ظاهرة مقيتة نقف على أطوارها في السنوات الاخيرة، واشتدّت حدّتها في المدّة الأخيرة، تتمثل في ملاحقة بعض رؤساء الدول والحكومات بتهمة الفساد والزجّ بهم في السجن.
ظاهرة الفساد التي أصبحت تستشري في العالم كالوباء الفتاك، بقدر ما أصبحت تثير القلق من تنامي لصوص الثروات واستفحال استغال كبار المسؤولين مناصبهم ونفوذهم لملء جيوبهم دون مبالاة بإفقار شعوبهم، فهي من ناحية ثانية تعكس سلوكا تقويميا لابدّ منه، واستفاقة حتمية لمعاقبة من يخون القسَم والعهد الذي قطعه على نفسه بحماية مصالح بلاده وشعبه، ثم يهدرها بالنهب والتبذير والرّشى.
قبل يومين شهدنا رئيس البرازيل الأسبق «لولا دا سيلفيا» الذي غادر السلطة قبل ثماني سنوات بشعبية قياسية، ينتقل بنفسه الى السجن ليمضي هناك 12 سنة بتهمة تلقي شقة فخمة على الشاطئ من شركة بناء لقاء امتيازات في مناقصات عامة.
والامتياز الوحيد الذي حظي به لولا «72 عاما» وهو يتجه إلى مستقرّه الجديد، أن القاضى سيرجيومورو، منحه حقّ تقديم نفسه طواعية إلى الشرطة، ولم يعط الإذن باستخدام الأصفاد أثناء اعتقاله.
وإلى نفس المصير، قادت تهم الفساد واستغلال النفوذ رئيسة كوريا الجنوبية، حيث انتهى بها المطاف في السجن، لكن بعقوبة مضاعفة عن تلك التي صدرت في حقها لولا، إذ قضت المحكمة بسجن بارك غيون هاي بالسجن 24 عاما وألزمتها بدفع غرامة قيمتها نحو17 مليون دولار بعد إدانتها باستخدام نفوذها لإجبار شركات كبرى، مثل عملاق التكنولوجيا سامسونغ وسلسلة التجزئة لوتي، على إبرام صفقات ضخمة ودفع تبرعات لمؤسسات تديرها صديقتها شوي سون سيل.
وتضمنت الاتهامات أيضا إجبار بارك العديد من الشركات على منح هدايا لشوي وابنتها.
إضافة إلى ذلك، أُدينت الرئيسة السابقة لكوريا الجنوبية بتسريب معلومات سرية رئاسية لصديقتها.
وبينما اتضح مصير لولا وهاي، وهما الآن يعيشان أولى أيامهما في وحشة الأسر والاحتجاز، يترقّب رئيس جنوب افريقيا السابق جاكوب زوما كلمة القضاء، حيث مثل يوم الجمعة الماضي أمام المحكمة لمواجهة ستة عشر اتهاما بالكسب غير المشروع تعود إلى ما قبل توليه السلطة.
ويشتبه بأن زوما، الذي ينادي ببراءته، تلقى رشى عندما كان «وزيرًا» في حكومة الإقليم ثم نائبًا للرئيس، من المجموعة الفرنسية تاليس في إطار عقد لشراء أسلحة بقيمة 4 مليارات يوروأبرم في 1999.
ومن قضايا الفساد التي هزّت الرأي العام العالمي قبل أيام، جرّ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، إلى محكمة الاستئناف بتهمة الفساد واستغلال النفوذ على خلفية فضيحة تلقيه أموال من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لتمويل حملته الانتخابية عام 2007،، وتولى بعدها رئاسة فرنسا خلفا للرئيس جاك شيراك، حتى 2012، وقد وجه اتهام رسمي لساركوزي ليحاكم لاحقا.
والى نفس المآل يمضي رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب بنيامين نتنياهو، الذي يتولى رئاسة الوزراء في إسرائيل لرابع فترة، ويخضع لتحقيقين جنائيين، وقدمت الشرطة توصية رسمية إلى القضاء في فيفري الماضي لمحاكمته بتهمة الرشوة وخيانة الأمانة، مع العلم ان زوجته متورطة أيضا.
والرئيسة الوحيدة التي خرجت بأقل الخسائر من هذه الزوبعة، هي رئيسة البرازيل السابقة، ديلما روسيف، التي اتهمت بالفساد دون أن يصل بها الأمر الى السجن، لكنها خسرت منصبها كرئيس.
في الواقع قد لا يتّسع هذا الحيّز لسرد قائمة الرؤساء الذين إنتهى بهم الأمر إما في السجن، أو أمام المحاكم، والظاهرة بالفعل مخيفة، لأنها تعكس استشراء الفساد بشكل مفزع في كلّ ربوع العالم، ما يستدعي إطلاق حرب حقيقية تستهدف لصوص الثروة ومستغلي النفوذ مهما بلغت مناصبهم.