يعتقد المغرب بأن قراره بمنع المظاهرات، ثم اعتماده سياسة القمع والاعتقال، سيرهب المنتفضين ويجهض حراكهم. لكن الحقيقة أن الخيار الأمني الذي تبناه، زاد من إصرار المحتجين على مواصلة مظاهراتهم إلى غاية تلبية مطالبهم المشروعة التي لا تتجاوز الحق في العمل والعيش الكريم. وأكثر من ذلك، يدفع ببعضهم للتلويح بتدويل قضيتهم.
شباب جرادة المنتفض منذ أزيد من ثلاثة أشهر، أعلن بكلّ تحدٍّ وشجاعة، عزمه على تنظيم وقفات ومسيرات بمجموعة من المدن، حتى تبقى جذوة الحراك متقدة. وقد تولت التعبئة لهذا التصعيد هيئات تضم عددًا من الأحزاب والنقابات والجمعيات، رافعة مطلب اعتماد التنمية العادلة والديمقراطية، من أجل تمكين شرائح أوسع من المجتمع من العيش بكرامة، وأيضا إطلاق سراح الموقوفين سواء بجرادة أو مدينة الحسيمة.
هكذا، إذن، وبرغم الحملات الأمنية، لازالت جرادة منتفضة ضد الفقر والبؤس والتهميش، ترفض وعود النظام لأنها لا تطبّق، وتطالب بالملموس وهو بديل اقتصادي يوفّر الشغل وبالتالي الخبز. ليتواصل الحراك الذي تفجّر، أواخر ديسمبر الماضي، إثر مصرع الشقيقين الحسين وجدوان الدعيوي بإحدى «السندريات» - مناجم فحم غير مهيأة للعمل - غرقًا بالمياه الجوفية؛ وهما الضحيتان رقم 41 و42 ممن قضوا أثناء استخراج الفحم خلال الست عشرة سنة الأخيرة.
مصرع الشقيقين، كانت القطرة التي أفاضت الكأس وألهبت الشوارع بالغاضبين المنتفضين الذين استجابوا لنداء الحراك، ونفذوا إضرابًا عامًا يوم 24 ديسمبر 2017، شل نشاط جرادة. واستمرت الاحتجاجات المنظمة تقضّ مضاجع النظام، الى أن قررّ اعتماد القوة والعنف، كما سبق وفعلها مع مواطني الحسيمة، لتحدث المواجهة في 14 مارس الماضي، لما اعتصم عمال الفحم بإحدى آبار الفحم، فتدخلت قوات الشرطة بكلّ عنفها، وأظهرت فيديوهات صورا لاستخدامها الدهس لتفرقة المحتجين؛ مما خلّف عددا من المصابين، بينهم نساء وأطفال، واندلاع مواجهات واعتقال أكثر من 70 ناشطًا.
المنعطف الذي أخذه موقف السلطة المغربية من احتجاجات واعتصامات جرادة واعتمادها المقاربة البوليسية، يؤكد رغبتها في وقف زخم الحركة الاجتماعية، كما فعلت مع حراك الريف، وهي بالإضافة الى الخيار الأمني، تراهن أيضا على إنهاك الحراك واستنزافه، منتظرة تسرّب اليأس للمحتجين دون تلبية مطالبهم، حيث تلتفّ عليها حينا، أو تقدم مقترحات حلول دون ضمانات تنفيذ وتفعيل في أحايين أخرى، ليمرّ الوقت ويسكن اليأس نفوس المحتجين فيوقّفون احتجاجاتهم، وتستعيد السلطة سيطرتها على الوضع.
ما تراهن عليه السلطات المغربية هو إجهاض الحراك الاجتماعي بأي وسيلة، لكن غاب عنها بأن سياسة الإنهاك ثم الالتفاف وصولا للقمع، ستؤدّي إلى نتائج عكسية، حيث ستنبثق حركات جديدة أكثر جماهيرية، مادامت لم تقض على الأسباب الحقيقية للاحتقانات والانتفاضات.
وقد شهدنا كيف انتقل الاحتقان من الريف الى زاكورة وتيزنيت وجرادة وغيرها من المدن، وهو متواصل برغم القمع، ما يؤكد بأنه على المملكة المغربية أن تعيد النظر في استراتيجية تعاملها مع المحتجين، وأن تبادر الى تلبية مطالبهم قبل فوات الأوان وانزلاق الوضع الى ما لا يحمد عقباه.
كرونولوجيا غضب جرادة
- 22 في ديسمبر 2017: في هذا اليوم، اختطف الموت أخوين من سكان المدينة، وهما حسين الدعيوي (30 سنة) وجدوان الدعيوي (23 سنة)، تحت ركام الصخور بعد أن انهارت فوق رأسيهما بئر للفحم الحجري، حينما كانا ينقبان عن كيلوغرامات من الفحم الأسود بحثا عن لقمة العيش، فيما نجا زميلهما من الموت.
- 24 ديسمبر 2017: تظاهر آلاف الأشخاص، عقب وفاة الشقيقين، للتنديد بما اعتبروه تهميشا للمدينة.
- 3 جانفي 2018: حلّ بالمدينة وفد وزاري برئاسة وزير الطاقة والمعادن، عزيز رباح، وعقد اجتماعات مع السكان، ودعا إلى العمل على تجاوز المشاكل الحاصلة بها.
- 4 جانفي 2018: خرجت الحكومة المغربية، في بلاغ رسمي، لتوضح أنها تتفاعل «بشكل إيجابي ومسؤول» مع مطالب سكان جرادة، وتتعهد باتخاذ سلسلة إجراءات تهدف لتهدئة الاحتجاجات.
- 16 جانفي 2018: أعلنت السلطات عن خطة للاستجابة للانتظارات العاجلة لسكان إقليم جرادة، وتشمل مراجعة فاتورتي الماء والكهرباء، وإحداث فرص عمل ومراقبة استغلال مناجم الفحم المتهالكة وتدهور البيئة وتعزيز خدمات الصحة.
- 17 جانفي 2018: عاد سكان جرادة للتظاهر، لعدم ثقتهم بوعود الحكومة وظلوا في حالة من التعبئة.
- 27 جانفي 2018: جرح شخص واحد بانهيار في منجم عشوائي مهجور للرصاص، بجماعة سيدي بوبكر قرب جرادة.
- 1 فيفري 2018: توفي شخص آخر في بئر للفحم، واتهمت وزارة الداخلية بمتابعة أشخاص بعرقلة تدخل السلطات العمومية ومنعها من تقديم المساعدة لشخص في وضعية خطرة.
- 2 فيفري 2018: تظاهر الآلاف في جرادة، احتجاجا على التطورات المتلاحقة بالمدينة، ودعوا إلى الإعلان عن إضراب عام.
- 2 مارس 2018: جرى تسجيل وفاة شاب داخل منجم عشوائي للتنقيب عن معدن الرصاص بمنطقة سيدي بوبكر ضواحي مدينة جرادة.
- 11 مارس 201: أوقفت السلطات المغربية مصطفى دينان، القيادي الشاب في حراك جرادة.
- 13 مارس 2018: أعلنت وزارة الداخلية المغربية منع التظاهر في مدينة جرادة، مبررة القرار بما سمته «استتباب الأمن وضمان السير العادي للحياة العامة وحماية لمصالح المواطنات والمواطنين».
- 14 مارس 2018: لجأت قوات الأمن المغربية للعنف ضد المتظاهرين في مدينة جرادة، وسجلت عدة إصابات وعشرات الاعتقالات.