من أجل تحريك الملف الذي يمثل معضلة حقيقية لما له من أثر سلبي على المستوى العقلي والمعرفي للتلميذ، المقترن بالتعب اليومي الناتج عن حمل محفظة تتجاوز وزنهم أحيانا.
وأفاد، أن مشكل الحقيبة المدرسية الثقيلة يؤذي ظهر التلميذ، خاصة بالمناطق النائية التي يقطع فيها التلاميذ مسافات كبيرة يصل من خلالها إلى المدرسة منهك القوى دون أي قدرة على الاستيعاب، ما جعل النقابة ترفع الانشغال في أكثر من مرة الى الوزارات السابقة التي وعدت بجمع عديد الكتب في كتاب واحد حسب المواد وإدخال تعديلات على البرنامج الدراسي سابقا. غير أنه مع تبعات المشاكل الكلاسيكية ذهبت كل الحلول وبقي التلميذ يصارع وزن محفظة أثقل منه أحيانا.
وأضاف حميدات، على ضوء الظرف الاستثنائي الذي تزاول فيه المدرسة التعليم، لابد على الأساتذة إيجاد البدائل السريعة إلى غاية الوصول إلى الحلول الأخرى، سواء الخزائن المدرسية أو تعميم اللوحة الرقمية أو من خلال اللجوء إلى تقليص حجم الكراريس والاستغناء عن الكبيرة منها ذات 120 صفحة، لأنها ثقيلة وتبقى دون استعمال في نهاية السنة.
ما عمق المشكل ـ يقول الأمين العام لنقابة الطور الابتدائي- استمرار تسيير المدارس من طرف البلديات، جعلها تعج في جملة من المشاكل، منها غياب خزينة الاحتفاظ بالأدوات المدرسية، خاصة في المناطق البعيدة التي من المفروض أن يحتفظ فيها بكتب الأنشطة وبعض الكراريس، بشرط أن تكون مصحوبة بترقيم يحمل اسم ولقب التلميذ، غير أنه في المقابل يضطر إلى حملها على ظهره يوميا دون إدراك خطورة الأمر.
الأساتذة يقترحون دمج المواد
من جهتهم أكد عدد من أساتذة التعليم الابتدائي في تصريح لـ»الشعب»، ان الحلول هذه السنة تختلف عن السنوات الماضية التي سمحنا فيها بإبقاء المحفظة داخل القسم خلال فترة الاستراحة، غير أن هذا الموسم كحل مؤقت لجأنا لتقسيم الكراريس بين مواد عديدة، خاصة المستويين الثالث والرابع وكذا الخامس، حيث قسمت المواد الأساسية في كراس اللغة والرياضيات، العلمية والمدنية معا، لتفادي جلب عدد كبير من الكراريس وإثقال ظهر التلميذ بحقيبة يعجز عن حملها.
وقالت معلمة بمدرسة ابتدائية بالدار البيضاء، إنها تعمل وفق الرزنامة اليومية لتفادي إحضار جميع الكتب المدرسية، رغم أنهم مجبرون أحيانا على تقديم دروس بعض المواد المتأخرة، مشيرة أنه الحل الوحيد للتخفيف على التلميذ.
«كنابست»: مراجعة البرنامج الحل لمشكل ثقل الحقيبة المدرسية
أكد المتحدث باسم نقابة «كنابست»مسعود بوديبة في تصريح لـ «الشعب»، أن مشكل ثقل المحفظة واقع ميداني يعيشه التلاميذ بسبب غياب إستراتجية علمية بيداغوجية، مشيرا أن الحل في إعادة النظر في المنظومة التعليمية وإصلاحها وتغييرها بالشكل الذي يجعل من مرحلة التعليم الابتدائي مرحلة ليست لإثقال التلميذ، بقدر ماهي لبنائه فكريا وبيداغوجيا بكيفية تتلاءم مع سنّه.
وشدد بوديبة على ضرورة وضع برنامج يناسب سن التلميذ، من خلال إدماج المواد التي يمكن دراستها في مادة واحدة، مثل العلمية والمدنية، أي دمج المواد لتخفيف البرامج وفق طرق تسمح باكتساب معارف مضبوطة تحدد الأهداف تدريجيا.
ودعا وزارة التربية الوطنية، إلى النظر في البرنامج ووضع منظومة تعليمية تسمح بتخفيف ثقل المحفظة وثقل المعارف العلمية لتحقيق الأهداف المرجوة بطرق علمية وبيداغوجية فعالة تناسب التلميذ وقدراته.
«سناداب»: الأساتذة ملزمون باحترام الرزنامة
من جهته أكد العضو المكلف بالدراسات والأبحاث بنقابة مديري الابتدائيات معمر عبد الهادي، في تصريح لـ»الشعب»، أن واجبنا إلزام الأساتذة بتبطيق ماجاءت به المخططات الاستثنائية في البرنامج، لأنه تم تخفيف الحجم الساعي لـ12 ساعة يوميا، فلا يمكن للأستاذ أن يقدم كل الدروس ويستعمل كتب الأنشطة في حصة لا تتجاوز 45د كمدة قصوى و30 دقيقة كأدنى مدة.
الوضع الذي يجبر التلميذ على استعمال كتب الأنشطة في البيت كواجبات يومية تحل في البيت ويقوم الأستاذ بتقويمها في حصص مدرسية أخرى، لأن الوضع الحالي والإجراءات المتخذة تفرض على الجميع التقيد بما تمليه الوزارة الممثلة في المفتشية العامة البيداغوجية من تعليمات ومناشير رسمية.
ويبقى كذلك - يضيف عبد الهادي - دور الأولياء في برمجة يوم الراحة الذي لا يدرس فيه التلميذ للمراجعة والتقوية وعدم اعتباره يوما للعب.
أما عن مسألة التزام الأستاذ، فهو يقوم بما يمليه عليه القانون ولا مجال له للخروج عن النص، لأنه قد قام بواجبه بتقديم المخطط الأسبوعي لمختلف التعليميات، أي المواد التي يدرسها التلميذ في اليوم، وهو مدروس بدقة كي لا يقع التلميذ في مشكلة ثقل المحفظة.
العودة لتعليمة الخزائن المدرسية
يشكل ثقل المحفظة هاجس الأولياء، بالنظر الى الآثار السلبية التي يسببها للأطفا،ل منها مرض اعوجاج العمود الفقري الذي يكلف علاجه، بحسب دراسات أخيرة، أربع مرات ثمن الخزائن المدرسية التي طالبت بها منذ سنوات. وأكدت الوزارة الوصية، التكفل بالأمر من خلال إصدار تعليمة للأميار لتجسيدها ميدانيا، غير انه بقي حبرا على ورق في الكثير من البلديات، ليبقى التلميذ ضحية محفظة ثقيلة يتجاوز وزنها 10 كلغ، بحسب تصريح رئيسة الفدرالية الوطنية لأولياء التلاميذ جميلة خيار لـ «الشعب».
وقالت جميلة خيار، إن معضلة ثقل المحفظة شكلت اهتمام الحكومة في عديد المرات، آخرها عندما اقترحت تعميم استعمال الألواح الإلكترونية في المؤسسات التربوية كخطوة نحو تخفيف المحفظة. غير أن المشروع يصعب تجسيده ميدانيا ويحتاج سنتين على الأقل لتطبيقه على أرض الواقع، الا أنها في المقابل اقترحت العودة الى مشروع الخزينة المدرسية الذي لا يكلف أموالا كبيرة.
واستندت خيار في تحليلها، الى الدراسة التي أجريت مؤخرا على ظاهرة اعوجاج الظهر، التي أكدت أن العلاج يكلف الدولة 4 مرات ثمن مشروع الخزائن المدرسية الذي يجب العودة إليه هذه السنة، بالنظر الى الظرف الاستثنائي الصعب الذي يزاول فيه التلاميذ تعليمهم ويستوجب اللجوء الى هذه الحلول في انتظار التفاتة مستقبلية من وزارة التربية الوطنية.