قبل أسابيع قليلة استيقظت نيجيريا على خبر مفرح، حيث تمّ الإفراج عن أكثر من مائة تلميذة، كانت جماعة «بوكوحرام» الإرهابية قد اختطفتهنّ في فيفري الماضي.
ولم تخف حكومة أبوجا بأن عملية الإفراج، جاءت نتيجة مفاوضات مع الجماعة الدموية التي تبثّ الرّعب وتريق دماء الأبرياء في نيجيريا مند سنوات، بل وكشفت أيضا بأنها تجري محادثات معها مند فترة لوقف العمليات القتالية، ليتجلّى بوضوح، أن الرئيس محمّد بخاري بات يراهن على المفاوضات لحل المعضلة الأمنية التي تعيشها نيجيريا مند 2009 والتي خلّفت آلاف الضحايا، ومئات المخطوفين بينهم 270 تلميذة تمّ خطفهنّ من بلدة تشيبوك سنة 2014 ولم يفرج عنهنّ إلى غاية الآن.
خيار المفاوضات قد يعود بالأساس الى عدم تحقيق العمليات العسكرية لأهدافها، حيث واصل الارهابيون تفجيراتهم ومذابحهم، بل وعملوا على مدّ دمويتهم من شمال شرق نيجيريا الى جميع انحاء البلاد، ثم الى الجوار، فضربوا بقوّة في تشاد والنيجر والكاميرون، واشتدّت شوكتهم بعد إعلانهم الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي،وبعد التحاق عناصر «داعش» الفارّة من العراق وسوريا بهم، وتنسيق عملياتهم مع تنظيمان إرهابية في الكثير من المناطق والبلدان خاصة في الساحل.
والى غاية أن تتضّح أبعاد وخبايا خيار التفاوض الذي تبنته حكومة بخاري، لازات نيجيريا وهي أكبر الدول الافريقية من حيث الكثافة السكانية، تعيش وسيف الإرهاب مسلّط علي رقبتها، تفرضه بوكوحرام التي اكتسبت سمعة سيئة لتبنيها حملة طويلة من التفجيرات والقتل الجماعي في جميع أنحاء البلاد مند تأسيسها الذي جاء في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، حيث قام رجل يبلغ من العمر 30 عاماً يُدعى محمد يوسف بتأسيس جماعة وعظ ديني جديدة في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو، الواقعة شمال نيجيريا، وأطلق عليها اسماً عربيّاً هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وباتت هذه الجماعة تُعرف على نطاق واسع باللغة الهوسية باسم «بوكوحرام» بمعنى «التعليم الغربي حرام».
وسرعان ما طغت السياسة على الجماعة التي بدأت كتجمع ديني، وأبرزت عداءها لنظام الرئيس الراحل عمر يارادوا، وفي 31 ديسمبر 2003، اندلعت أعمال عنف في داماتورو عاصمة ولاية يوبي، واستولت جماعة بوكوحرام على عدد من المناطق المتاخمة للنيجر.
وفي الفترة من عام 2004 إلى عام 2006، اندلعت اشتباكات عنيفة في كثير من الأحيان بين ارهابيين من جماعة بوكوحرام وقوات الأمن لمنع سيطرتهم على مجموعة مختلفة من المدارس والمباني العامة، لكن نقطة التحول الحقيقية لجماعة بوكوحرام حدثت في عام 2009، ففي جويلية من ذات العام، اندلعت جولة جديدة من العنف بعد أن هاجمت الجماعة أربع ولايات في شمال نيجيريا هي: بوتشي وبورنوويوبي وكانو، واستمر القتال بين بوكوحرام والقوات الحكومية لمدة خمسة أيام في مايدوغوري (عاصمة ولاية بورنو). وعقد الرئيس عمر يارادوا العزم على القضاء على الحركة، وفي 30 جويلية، نجحت قوات الأمن في طرد بوكوحرام من مايدوغوري، واعتُقل الشيخ يوسف، وحُكم عليه بالإعدام.
خلال العام التالي، أعادت الجماعة تنظيم نفسها، واتصلت بجماعات إرهابية كبرى في إفريقيا، وبخاصة «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الشمال وحركة «الشباب» الصومالية في الشرق، وغادر العديد من قادتها نيجيريا وانضموا إلى صفوف تنظيمات إرهابية ليتدربوا على تكتيكات التمرد واكتساب الخبرة في الإرهاب، وعادوا ليشنوا عمليات إجرامية لا متناهية وليشكلوا تنظيمات أخرى عززت صفوف بوكوحرام.
نيجيريا تراهن اليوم على الحل التفاوضي، وإذا كان الكثير من المراقبين لا يعتقدون بنجاعته، فلأمل يبقى قائما باستعادة نيجيريا لأمنها واستقرارها.