يبدي المسؤولون السياسيون المغاربة تخوفات لا مثيل لها حاليا، بعدما لاحظوا إرادة المبعوث الأممي هورست كوهلر في المضي قدما باتجاه التوصل إلى الحل العادل الذي أقرّته الشرعية الدولية والقائم على تقرير مصير الشعب الصحراوي... وعدم ترك أي هامش للمناورات والتلاعبات التي اعتاد المغرب اتباعها أو بالأحرى اللجوء إليها كلما شعر بأنّ طرح القيادة الصحراوية الحكيمة والرشيدة الأكثر قناعة وقبولا من قبل الرأي العام العالمي والقوى المحبة للسلم.
أمام هذه الهزائم السياسية المتتالية للمغرب، سارع هذا الأخير إلى تغيير استراتيجيته وهذا بالتخلي عن واجهته الدولية المهزوزة، والتوجه إلى تعزيز الجبهة الداخلية في إطار تحريك مشاعر الناس، بالعزف على وتر طروحات تجاوزها الزمن ولم تعد صالحة اليوم، كونها لا تتمشى مع المنطق المتبع من قبل المجموعة الدولية، العازمة على إيجاد المخرج اللائق والمشرف في هذا الشأن، كما يسمى بـ «الوحدة الترابية» و»الجهوية المتقدمة» و»الحكم الذاتي» وغيرها من المصطلحات غير القادرة على الصمود في وجه المساعي الرامية إلى إيجاد الحل، مهما كان الأمر وحدّة الضغوطات الممارسة لتعطيل هذا المسار.
والتصور السياسي المغربي الحالي تجاه القضية الصحراوية هو بصدد الاضمحلال وحتى الاندثار، كونه غير مبني على حجج مقنعة، يستطيع من خلاله جعل الآخر يتفاعل معه بالسهولة المطلوبة، ليحل محله التصور السياسي الأممي، الراهن بقيادة كوهلر في الشروع الفوري قصد بلوغ المرحلة المرجوة.
وهكذا اقتنع المغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن خلفاءه في الغرب ولوبياته وجماعات الضغط التابعة له أو التي تخدمه، أصبحت غير قادرة على السير في هذا النهج الخاطئ، والذي سبّب لها متاعب لا تعد ولا تحصى، والأكثر من هذا وجدت نفسها معزولة من ناحية عدم إطلاعها على الرأي الآخر... واكتفت بالأحادي الجانب الذي أخلط عليها كل الحسابات وأفقدها اتجاهات البوصلة، مما أدى إلى تحلّيها بشيء من التحفّظ مما يملى عليها، في مقابل حصولها على أموال طائلة مقابل كسب «مواقف» ظرفية ستتغير آجلا أم عاجلا، عندما تكتشف حقيقة نضال الشعب الصحراوي من أجل استعادة سيادته الوطنية.
وزاد موقف الاتحاد الأوروبي القاضي ببطلان اتفاقية الصيد في انهيار المغرب وإصابته بنوبة اعتاد عليها، ألا وهي التمويه على هذا القرار ومحاولة التقليل من تداعياته وأثاره على القضية الصحراوية في أبعادها السياسية، وهذا عندما أكد المسؤولون الأوروبيون الكبار أن الصحراء الغربية يعد إقليما محتلا ولا يمكن التعامل مع «القوة المحتلة».
في نفس الإطار، فإن الصحراويين، وهذا بفضل رجاحة عقلهم وتبصّرهم، أقنعوا المنظومة الأممية المكلفة بملف الصحراء الغربية، بأن حلقة حقوق الإنسان تبقى مفقودة إلى غاية يومنا هذا، وما على هؤلاء إلا الإسراع بإدماج هذا العنصر في مهام المينورسو.
حاليا، المغرب لا يتحكم في هذه التطورات السياسية المذكورة التي فلتت من يديه جملة وتفصيلا. وقد وقف على توقيع الرئيس إبراهيم غالي شخصيا على مذكرة اتفاقية التبادل الحر الإفريقية بالعاصمة الرواندية كيغالي ومشاركته في كل المحافل القارية الكبرى.
وانطلاقا من هذه الحقائق البارزة والفارضة لنفسها، فإن توجهه اليوم إلى ما يسميه بـ «الجبهة الداخلية».
وهكذا التقى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مع مجموعة من الأحزاب الممثلة في البرلمان، كانت بمثابة محاولة يائسة لاجترار خطاب تجاوزه الزمن وأكل عليه الدهر وشرب، والقائم على تحميل الهزائم السياسية، على الصعيد الدولي، إلى من أسماهم بـ «أعداء الوحدة الترابية».
وفي نفس الوقت، معترفا بالتراجع الكبير للتفاعل داخليا مع الطروحات المعهودة، كون المغرب يشهد احتجاجات غير مسبوقة في جرادة وغيرها، احتجاجا على انسداد الحياة الاجتماعية وتدهور القدرة الشرائية وتفشي ظاهرة البطالة بشكل رهيب.
لذلك، فإن المغاربة غير معنيين أبدا بما يقوله العثماني حول القضية الصحراوية، لأن ذلك ليس من أولوياتهم. وما صدر عنه يتناقض تماما مع الواقع، في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة لإنهاء هذا النزاع الذي تجاوز ٤٠ سنة، بالطرق السياسية التى أقرتها المجموعة الدولية.
وبالتوازي، فإن وزيره للخارجية والتعاون الدولي بوريطة، فقد أراد إيهام البعض، بأن المبادرة السياسية في أيدي المغاربة وهذا غير صحيح بتاتا ومجرد دعاية للتأثير على الناس للاعتقاد بذلك، وقد اختلطلت عليه الأمور إلى درجة عدم قدرته على التفريق بين الجزائر وجبهة البوليزاريو؛ تارة يتكلم عن الصحراويين وتارة أخرى عن الجزائر بمنطق غريب وعجيب في آنٍ واحد.
ونسي بأن المغرب قوة محتلة لا يحق لها التحدث عن الصحراء الغربية على أنها حق مكتسب، ليس الأمر هكذا.
هذه مغالطة يجب أن نحذر منها... أو يدّعي بأن الصحراويين يريدون تغيير الوضع القانوني لمنطقة الكركرات، من حق الصحراويين إدارة تلك الجهة كما يحلو لهم، لأنها جزء من أرضهم المحتلة وهم أولى بالتصرف في شؤونها ولا ينتظرون أحدا لتقديم لهم النصيحة في هذا الشأن.
والمفارقة في كل هذا، هو هذا التحويل للأنظار للخطاب الجديد للمغاربة، الذي يريد إقحام الجزائر ضمن السيناريو وهي في حقيقة «دقة قديمة»، في كل مرة يجد هذا البلد نفسه محاصرا يتعلق بها بحث عن مخرج، وهو يدرك أن النزاع قائم مع جبهة البوليزاريو الممثل الدائم والوحيد للشعب الصحراوي، تفاوض معها في عديد المحطات «منهاست» وغيرها، فلماذا يعود إلى الجزائر؟
هذه المناورات كشف عنها ممثلهم لدى الأمم المتحدة عمر هلال، عندما طالب بمفاوضات مباشرة مع الجزائر مؤخرا، في محاولة لتمييع مسار نجاحات القضية الصحراوية دبلوماسيا وإخفاء الحضور الصحراوي دوليا، لأن كل ما يجري هو تشويش على جهود المبعوث الأممي كوهلر، الذي سيعود إلى المنطقة، قريبا، وإدخال الشك في مساعيه.