تتميز منطقة الساحل حسب الدكتور رفيق بوبشيش أستاذ جامعي مختص في الدراسات الأمنية والإفريقية بجامعة العقيد الحاج لخضر في باتنة، بغياب الاستقرار نتيجة انتشار الجريمة المنظمة، الإرهاب، تجارة السلاح، الهجرة غير الشرعية، المخدرات، وكذا الفشل «الدولاتي» كالذي يحدث في بعض البلدان.
وقد دفعت هذه التهديدات الجزائر إلى تبني مقاربة قادرة على مواجهتها خاصة معضلة الإرهاب في المنطقة، والتي تعدّ بيئة خصبة لها، في ظلّ توفر جميع ظروف الملائمة للعمل والحركة.
بخصوص هذه المقاربة الأمنية التي انطلقت في 2009، من خلال إنشاء قوة وغرفة عملياتية مشتركة والتي تجلت في اجتماع تمنراست، وكان الهدف من هذه المقاربة حسب ضيف جريدة «الشعب»، تسهيل عمل الجيوش النظامية للدول المشاركة من خلال سياسة ملاحقة الحركات الإرهابية عبر الحدود وضرب معاقلها، بالإضافة إلى ذلك تجفيف منابع الدعم المالى واللوجستيكي التي تمول الجماعات الإرهابية المختلفة في المنطقة، كما تبّنت الدول المشاركة إنشاء قاعدة بيانات تتضمن المعلومات والبيانات عن الجماعات الإرهابية النشطة.
وعن تقييمه كباحث في الشؤون الأمنية للمقاربة الجزائرية لإدارة ملف الإرهاب في منطقة دول ساحل والصحراء فقد جاءت ـ حسبه ـ إضافة إلى الجهود المكرسة للقضاء على الظاهرة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، باعتبار أن الإرهاب أصبح ظاهرة دولية عابرة للحدود، كما أن الجزائر نجحت في القضاء على المنابع المالية للجماعات الإرهابية من خلال استصدار قرار دولي يجرم دفع الفدية لها، الأمر الذي صعب عليها مهمة الحصول على الأموال لتدعيم أنشطتها الإجرامية يضيف بوبشيش.
ولكن على الرغم من ذلك، تبقى الجهود الجزائرية لوحدها غير كافية لإدارة مختلف ملفات المنطقة فلابد من إرادة داخل الدول المعنية لإدارة هذه الملفات، منوّها بأن الجزائر يمكن أن تستخدم مقاربة أخرى تدخل ضمن مفهوم الدبلوماسية الروحية، باعتبار أن الجزائر تتميز بتعدّد الطرق الصوفية وفي مقدمتها الطريقة التيجانية.
يقترح الأستاذ بوبشيش تركيز الجزائر على استرجاع موروثها الثقافي الروحي المتمثل في استقطاب الطرق الصوفية ذات الأصول الجزائرية (التجانية، الرحمانية، العلاوية، السنوسية، فرع القادرية) وغيرها من الفروع والروافد المتولّدة عن الطرق الصوفية النشيطة ذات الانتماء والمرجعية الجزائرية، إلى جانب الأعداد الكبيرة من المرتبطين بها وأتباعها بالقارات الكبرى كأفريقيا، أوروبا، وآسيا والمقدر عددهم بسبعمائة مليون.
وتعتبر الطريقة التيجانية اليوم أولي طريقة صوفية، من حيث تعداد المنتسبين، وكثرة مريديها، وشهرة مشايخها المنتشرين في كل بلاد غرب إفريقيا، ابتداء من موريتانيا والسنغال، مالي، غينيا، كوت ديفوار، بوركينافاسو، النيجر، نيجيريا، توغو وغانا وبنين، ثم انتشرت في اتجاه الشريط السوداني الكبير، تشاد، الكامرون، السودان، ويعود أصلها إلى الشيخ أحمد التجاني الذي ولد ببلدة عين ماضي الواقعة في مدينة الأغواط بالجزائر في السنة 1150 هـ الموافق لسنة 1737م، أي في القرن الثاني عشر الميلادي.
وتعتبر الطريقة التيجانية ـ حسب ـ محدثنا بوبشيش أولى الطرق الصوفية في شمال وغربي إفريقيا، أما من حيث القدم، فالطريقة القادرية أقدم منها، وقد انتشرت قبلها في القرن التاسع عشر وفي الأجزاء الغربية والجنوبية من الجزائر بدأ الشيخ التيجاني ينشر طريقته الصوفية، ويبث أوراده، ويبني زواياه، فكثر مريدوه، وتعاظم شأنهم، واعتبروا حلقة من حلقات الصحوة الإسلامية، لأنه صادف زمن بدايات الاحتلال الأوروبي لبلاد إفريقيا، فكان مريدوه من أشرس المقاومين للاستعمار الفرنسي خصوصا وقد توغل الفرنسيون في زحفهم عند احتلال إفريقيا الغربية، فأوقفوا أساتذة الخلاوي القرآنية المنتمين إلى الطريقة، لانتشار الوعي المنادي للاستعمار في أوساطهم فسجنوا هؤلاء الشيوخ وقتلوا بعضهم، ومثلوا بعضهم.
ويختم الدكتور بوبشيش بأن الجزائر لو «استثمرت» في هذا الموروث الروحي الأصيل، الذي مازال في حاجة إلى تفعيل وحماية بل إلى استرجاع واستقطاب وربط بالهوية الوطنية والعمق التاريخي للموروث الروحي الجزائري، فالأكيد سيتغيّر الكثير لصالحها ويتعاظم تأثيرها بالمنطقة.