تقف جريدة «الشعب» اليوم مع أستاذ العلوم السياسية حسام حمزة،عند مسألة جوهرية يتوقّف عليها نجاح الحرب على الإرهاب، وهي محاربة تمويل التنظيمات الإرهابية.
وفي السياق يقول الاستاذ حمزة، أن موضوع مكافحة تمويل الإرهاب في العالم، يشكل أحد السجالات القديمة المتجدّدة بفعل لجوء عدد من التنظيمات الدموية إلى استخدام آليات أكثر تعقيدا لتسهيل حركية التدفقات المالية التي تغذي استمرار وبقاء الارهابيين، والتي تبقي هذا الملف مفتوحا وفي حاجة إلى مجهودات كبيرة بالتنسيق مع مختلف الدول من أجل كسب المعركة ضد الإرهاب عبر تجفيف منابع تمويله التي أضحت متعدّدة وأكثر تعقيدا ومعتمدة بالأساس على عدة أنشطة للابتزاز، على غرار أموال الفدية التي تدفع لتحرير الرهائن المختطفين، هذه الأخيرة التي نادت الجزائر بتجريمها لأنها تقوّض جهودها وجهود دول المنطقة في القضاء على الإرهاب .
«الشعب»: المال هو عصب الإرهاب، ما هي طرق التمويل والوسائل التي يعتمدها الدمويون؟
الأستاذ حسام حمزة: وفقا للاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999، فإنّ الأموال «تشمل أي نوع من الأموال المادية أوغير المادية، المنقولة أوغير المنقولة التي يُحصل عليها بأيّ وسيلة كانت، والوثائق أوالصكوك القانونية أيّا كان شكلها، بما في ذلك الشكل الإلكتروني أوالرقمي، والتي تدل على ملكية تلك الأموال أو مصلحة فيها، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الإئتمانات المصرفية وشيكات السفر والشيكات المصرفية والحوّالات والأسهم والأوراق المالية والكمبيالات وخطابات الاعتماد»، بيد أنّ هذا التحديد ليس كافيا، لأنّ التنظيمات الإرهابية تلجأ إلى ابتكار وسائل جديدة للتمويل بمجرد أن يضيق عليها الخناق أو يجفّف مصدر تمويلها الأصلي. وفي الوقت الراهن على سبيل المثال، فإنّ تمويل الإرهاب يأتي من التحالفات مع عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، من نشاطات تهريب السلع بمختلف أشكالها، من الاتجار بالسلع المحظورة دوليا (كالمخدّرات بكافّة أنواعها والأسلحة)، من الأتاوات التي تفرض على مستغلّي وعابري بعض المناطق الجبلية والمعزولة التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، ومن التبرّعات التي تقدم من المتعاطفين والمتعاونين، من أموال الفديات التي تدفع لقاء تحرير الرهائن المختطفين، من نشاطات الابتزاز، من أعمال الاستيلاء؛ مثلما حدث مع مخازن السلاح في ليبيا بعد انهيار النظام سنة 2011، من القرصنة البحرية... كل هذه النشاطات يمكن أن تشكل مصادرا للتمويل بالنسبة للجماعات الإرهابية.
ما هي قنوات مرور هذا المال ليصل إلى الجماعات الإرهابية ؟
- تنقسم هذه القنوات في اعتقادي إلى نوعين منها البسيطة والمعقّدة، وتشمل القنوات البسيطة كافّة الطرق المباشرة لمرور الأموال، أي تلك التي يحصل بموجبها الإرهابيون على الأموال بالمفهوم المحدّد مسبقا والسيولة المالية يدا بيد ودون وسائط، وهذا النوع من التمويل قديم وتقليدي، أما القنوات المعقدة، فهي قنوات مبتكرة تمّ اللجوء إليها بعد التضييق الذي لحق بالقنوات البسيطة للتمويل. هنا لجأت التنظيمات الإرهابية إلى ابتكار وسائل جديدة للتمويل يصعب تتبّعها واكتشافها دون تحريات دقيقة ومعقدة.
من ميزات هذا النوع من التمويل أنه يبدو في بداياته مشروعا ويسلك طرقا قانونية؛ عبر البنوك أو الأسواق المالية أو مساعدات إلى جمعيات خيرية وإنسانية، ثم ينتهي في الأخير بين أيدي الجماعات الدموية بتواطؤ من شخصيات رسمية أو مؤسّسات حكومية أو باستخدام أساليب غسيل الأموال، مثلما يحدث في دول غرب إفريقيا والساحل.
هناك من يعتقد بأن جهات في مستوى دول تدعم وتموّل الإرهاب، ما تعليقكم؟
- لا نفشي سرّا إذا أقررنا بتورّط العديد من الدول في تمويل الإرهاب، بما فيها تلك التي تبدو في خطاباتها الدبلوماسية من أشد الناقمين عليه. يجب أن نفهم في هذا السياق أن الجماعات الإرهابية هي «بيادق» في يد كيانات كبرى توظفها بما يخدم أهداف إستراتيجيتها، وقليلة جدا هي تلك التنظيمات التي تعمل باستقلالية عن استراتيجيات الدول.
لهذا، فإنّ بعض الدول لا تتوانى عن تقديم الدعم المباشر أو الضمني للجماعات التي تخدم أهداف استراتيجياتها أو تعمل لصالحها. ويجب أن نشير في هذا السياق أيضا إلى أن التمويل لا يعني حصرا منح أموال إلى جماعات معروفة بنشاطاتها الإرهابية لأن تسهيل مرور الأموال إلى الإرهابيين أو التغاضي عنه يعد بمثابة تمويل أيضا.
بالموازاة مع العمل العسكري، يكثّف العالم جهوده لتجفيف منابع الإرهاب، فما هي الأدوات التي يستعملها؟
يبرز في هذا السياق الصكّ الأمميّ المتعلّق بتمويل الإرهاب لعام 1999 والمعروف بـ»الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب للعام 1999» التي تلزم الأطراف باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ومكافحة تمويل الإرهابيين، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال جماعات تدّعي أنّ أهدافها أهداف خيرية أو اجتماعية أوثقافية أو التي تقوم أيضا بأنشطة غير مشروعة مثل الاتجار بالمخدرات أوتهريب السلاح.
وتنصّ هذه الاتفاقية على آليات تحديد وتجميد ومصادرة الأموال المخصّصة للأنشطة الإرهابية، كما نذكر قرارات مجلس الأمن أرقام 1904 (2009)، 1989 (2011)، 2083 (2012)، وأخيرا القرار 2133 (2014) التي تضمّنت جميعها تدابير تخصّ التجريم القانوني لدفع الفدية للإرهابيين، لكن هذه التدابير لم تحد إلى غاية الآن من التمويل ويبقى تواطؤ بعض الحكومات وفساد بعض المسؤولين عبر العالم عوائق أمام تجفيف منابع تمويل الإرهاب.
الجزائر كانت سباقة لتجريم الفدية
الجزائر كانت سبّاقة لتجريم دفع الفدية التي تعتبر من المصادر الأساسية لتمويل الدمويين، فما قولكم؟
تلحُّ الجزائر في مقاربتها لمكافحة الإرهاب على حتميّة استئصال دوافعه والأسباب التي توّفر له شروط الاستمرار والاستفحال في مقام أوّل، ذلك أنّ التوسّع الهائل لحجم الترويع الذي اكتساه الإرهاب على كافـّة المستويات، لم يكن ليكون لولا وجود ما يغذّيه.
ضمن هذا التصوّر يبرز التمويل كشريان أساسيّ يمدّ الإرهاب بشروط البقاء والاستمرار لاسيما الأموال المتأتّية من الفديات التي أصبحت توفّر مداخيل ضخمةً للإرهابيين.
وبحكم ما وقع في الساحل، أين لا تتوانى الحكومات الأوربية عن دفع الفديات لقاء تحرير الرهائن الذين تختطفهم الجماعات الناشطة هناك، فإنّ الجزائر كانت سبّاقة للمناداة بتجريم هذه الممارسة لأنها تقوّض جهودها وجهود دول المنطقة في القضاء على الإرهاب.
لماذا لا تسير المجموعة الدولية على خطى الجزائر من أجل تجفيف فعلي لأحد المصادر الهامة لدعم الإرهاب في العالم؟
نعود ونذكّر هنا بأنّ ما يهمّ الحكومات، لاسيما الغربية، ليس القضاء على الإرهاب وليس أمن الدول التي تعاني منه، بل ما يهمها هو أمنها وأمن مواطنيها ومصلحتها الوطنية، وإن اقتضت هذه العناصر دفع الفديات للإرهابيين، أو حتى دعمهم بأساليب أخرى، فإن هذه الحكومات لن تتوانى عن فعل ذلك، لهذا، لن تسير وفقا للطرح الجزائري إلا في حال رأته متفقا مع مصلحتها الوطنية. ——