من بين التحديات الخطيرة التي تواجهها ليبيا لتجاوز الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبّط فيها مند أزيد من سبع سنوات، هو إعادة توحيد المؤسسة العسكرية على أسس مهنية واحترافية خالصة بما يجعلها قادرة على الاضطلاع بدورها كضامن لوحدة الدولة المدنية في ليبيا وسيادتها على كامل ترابها الوطنى، وحماية مقدراتها وثرواتها باعتبارها ملكاً خالصاً لأبناء الشعب الليبى، وأيضا بما يعزّز الجهود الرامية للتخلّص من خطر العناصر الأرهابية وفرض الأمن والاستقرار.
وسعيا منها للملمة قوات الجيش في شرق وغرب ليبيا تحت مظلّة مؤسسة عسكرية واحدة، بادرت مصر قبل سنة إلى عقد سلسلة من الاجتماعات بلغ عددها إلى غاية الآن ستة، لكن وإن كانت هذه الاجتماعات قد أخفقت إلى حدّ الآن في توحيد الجيش تحت سلطة واحدة، فإنّها استطاعت بالمقابل أن تذيب الجليد بين الفرقاء وتجمعهم حول كلمة واحدة وهي الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا وصيانة أمنها والدفاع عنها أمام أي خطر.
نتيجة مُشجّعة
صحيح أن الجولة السادسة من اجتماعات توحيد الجيش الليبي اختتمت نهاية الأسبوع الماضي دون تحقيق النتيجة المرجوة لكن، القول بأن اللقاء فشل، أمر يجانب الصواب، فرغم استمرار الخلاف حول المناصب، خاصة منصب قائد المؤسسة العسكرية، حيث يتمسّك كل طرف بأحقيته في إدارة الجيش، إذ يرفض قادة البنيان المرصوص التابع لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا القبول بالجنرال خليفة حفتر قائدا للجيش، فقد أكد العسكريون الليبيون المجتمعون فى القاهرة، على الثوابت الوطنية الراسخة للجيش الليبى، التى تمّ الاتفاق عليها خلال الجولات السابقة، وعلى رأسها الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا، ومدنية الدولة، وضرورة الابتعاد بالمؤسسة العسكرية عن الاستقطابات السياسية التى من شأنها التأثير بالسلب على الأداء الاحترافى والدور الوطنى للجيش الليبى.
وشدّد العسكريون الليبيون، فى البيان الختامي الذي صدر عقب الاجتماع السادس الذى جرى على مستوى رؤساء الأركان بالقاهرة، على ضرورة المضي في مشروع توحيد الجيش الليبي، بما يجعله قادراً على التعاطي بشكل إيجابي وفاعل مع التحديات التي تواجهها الدولة الليبية حالياً ومستقبلاً، في ضوء المخاطر المحدّقة بها، سواء ما يتعلّق بخطر الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية أو الجريمة المنظمة، أو غيرها من التهديدات التي من شأنها تهديد استقرار ليبيا.
واتفق العسكريون الليبيون، على مواصلة الاجتماعات في القاهرة خلال الفترة القليلة المقبلة، بغية استكمال اللجان الفنية الأربع - التي تشكّلت خلال الجولات الست السابقة - لعملها فيما يتعلق بآليات التنفيذ، والتطبيق الفعلي للمشروع الوطنى لتوحيد الجيش الليبى، بما يتلاءم مع مهامه المنوط بها، وكذلك لتلبية متطلبات واحتياجات الدولة الليبية، والتغلب على التحديات التي تواجهها على صعيد مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأكد العسكريون الليبيون كذلك على أن مسار توحيد المؤسسة العسكرية، من شأنه أن يكون بمثابة النواة الصلبة لدفع المسار السياسي إلى الأمام خلال هذه المرحلة الحرجة والدقيقة من تاريخ الوطن الذى يشهد أخطاراً جسيمة تهدّد سلامته في ظلّ الصعوبات التي تعتري تحقيق استقرار الدولة الليبية، بما يستجيب لتطلعات وطموحات الشعب الليبي العظيم.
تحذير من عودة «داعش»
رحبّت الولايات المتحدة الزمريكية باجتماعات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وقالت «أنه في الوقت الذي تعمل فيه الأمم المتحدة على تعزيز المصالحة السياسية، يظلّ من الأهمية بمكان أن تحقّق ليبيا مؤسسات أمنية أكثر فعالية وشمولية وخاضعة للمساءلة وقادرة على دحر الإرهاب وتأمين الحدود».
ورحبّت باجتماعات القاهرة التي قالت أنها تهدف إلى دعم الجهود الليبية لتوحيد وتقوية القوات المسلحة تحت إشراف سلطة مدنية، كما حذّرت من أن المماطلة في توحيد المؤسسة العسكرية يعزّز مخاطر عودة «داعش» ليتمدّد في البلاد.
والواقع أن المؤسسة العسكرية الموحدة القوية هي الضامن لأمن واستقرار أي دولة، ولا يمكن لليبيا أن تتجاوز أزمتها السياسية والأمنية دون أن تتجاوز عقبة توحيد الجيش، وتحقيق هذا المبتغى يتطلّب تنازلات من الفرقاء وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات والطموحات الشخصية.
ويبقى في الأخير التأكيد بأن توحيد المؤسسة العسكرية، هو الأساس لدفع المسار السياسى إلى الأمام وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية نزيهة فى ليبيا خلال هذا العام 2018، وإلى تأمين تلك الانتخابات وضمان قبول وتنفيذ نتائجها، وهذا هو الأساس لقيام الدولة الليبية الناجحة والمزدهرة، التي يطمح إليها الليبيون جميعا، ومعلوم أن أي رئيس منتخب لليبيا سيحتاج إلى جيش موحد وقوى لصيانة استقلال ووحدة وسيادة ليبيا.