لازالت تداعيات الهجوم الثلاثي الذي نفّذته كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا ضد سوريا واختيار أبعاده المرحلية من عمر الأزمة السورية، يثير الكثير من الجدل عن أسبابه وخلفياته الحقيقية، في ظلّ تقاطع المؤشرات على الساحة وتداخل العلاقات الدولية وتشابكها، وما أفرزته نظير هذه الخطوة من تحليلات متضاربة، وهو ما استدعى «الشعب» للبحث عن قراءة جديدة في هذا الحدث مع الباحث المهتم بالشؤون الأمنية والإستراتيجية الاستاذ عمر سعداوي.
«الشعب»: مازلنا في حالة ذهول، ولم نستوعب بعد خلفيات الهجوم العسكري الغربي على سوريا، ما تعليقكم؟
الأستاذ عمر سعداوي: أعتقد أن السبب الحقيقي وراء هذه الضربة الثلاثية ليس كما هو معلن على أنه رد على استخدام مزعوم للسلاح الكيماوي من طرف النظام السوري، بل إن الأمر يتعلّق بإثبات وجود في رقعة الشطرنج السورية من قبل هذه الأطراف، خاصة وأننا في المراحل الأخيرة من انتهاء الأزمة هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن هذه الأطراف الثلاثة مدفوعة برغبة إسرائيلية تسعى إلى إضعاف سوريا أكثر على المدى الطويل.
الضربات التي استهدفت سوريا حدثت ولكنها كانت محدودة على عكس ما كان متوقعا، لماذا برأيك؟
الكثير من المؤشرات كانت تؤكّد على أن الضربة الأمريكية ستكون على شكل عملية جراحية وهذا لسببين، الأول مرتبط بفكر رجل الأعمال الذي يدير به ترامب دفة السياسة، أي من يدفع تكاليف العملية، والسبب الثاني مرتبط بردة فعل الرأي العام المحلي المتخوف من تكرار التجربة العراقية والخسائر البشرية، وهذا بدوره يدفعنا للقول أن هناك تخوفا أبدته الدول المشاركة في هذه الخطوة لأن التدخل لوكان واسع النطاق كان حتما سيؤدي إلى احتكاك مباشر مع الأطراف الداعمة لنظام الأسد.
بعض التحليلات اعتبرت الهجمة التي شنّها ترامب لا تستهدف النظام السوري بقدر ما تستهدف روسيا، فما قولكم؟
أعتقد أن الرئيس الأمريكي يسعى لإثبات نديته لروسيا من خلال تغريداته وحجم هذه العملية وهي رسالة تبرئة ذمة مقدمة للمحققين الأمريكيين في علاقات الرئيس المشبوهة مع روسيا ودورها في الانتخابات، خاصة وأن وزيرة الدفاع الفرنسية ذكرت أنه تمّ إبلاغ روسيا بالعملية، كما ذكرت روسيا أن القوات المشاركة في العملية لم تقترب من المواقع الروسية.
قيل أن الضربة شملت مواقع لتصنيع وتخزين السلاح الكيميائي إلا أنه لم يكن للضربة أي آثار دالة على انفجار هذا السلاح مثلا، فما تعليقكم؟
غياب آثار السلاح الكيماوي في المواقع المستهدفة يرجع لأسباب مختلفة من بينها أنه لم تكن هناك أسلحة كيماوية مطلقا في هذه المواقع، على أساس أن الأطراف الثلاثة تحدثت عن وجود مؤشرات وأدلة على استخدام هذا السلاح من طرف النظام السوري، ولكن لم تقدم الأدلة للجهات الأممية المكلفة بذلك، إلى جانب ذلك فإنه لو افترضنا جدلا أن النظام يحوز على أسلحة كيماوية في هذه المواقع فلا يمكن أن تكون مجمعة في مكان واحد لأنه سيكون من السهل اكتشافها.
إلى متى يبقى الموقف العربي مخذلا أمام قضاياه الجوهرية، خاصة وأن بعض الدول العربية أيّدت علنا ضرب دولة شقيقة؟
السياسات الخارجية للدول العربية ستظل ضعيفة مادامت سياساتها الداخلية كذلك، خاصة تلك الدول التي أيدت الضربة لأنها تسعى لإرضاء الطرف الأمريكي وخوفا من موقف قد تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية في صراعاتها البينية للدول العربية المؤيدة اليوم التي تسارع إلى عقد صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة.
قلّص ماكرون منذ اعتلائه منصب الرئاسة من ميزانية الجيش، ومع ذلك سار وراء قرار ترامب وشارك في عملية قدرت تكلفتها حسب الخبراء بحوالي 20 مليون أورو، ما هي مبرّرات المشاركة الفرنسية؟
الموقف الأوروبي عموما لازال ضعيفا لأن أقطاب أوروبا بقيادة فرنسا لا تزال تنظر إلى أن روسيا تشكّل تهديدا لأمنها وتتخوّف من إحياء تاريخ الصراعات القديمة، خاصة بعد ضمّ روسيا لجزيرة القرم والأزمة في أوكرانيا، لذلك ترى فرنسا أن الحليف الأمريكي لا يمكن التفريط فيه، حتى أن الإعلام الأوروبي أصبح يتوقّع ردة فعل حكوماته من منطلق تغريدات ترامب لأنه يدرك يقينا أن أي تدخل أوروبي لا يمكن أن يكون منفردا.
مشاركة بريطانيا التي تمّت خارج موافقة البرلمان، أليست مرتبطة بمسألة الجاسوس الروسي؟ فعلا بريطانيا استحضرت حادثة محاولة اغتيال للعميل المزدوج سيكريبال في اتخاذ قرار المشاركة، وربما هي المرة الأولى التي يقع فيها احتكاك قريب بين روسيا وبريطانيا بعد الأزمة الدبلوماسية التي حدثت، وهي رسالة سياسية أكثر منها عسكرية توجهها بريطانيا لروسيا، مفادها أن لديها حلفاء يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة الموقف الروسي.
أما عن اتخاذ القرار قبل موافقة البرلمان فإن مرده إلى أن الحكومة البريطانية كانت تدرك أن حجم العملية صغير ولا يمكن أن يؤثر على أداء حكومة تيريزا ماي من جهة، ومن جهة أخرى قد يمكن النظر إليه من زاوية أنه رسالة أخرى تكتيكية لروسيا مفادها أن بريطانيا بإمكانها التحرك حتى قبل موافقة البرلمان لأن الكثير كان يراهن على أن مشاركة بريطانيا مرتبطة بنصّ القرار الذي سيوضع أمام البرلمان.
على ضوء هذه المستجدات، إلى أين تتجّه الأزمة السورية؟
نهاية الأزمة السورية لا يمكن أن تكون إلا سياسية، وهو الأمر الذي لطالما أكدت عليه الجزائر ودعت كثيرا إلى ضرورة العودة إلى الحل السياسي للأزمة السورية، وما لاحظناه خلال مسارعة الأطراف الثلاثة المشاركة في العملية العسكرية إلى الحديث عن ضرورة حل سياسي نهائي هو ما يفسر أن الهدف من الضربة أساسا كان البحث عن التموقع السياسي، فاليوم الخطوط الحمراء التي وضعت في بداية الأزمة السورية تمّ التراجع عليها، وأولها بقاء نظام بشار الأسد من عدمه، لذلك أعتقد أننا في المرحلة الأخيرة من الوصول إلى حلّ سياسي وهو ما يمكن قراءته حتى من خلال المواقف الإقليمية أيضا.