اشتكى المغرب، الدولة الصحراوية، مجددا، لمجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، بسبب إجراء الجيش الصحراوي استعراضات ومناورات عسكرية في الأراضي المحرّرة، والتي اعتبرها «استفزازات»، ويمكن فهم هذه «الهستيريا الدبلوماسية» على أنها استشعار للحجم الحقيقي للورطة التي يواجهها.
سارعت المملكة المغربية، لإخطار الهيئة الأممية بقيام جيش التحرير الصحراوي، بأنشطة عسكرية استعراضية بمنطقة تيفاريتي، متهمة جبهة البوليساريو بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
واستغل المغرب في شكاواه، التقرير الأخير لمجلس لأمن الذي دعا إلى عدم ممارسة الأنشطة التي قد تهدّد الأمن والاستقرار في منطقتي تيفاريتي وبئر الحلو، اللتان تقعان ضمن شريط الأراضي الصحراوية المحرّرة ويتواجد بهما الجيش الصحراوي منذ سنة 1975.
الأمم المتحدة وعلى لسان الناطق الرسمي باسم الأمين العام أنطونيو غوتيرس، دعت إلى ممارسة أقسى درجات ضبط النفس محذرة في الوقت ذاته من محاولة المساس بـ»الوضع القائم».
وينبغي التوقف عند هذا «الوضع القائم» وتحديده بدقة، لفهم مغزى تصريح الأمم المتحدة، وأين تقديم قراءة متأنية في فقرة قرار مجلس الأمن الأخير التي حذّرت مما قد يهدّد الأمن والاستقرار بالأرضي المحرّرة.
لقد سقطت بعض الوسائل الإعلامية الدولية، في مزاعم المغرب، عندما قالت إن احتجاجه للأمم المتحدة كان بسبب «المنطقة العازلة»، بينما لا تقع الأراضي الصحراوية المحررة ضمن «مساحة الصمت»، التي نصّ عليها الاتفاق العسكري رقم1.
وكان الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، قد أكد في أفريل الماضي، أن تيفاريتي وبئر الحلو لا تقعان ضمن المنطقة الفاصلة.
والمغرب بافتعاله أزمة الكركرات قبل سنتين، عندما حاول تعبيد طريق على الخط الفاصل بين جيشه والجيش الصحراوي، يكون أول من بادر لتغيير «الوضع القائم»، قبل أن يتراجع عقب تفادي جبهة البوليساريو لاستفزازاته.
ويسعى المغرب بكل ما أوتي من قوة، تغيير الوضع القائم، بمحاولة إدراج بلدتي تيفاريتي وبئر الحلو ضمن نطاق المنطقة العازلة، في تكتيك يريد من خلاله إبعاد مؤسسات الدولة الصحراوية إلى ما وراء حدود أراضيها المحرّرة، وحرمانها من كل المقاومات التي تمنحها أفضلية تاريخية وتفاوضية في حال خضع وجلس لطاولة المفاوضات.
فشلت الدبلوماسية المغربية رفقة فرنسا في تمرير هذا المخطط في قرار مجلس الأمن الأخير، وقبله استعملت لغة تهديد بشنّ حرب على جبهة البوليساريو على لسان أكثر من مسؤول، وظلّت تتأرجح بين الشكوى الدبلوماسية ورفع سقف الاستفزازات بمحاولة فرض واقع جديد والتملص من اتفاقات ثنائية (مع البوليساريو) ومقررات الشرعية الدولية التي تنصّ على حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء.
ماهي الأوراق الجديدة؟
من خلال ما تقوم به الدبلوماسية المغربية، في الأسابيع الأخيرة، أنها تعيش على وقع ضغوط غير مسبوقة، فرضت عليها الاستنفار الدائم لتفادي ورطة المفاوضات «المباشرة وغير المشروطة»، مع جبهة البوليساريو قد المستطاع.
ولم تقدم دبلوماسية بوريطة ما يثير «الإعجاب» لحدّ الآن، وكل ما قامت به، كان اللجوء إلى أدوات قديمة لن تفيده في شيء. فكما اتهمت جبهة البوليساريو في السابق بدعمها جماعات إرهابية نشطة بمنطقة الساحل الإفريقي وتعاملها مع منظمات الاتجار بالمخدرات، ابتدعت هذه المرة قصة تلقي أسلحة من حزب الله اللبناني بإيعاز من إيران، دون أن تقدم دليلا واحدا يثبت الاتهامات السابقة واللاحقة.
وجاء قطع العلاقات مع إيران، لهدف واحد هو استغلال ظرف دولي قصد مغازلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استنادا لمقولة «عدو عدوي صديقي».
وما عدا الاتهامات الباطلة والاستفزازات المتواصلة وتكثيف أنشطة «اللوبيينغ»، لم يقدم المغرب ما يمكنه من النجاة من «المفاوضات المباشرة وغير المشروطة وبنية حسنة» مع جبهة البوليساريو، مثلما نصّ عليها القرار الأممي 2414 ومثلما يعمل عليه بكل همة وحزم المبعوث الشخصي للأمين العام إلى المنطقة هورست كوهلر.
واللافت هذه السنة، أن القضية الصحراوية أخرجت من الدرج ووضعت على الطاولة، وسيتم النظر فيها بجدية كاملة من قبل المجموعة الدولية، والدليل أنها ستطرح مجددا على مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، أي بمعدل مرتين في السنة.
وبغض النظر عن الكلمات الانتقائية في صيغة اللائحة، يبقى أهم ما فيها هو التأكيد على ضرورة استئناف العملية السياسية.
لا يمكن للمغرب التعويل على فرنسا
كشف مجريات المصادقة على اللائحة الأخيرة القاضية بتمديد عهدة بعثة المينورسو في الصحراء الغربية بـ6 أشهر، أن المعركة الدبلوماسية لحل النزاع ليست في متناول المغرب على الأقل بالشكل الذي يراه من يراهنون على الدور الفرنسي داخل مجلس الأمن.
فقد تدخلت روسيا والصين وإثيوبيا بكل قوة معترضة على صيغتين عرضتهما الولايات المتحدة لمشروع القرار، نظرا لاختلالهما وميولهما لصالح المغرب.
وكشفت مصادر دبلوماسية، أن روسيا والصين سمحا بمرور القرار «لأنه يتضمن تقليص مهمة المينورسو، لـ6 أشهر»، وبررت امتناعهما رفقة اثيوبيا عن التصويت بسبب تقديرهم أنه النص «لا يتضمّن انشغالات كافة الأطراف».
وعليه لن تأمل المغرب، في أن تعبث فرنسا في قرارات الشرعية الدولية كما تشاء خدمة لمصالحها وتكريسا لاحتلالها الصحراء الغربية.
رسائل البوليساريو
لقد حملت احتفالات جبهة البوليساريو، بذكرى اندلاع الكفاح المسلح، في الأراضي المحررة، رسالتين قوتين، الأولى «أنها لا تخشى أبدا تهديدات المغرب بشنّ حرب عليها، وردت باستعراضات عسكرية ضخمة حضرتها وصفقت لها وفود أجنبية»، أما الثانية فكانت «استعدادها لجولة مفاوضات جديدة مع المغرب دون شروط مسبقة ووفق محددات سبق وأن كرستها الشرعية الدولية منذ أزيد من عقدين».
ولم يبق أمام المغرب، إلا التحضير للمعركة الدبلوماسية التي هو مجبر عليها عاجلا أم آجلا، لأن الادعاءات وكيل التهم للغير دون تقديم الأدلة لن يفيده في شيء.