تحسين المستوى التعليمي للقضاء على الأمية والجهل المسببين للإرهاب
يبقى ضعف التنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أحد الأسباب الرئيسية لظهور العنف بصفة عامة والإرهاب بصفة خاصة، هذا ما أكده الدكتور فاتح النور رحموني الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة المسيلة في حوار لـ»الشعب»، موضحا أن الوضع في الدول الإفريقية يستدعي الاستفادة من المقاربة التنموية عبر وضع سياسيات تنموية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمجابهة المدّ الإرهابي في هذه المناطق التي تعاني كثيرا من نقص التنمية.
«الشعب»: يجمع الخبراء والمحللون على أن الأسباب المؤدية إلى انتشار الظاهرة الإرهابية يرتبط في معظمها بالتنمية، فكيف تتوضّح العلاقة بين الإرهاب والتنمية في رأيكم؟
فاتح النور رحموني: إن ضعف التنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يعتبر سببا أساسيا في ظهور العنف بصفة عامة والإرهاب بصفة خاصة باعتباره أحد أشد وأخطر صور العنف المجتمعي، فهي بيئة مواتية وحاضنة للنشاط الإرهابي، فضعف التنمية الاقتصادية ينتج العديد من المشاكل الاقتصادية المرتبطة بحياة الشباب وقد تكون البطالة والفقر من أبرزها، وهذه الظروف الاقتصادية الناتجة عن ضعف التنمية الاقتصادية تجعل الشباب المتحمس والمندفع في أتمّ الجاهزية للاستغلال والتوجيه في العمل الإرهابي، كما أن ضعف التنمية الاجتماعية خاصة مشاكل السكن وتراجع المستوى التعليمي والثقافي، من أهم أسباب التطرف والتعصب الديني المؤدي إلى الإرهاب، ويعتبر ضعف التنمية السياسية بدوره أيضا عاملا مهما في ظهور الإرهاب، حيث أن مشاكل، مثل قمع الحريات السياسية والاضطهاد السياسي وتسلط النظام السياسي كلها عوامل تساهم في غلق سبل الحوار بين هرم السلطة والقاعدة المجتمعية وإمكانية احتوائها للمشاكل المجتمعية، وهي في النهاية تخلق بيئة خصبة لظهور وانتشار الإرهاب.
الإرهاب أيضا عدو للتنمية، فالأعمال الإرهابية تعيق مسار التنمية وتخرّب المنجزات التنموية، وقد تكون تجربة الجزائر إبان العشرية السوداء خير دليل على ذلك، فما تعليقكم؟
بالفعل الإرهاب والتنمية لا يجتمعان في بلد واحد، أينما يحل الإرهاب يخرب التنمية ويوقف مسارها، ويخلق الاضطراب والتفكك في المجتمع، ويؤثر بشكل ملموس في استقرار النظام السياسي وقدرته على تفعيل السياسات التنموية، وتجربة الجزائر خلال عشرية التسعينات خير دليل على ذلك، حيث أن الخسائر الاقتصادية كانت كبيرة فقد تضررت المنشآت التحتية ومؤسسات الدولة من التفجيرات الإرهابية، وتضررت الخزينة العمومية من ارتفاع فاتورة حمايتها وإعادة بنائها، كما أن الخسائر الاجتماعية كانت بالغة التعقيد والخطورة (الضحايا، المهجرين من الأرياف، المفقودين.. إلخ).
القضاء على المدّ الإرهابي في إفريقيا يتطلّب تطبيق استراتيجيات القوة الناعمة
من الملاحظ أن الظاهرة الإرهابية اتسعت في إفريقيا خاصة، وتبذل الدول جهودا أمنية في حلها لكنها تبقى غير كافية، في ظلّ استمرار المحفز الاقتصادي للإرهاب من فقر وحرمان وبطالة وأزمات التنمية؟
نعم شهدت العشرية الأخيرة ارتفاعا واضحا في عدد التنظيمات الإرهابية في إفريقيا وفي ارتفاع مستوى نشاطها وتأثيرها على أمن الدول الإفريقية، خاصة في منطقة الساحل (جهة الغرب)، ويعود ذلك بالأساس إلى مجموعة من العوامل أهمها، انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط (تنظيم القاعدة في بلاد العراق والشام)، حيث أن معظم التنظيمات الإرهابية في شمال إفريقيا أعلنت ولاءها لهذا التنظيم المدعوم من بعض القوى الدولية لتنفيذ أجندات معينة، هذا بالإضافة إلى انهيار بعض الأنظمة في شمال إفريقيا في إطار ما عرف بثورات الربيع العربي (خاصة ليبيا) وما أنتجه ذلك من انتشار للأسلحة وخلق ظروف مناسبة لنشاط هذه التنظيمات، هذا بالإضافة إلى ضعف القدرات الأمنية والتنموية لمواجهة مثل هذه التنظيمات الإرهابية أو خلق بيئة تنموية لاحتواء مستوى انتشارها، فرغم جهود الدول الإفريقية الانفرادية أو الجماعية فهي تبقى غير كافية.
إذ أن ما تقدمه الدول الإفريقية من جهود كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة تظل غير كافية وغير متوائمة وغير مجدية مع طبيعة الظاهرة وذلك نظرا للقدرات العسكرية المحدودة للعديد من الدول الإفريقية مقارنة بما تمتلكه التنظيمات الإرهابية من أسلحة جد متطورة، كما أن اتساع المساحة وعوامل أخرى مثل تحالف التنظيمات الإرهابية مع جماعات تجارة الأسلحة والمخدرات وغيرها، كلها عوامل أعطت قوة لهذه التنظيمات على حساب الجيوش النظامية للدول الإفريقية الفقيرة، كما لا يمكن إغفال هشاشة الوضع الأمني في ليبيا فقد منح لهذه الجماعات تحالفات جديدة ومساحات نشاط وتحرك أكثر أمناً.
كيف يمكن الاستفادة من المقاربة التنموية للحد من المد الإرهابي في إفريقيا برأيكم؟
إن مواجهة الدول الإفريقية لهذه الظاهرة عموما يرتكز أساسا على توظيف القوة العسكرية فقط وهو ما يعبّر عن التعامل معها بمنطق القوة الصلبة، في حين أن القضاء على الظاهرة الإرهابية يتطلّب وسائل متعددة إلى جانب العامل العسكري والتي تعرف بالقوة الناعمة، وهي التنمية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى في الحوار والدبلوماسية، لأن الأسباب الرئيسية لظهور الإرهاب هي اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومنه فالقضاء عليها أيضا يجب أن يقوم على سياسات وقائية وليست علاجية فقط وهي التنمية الشاملة والمستديمة في تلك المجالات.
لذلك، فإنه لا يمكن أن نتوقع تراجع النشاط الإرهابي في إفريقيا على المدى القريب في ظل استمرار نفس الأوضاع الاقتصادية والتنموية عموما، لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة في الدول الإفريقية تشجّع على اتساع رقعة الإرهاب وليس تراجعه، فمشاكل مثل الفقر والبطالة والأمية والندرة وسوء توزيع الثروة والصراع الاجتماعي والفساد السياسي والاضطهاد، كلها عوامل تخلق بيئة مواتية للعنف والتطرف والتعصب والإرهاب، ومنه فإن القضاء على الإرهاب في إفريقيا يتطلّب الإسراع في إحداث سياسيات تنموية شاملة وذلك باعتماد مقاربة تنموية تسمح بتغيير واقع حياة الأفراد والمجتمعات نحو الأحسن في كل مجالات الحياة للقضاء على مشكلة الإرهاب من جذورها، فمشكلة الإرهاب تحتاج مقاربة تنموية وقائية، وليس سياسات علاجية ردعية تعتمد على الوسائل العسكرية، فحسب.
وذلك، لن يكون إلا من خلال وضع سياسات تنموية في المجال الاقتصادي لتوفير مناصب العمل للقضاء على البطالة وتوفير الغذاء والخدمات للقضاء على الفقر والندرة التي تعدّ جميعها أحد أهم مسببات ظاهرة الإرهاب، بالإضافة إلى تحديد سياسات تنموية في المجال الاجتماعي لتحسين المستوى التعليمي للقضاء على الأمية والجهل المسببين للإرهاب أيضا، وتحقيقا للعدالة والمساواة الاجتماعية للقضاء على العنف والصراع المجتمعي المسببين للإرهاب، وسياسات تنموية في المجال السياسي لفتح فضاء الممارسة والمشاركة السياسية وحرية التعبير والإعلام وإعطاء الحريات والحقوق السياسية والمدنية عموما للقضاء على الاحتكار والتسلّط والاضطهاد المسببين للإرهاب.
ما هي المشاريع المتعلّقة بالجهود الدولية الأممية والأوروبية في تنمية إفريقيا كخيار استراتيجي للحدّ من الظاهرة الإرهابية، وهل هناك إرادة فعلية للنهوض التنموي بأفريقيا؟
معظم المساعدات الأممية والأوروبية لتنمية إفريقيا هي عبارة عن مساعدات مالية أو اقتصادية أو ثقافية محدودة جداً، لا ترقى في النهاية إلى مستوى المساعدات التي قد تغير بالفعل من حقيقة الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المعقد في إفريقيا، كما لا يمكن تجاهل النوايا الخفية لبعض الدول الإفريقية ورغبتها في الحفاظ على بعض الأنظمة التي تخدم مصالحها واستثماراتها، وهذا ما يعتبر سببا أساسيا في تقويض الجهود التنموية.
من جهتها بعض الأنظمة السياسية الإفريقية تحتكر الممارسة السياسية ويحكمها منطق السيطرة على الحكم بالسلاح عن طريق الانقلابات العسكرية وتزوير الانتخابات، فهذه الدول تحكمها نخب تفتقد لأي إرادة سياسية لإحداث التنمية في بلدانها، لأن التنمية في النهاية لا تتوافق مع مصالحها الشخصية الضيقة، كما أن مصالحها تتوافق مع خدمة الأجندات الأجنبية للدول الأوروبية على حساب شعوبها التواقة إلى التنمية.