يعقد قادة الدول الافريقية 55 اليوم بالعاصمة الرواندية كيغالي قمة استثنائية تشهد ميلاد منطقة التجارة الحرة القارية، وهو المشروع الذي ظلّ حبيس التأجيل مند أربعة عقود كاملة.
الموعد إذن تاريخي، فإطلاق منطقة التجارة الحرة بالقارة الافريقية يمثل تقدمًا كبيرًا من أجل التكامل والوحدة الأفريقية، وسيجعل من هذه المنطقة لتجمع الجمركي الأكبر في العالم، والذي لم يسبق له مثيل منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية.
وانطلاقا من وعيه بتحديات خلق هذا الفضاء الاقتصادي، حرص الرئيس الرواندي بول كاغامي الرئيس الجديد للاتحاد الافريقي على تذكير رؤساء دول وحكومات افريقيا، في رسالة الدعوة التي وجّهها لحضور هذه القمة، أن منطقة التبادل الحر القارية تشكل ميثاقا تاريخيا يمثل ترسيخه تقدما رئيسيا بالنسبة للاندماج والوحدة الإفريقية.
ومن جهته، يرى موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، أنّ منظمة التجارة الحرة الإفريقية ستجعل من القارة السّمراء إحدى أكبر الاقتصادات بالعالم؛ معبّرا عن اعتقاده الرّاسخ بأن هذا المشروع سيعزّز من موقع إفريقيا في التجارة العالمية، حيث ستجعلها أحد أضخم الاقتصادات في العالم، ويعزّز قدرتها على التفاعل على قدم المساواة مع غيرها من الكتل الاقتصادية الدولية.
أفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية
تعتبر اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية أحد المشروعات الرائدة في أجندة 2063، وهي الرؤية طويلة المدى للاتحاد الأفريقي الهادفة إلى تحقيق أفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية.
وتملك منطقة التجارة الحرة هذه، القدرة على تحويل ثروات ملايين الافارقة من خلال تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الأفريقية، وهي تعني حسب وصف رئيس كينيا اوهورو كينياتا «وضع حد للفقر، والازدهار للقارة، كما تعني فرص عمل للشباب الذين يناضلون اليوم ويهربون من افريقيا، تعني السلام والأمن لأنّنا أشركنا شعوبنا بصورة مربحة، تعني أن تكون إفريقيا قادرة على الاعتماد على الذات، تعني اجتماع الاتحاد الإفريقي لمناقشة ما يجب فعله بازدهارنا، وليس ما يجب فعله مع المشكلات التي نعاني منها».
و - حسب الاحصائيات - تتاجر أفريقيا فيما بينها حاليا بصورة أقل بكثير مما تفعله مع بقية العالم، حيث تبلغ التجارة البينية الافريقية 16 ٪ تقريباً، مقارنة بـ 19 ٪ من التجارة البينية الإقليمية في أمريكا اللاتينية، و51 ٪ في آسيا، و54 ٪ في أمريكا الشمالية، و70 ٪ في أوروبا. وتشير تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية لديها القدرة على تعزيز التجارة البينية الافريقية بنسبة 53 ٪، من خلال إلغاء رسوم الاستيراد والحواجز غير الجمركية، ويمكن أن تخلق سوقاً أفريقية لأكثر من ٢ . ١ مليار شخص بناتج محلي إجمالي يصل إلى ٥ . ٢ تريليون دولار.
إشراك القطاع الخاص
توسع قمة كيغالي اليوم أشغالها لمشاركة أرباب المقاولات الإفريقية جنبا إلى جنب مع قادة القارة من أجل تبادل وجهات النظر حول التغيرات الاقتصادية بالقارة عبر بوابة التجارة.
وسيشكّل هذا اليوم الخاص، الذي سمي بـ «قمّة الأعمال»، مناسبة للتطرق لقضية التحرير التدريجي للتبادلات التجارية بإفريقيا خلال السنوات القادمة، والفرص التي تتيحها للفاعلين الاقتصاديين بالقارة فيما يتعلق بالتعاون، ويعني تحرير التجارة بصورة تدريجية في افريقيا خلال الاعوام المقبلة توفير فرص جديدة للشركات الأفريقية للتنافس والتعاون عبر الحدود وبناء القارات.
ومع ذلك، فإنّ نجاح اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية سيعتمد على توثيق التعاون بين واضعي السياسات والقطاع الخاص، فإشراك القطاع الخاص بهذا المشروع ليس اعتباطيا، فإسهاماته تعد أساسية بل حاسمة، لأن نجاح منطقة التبادل الحر الإفريقية المرتقبة رهين بالتعاون الوثيق بين صناع القرار السياسيين والفاعلين الاقتصاديين.
وبالمناسبة، فقد تطرّق لهذا الموضوع الرئيس كاغامي حين قال: «نحن في حاجة للدّعم الفعّال من جانب القطاع الخاص؛ فبدونكم ينقصنا شيء أساسي».
افريقيا تصنع التاريخ اليوم، إذ يحضر في كيغالي، رؤساء افريقيا،
وإلى جانبهم عمالقة الصناعة حيث تلقى خطابات ومناقشات على غرار منتدى دافوس، وعروض ومراسم احتفالية قبل إطلاق اتفاقية منطقة التجارة الحرة الافريقية القارية.
ويوفّر هذا الحدث المنصة النهائية لصانعي السياسات والقطاع الخاص، ومجموعات أصحاب المصلحة الآخرين لرسم مسار اتفاقية منطقة التجارة الحرة الافريقية القارية من أجل ازدهار أفريقيا.
وتتوّج القمّة الاستثنائية بالتوقيع الرسمي على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الافريقية التي ستطلق السوق المشتركة للقارة السّمراء، أكبر سوق من نوعها في العالم، وأهم خطوة للاندماج والوحدة الافريقية.