مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرَّرة في 29 جويلية القادم، تكثف الحكومة المالية جهودها وتحشد امكانياتها لضمان اجتياز هذا الامتحان بنجاح وللتغلب على التحديات التي تعترضها، سواء تعلّق الأمر بالجانب الأمني وما تشكله المجموعات الارهابية والمسلحة من تهديد، أو الجانب اللوجيستي والمادي، إضافة إلى مطالب المعارضة وشروطها. بعد تأجيلات عدّة، حسمت مالي أمرها، وقرّرت تنظيم الاقتراع الرئاسي في نهاية جويلية القادم.
ولتبديد مخاوف الشعب من احتمال تأجيل الانتخابات مرّة أخرى بسبب الهجمات الارهابية التي تشهدها مدن هذه الدولة المترامية الأطراف، أعلن رئيس وزرائها سوميلوبوباي مايغا، بأن بلاده عازمة على مواجهة كل العراقيل والصعوبات لتكون في الموعد، لأن عدم القدرة على تنظيم الاستحقاقات في المواعيد الدستورية - كما أكّد - هو إقرار بالفشل.
التحديات الأمنية
رغم أن دولة مالي طوت أزمتها السياسية مند سنوات، إلاّ أنها مازات تواجه الكثير من المصاعب الأمنية، وحتى التدخل العسكري الفرنسي تحت لواء عملية سيرفال ثم بارخان، لم يحسم معركة الارهاب بصفة نهائية لصالح باماكو، ومازال الدمويون يشنوّن عمليات وهجومات فتاكة، وينشئون تحالفات تقوّي شوكتهم، آخرها إنشاء كتلة بقيادة أياد آغ غالي (المجموعة التي تبنَّت الاعتداءات الارهابية الأخيرة في بوركينافاسو)؛ واسمها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والتي عزَّزت تواجدها في شمال ووسط البلاد، وتقوم بهجمات متتالية ودامية ضدّ كلٍّ من القوات العسكرية المالية «الفوماس» وفي بعض الأحيان تستهدف القوات الفرنسية «بارخان» والقوات الأممية «مينوسما».
لكن السلطات المالية تدرك جيّدا الخطر الكبير الذي يفرضه الارهابيون على الاقتراع القادم، لهذا تعتزم إسناد المهمة الأمنية إلى المجموعات الموقِّعَة على اتفاق السلام في الجزائر في المناطق الخالية من القوات العسكرية الوطنية في الشمال، وتأمل في الوقت ذاته أن تكون قوات مجموعة «الساحل 5» منتشرة على المناطق الحدودية، جاهزة وقادرة على الحشد؛ حيث يُعتبر التعاون في العملية الانتخابية جزءًا من مهماتها.
هذا، ويُقَدَّر عدد المشاركين في تأمين العملية الانتخابية بحوالي 7000 عسكري وشُرْطي لحفظ أمن وسلامة صناديق الاقتراع.
خطّة أمنية للمنطقة الوسطى
إن إرساء الأمن في وسط البلاد - الأكثر إكتظاظا بالسكان من الشمال، وبالتالي يتطلّب المزيد من مراكز الاقتراع، سيشكل مصدرَ قلقٍ كبيرٍ لهذه الانتخابات، غير أن سومايلوبوباي مايغا وعد مؤخرا، بأن الحكومة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لإرساء الأمن، مشيرًا إلى أن السلطات تعمل على وضع «خطة أمنية» في المناطق الوسطى. ويُتوقع تعزيز الوحدات العسكرية بفضل الدعم المالي المقدَّر بـ 500 مليون فرنك، ونشر محافظي الأقاليم في المناطق التي تنعدم فيها الإدارة.
وفي الوقت نفسه، قامت السلطات بإجراء حوار مع المجتمع المدني، وزعماء القبائل، ورجال الدين في المنطقة الوسطى بهدف التأكد من دعمهم لتهدئة المنطقة التي تهزها -غالبًا - التوترات القبلية.
وعلى الرغم من التهديدات الأمنية المطروحة التي تثير مخاوف المراقبين، فإن بماكو تطمئن بأنه سيكون بمقدور كل مواطن الإدلاء بصوته في التصويت الرئاسي القادم الذي ينقسم إلى جولتين، الأولى في 29جويلية، والثانية في 12 أوت، أي بعد أسبوعين، لينصّب الرئيس الجديد قبل 4 سبتمبر.
الجيش لتأمين الاستحقاقات
تعوّل بماكو كثيرا على الجيش المالي، وعلى دوره في تأمين وإنجاح الاستحقاق المرتقب، فهو يمتلك طائرات ومروحيات يمكن استخدامها في نقل المعدات الانتخابية إلى المنطقة الوسطى، ومراكز الاقتراع النائية، وستكون القوات الأممية حلقة اساسية في توفير الجانب اللوجستي لامتلاكها وسائل متنوعة وقادرة على توزيع الأجهزة، ونقل موظفي الانتخابات.
هذا وبحسب التقديرات الأولية للحكومة المالية، فإن ميزانية تنظيم الانتخابات (الرئاسية، والتشريعية والبلدية) في 2018م تُقدّر بـ 96 مليار فرنك سيفا، وتشمل كل نفقات المؤسسات المشاركة في عملية الانتخابات: وزارة الداخلية، المجلس الانتخابي، المحكمة الدستورية. لا تحصل دولة مالي على دعم مادي مباشر من الخارج لتمويل الانتخابات، لكن بمقدورها الاستفادة من الإعانات السنوية المقدَّمة من الشركاء الدوليين في استكمال الميزانية، حسب مصدر في السلطة التنفيذية.
مسؤولية المعارضة
كما هو مألوف أثناء اقتراب الانتخابات الرئاسية في القارة؛ تثير المعارضة مخاوفها عن مخاطر التزوير وطريقة تجميع النتائج والوسائل الحائلة دون التصويت المتكرّر. ولطمأنتها، أفاد رئيس وزراء مالي، أن الدولة عازمة على مواجهة كل أساليب التزوير،وطلبت من المعارضة، أن يكون لها ممثلون في مراكز الاقتراع بمزيد من المسؤوليات. كما دعت إلى حضور مراقبين دوليين.
دولة مالي تستعدّ لامتحان مصيري الصائفة القادمة، ورغم التحديات التي تواجهها على أكثر من صعيد، هناك إرادة سياسية وشعبية للنجاح في الاقتراع القادم، لمواصلة إقرار السلام ومحاربة الإرهاب ولدفع عجلة التنمية.