اتّخذت القمّة 30 للاتحاد الإفريقي المنعقدة بأديس أبابا عاصمة إثيوبيا، من «مكافحة الفساد» شعارا لها، ووضعت ملفات جادّة على طاولة النّقاش خاصة ما تعلّق بالاستقلالية المالية والاندماج التجاري وإصلاح المنظّمة.
أخرج الاتحاد الإفريقي ملف الفساد إلى الواجهة، بعدما ارتبط لعقود طويلة بالشّؤون الداخلية لدول معيّنة، ولعل إبرازها بهذه الطّريقة وفي هذا التّوقيت يعود إلى الرّغبة الملحّة في تجميع الطّاقات المالية الإفريقية لأداء المهام المشتركة، ولن يتأتّى ذلك في حالة ما استمرّ تسرّب المليارات من الدولارات في الجيوب المظلمة داخل كل دولة.
لقد اختارت القمّة 30 للهيئة القارية شعار «الانتصار في معركة مكافحة الفساد نهج مستدام نحو تحوّل إفريقيا»، في سياق حديث أغلب الأعضاء عن العجز الذي يضرب أركان المنظمة بسبب عدم الاستقلالية المالية والتبعية للدول المانحة، وضعف تحقيق الاندماج الاقتصادي وتنفيذ الاستراتيجية التنموية لسنة 2063.
وكشفت مصادر رسمية من الاتحاد الإفريقي، أنّ 50 مليار دولار تبدّد سنويا في إفريقيا جرّاء الفساد، وأعلن رئيس المفوضية الإفريقي موسى فكي، أنّ الهيئة القارية بحاجة إلى 30 مليار دولار لتمويل ميزانيتها، ما يكشف بوضوح حجم الاختلال في مساعي تقوية الجهود الإفريقية المشتركة من الناحية المادية.
بالعودة إلى النزاعات الداخلية التي عرفتها ولازالت معظم الدول الإفريقي، يظهر أنّ فتيل الأزمة غالبا ما اتقد من شعور جماعات وطنية معيّنة بالظلم، وعدم التزام السلطة المركزية بالتوزيع العادل للثروات.
وتجد الحكومات نفسها أمام صعوبات جمّة في مواجهة حركات التمرد أوالعنف، بسبب عجزها عن أداء المهام المنوطة بها بسبب ترهل وضعف المؤسسات الرسمية جراء الفساد.
وتعتبر نيجيريا، هذه الدول القوية قاريا والغنية بالنفط مثال حي على ذلك، حيث يعتبر سكان الشمال أنّ نصيبهم من الموارد النفطية ضئيل جدا، ومن تلك الأقاليم نشأت جماعة بوكو حرام الإرهابية، ولم يستطع الجيش النيجيري مكافحتها بشكل فاعل بسبب الفساد الذي عطل مهام المؤسسة العسكرية.
وخاض الرئيس الحالي محمد بوخاري، منذ انتخابه، حربين، حرب على الإرهاب وحرب على الفساد، واستعاد من الأخيرة حوالي 7 مليار دولار، ووصل به الأمر إلى مطالبة الفاسدين بإعادة الأموال التي نهبوها مقابل العفو عنهم أمام القضاء.
يؤدّي الفساد إلى هشاشة الدول وضعف مناعتها أمام الأزمات الداخلية أوالإقليمية، ومع تزايد أعداد البلدان التي تنخرها الظاهرة فإن فعالية الاتحاد الإفريقي تتأثر بشكل مباشر.
الاستقلالية المالية
وطرحت سنة 2016 بإلحاح مسألة تمويل ميزانية الاتحاد الإفريقي، بعدما ظلّت لسنوات في خانة المسكوت عنها، وكشفت أرقام مخيبة للقارة السّمراء، حيث تساهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول المانحة بنسبة 80 بالمائة من ميزانية الهيئة القارية.
وتعمل الدول الإفريقية على رفعها من خلال تطبيق خطّة اقتطاع رسم قيمته ٢ . ٠ بالمائة من فاتورة استيراد كل دولة، لتحصيل أكبر قدر ممكن من الموارد المالية التي تسمح للاتحاد بالتنفس وكسب ثقة أكبر بالنفس من حيث صياغة القرارات واتخاذها.
وقد حال الفساد المستشري في بعض الدول وارتفاع فاتورة الاستيراد لدى الأخرى، دون الإسراع في تطبيق الخطة التي يفترض أن تدخل حيز التنفيذ بدءاً من الفاتح جانفي 2018، بسبب عجزها عن الالتزام أمام الهيئة القارية.
وإذا ما استطاع الاتحاد الإفريقي تنفيذ استراتيجية رفع التمويل الذاتي وإيجاد آليات تقليص الفساد، فإنّه حتما سيجد الطّريق لمعالجة مختلف الرّهانات بالاعتماد على قدراته الخاصة بدل اللجوء في كل مرّة إلى الشّركاء الأجانب.
وتتولّى الأمم المتحدة وبعض القوى الاستعمارية القديمة على غرار فرنسا، مسؤولية ملفّات حسّاسة في القارة على غرار الملف الليبي وبعثات حفظ السلام في مالي والكونغو والصومال وغيرها من المناطق السّاخنة، بسبب غياب القدرات المادية لدى المنظمة القارية.
السّلم والأمن
وكما هي العادة في السنوات الأخيرة، حضرت قضية هندسة السلم والأمن في القارة، في أشغال الدورة 30 للاتحاد الإفريقي، وارتبطت هذه المرة بالاستعداد لعودة حوالي 6000 إرهابي من سوريا والعراق.
وباعتبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منسّقا لدى الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب والتطرف، طرحت الجزائر وثيقة جد هامة لمكافحة التطرف العنيف والظاهرة الإرهابية، وعبّرت على لسان الوزير الأول أحمد أويحيى عن استعدادها لتقاسم تجربتها في المجال.
وتعتمد الوثيقة على استراتيجية شاملة، تقوم على مكافحة الإرهاب ووضع آليات استباقية لحماية الشباب من التطرف والاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية.
وتتضمّن محاور المصالحة الوطنية وتكريس الديمقراطية، وإقحام المؤسّسات الدّينية والتّربوية، والتصدي للجريمة الالكترونية.
وتواجه القارة السمراء تحديات معقّدة، حيث تتشابك أولويات التنمية الاقتصادية بشتى أبعادها، مع ضرورة تكريس السلم والأمن، ويتطلّب كل محور أموال طائلة واستراتيجيات معمّقة.
ويمر اكتساب الاتحاد الإفريقي للقوة الكاملة للتحرك بالنجاعة المطلوبة في المسائل القارية، عبر إصلاح عميق كان الرئيس الحالي للهيئة القارية بول كغامي من أشد الدّاعين إليه، وتمثل سنة 2018 فرصة جادّة لتحقيق التقدم الملموس الذي تتطلّع إليه الشّعوب الإفريقية.