لا تبدو الأمم المتحدة، قادرة على ترجمة قراراتها إلى أفعال بخصوص معبر الكركرات، بالصحراء الغربية، حيث رفض المغرب إيفاد بعثة أممية إلى المنطقة للتحقيق في الأسباب الحقيقة وراء الأزمة التي نشبت العام الماضي بين طرفي النزاع، ومع عودة التوتر إلى المعبر الحدودي في الأيام القليلة لم يصدر عن غوتيرس سوى دعوات لضبط النفس.
عاد التوتر مجددا إلى معبر الكركرات الفاصل بين الأراضي الصحراوية وموريتانيا، والواقع في المنطقة العازلة بين الجيش الصحراوي والقوات المغربية وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار.
ورأت المغرب في تواجد الشرطة المدنية الصحراوية، بالمنطقة مطلع جانفي الجاري، خرقا للاتفاقات المبرمة بين الجانبين، وهدّد السفير المغربي على مستوى الأمم المتحدة عمر هلال بتصعيد الوضع.
والحقيقة أن اتفاق وقف إطلاق النار الاتفاقية العسكرية رقم 1، الموقعة بين جبهة البوليساريو والمغرب سنة 1991، وقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في أفريل الماضي لا تتعارض أبدا مع التواجد المدني في المنطقة، مثلما أكده المسؤول الصحراوي امحمد خداد.
وصدر عن مجلس الأمن الدولي الربيع الماضي القرار رقم 2351، والذي ينصّ في فقرته الثالثة على أن «أزمة الكركرات تطرح إشكاليات أساسية فيما يتعلّق باتفاق وقف إطلاق النار والاتفاقيات المتعلقة به الموقعة بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمغرب سنة 1991 في إطار مخطط السلام الأممي»، ويطالب في ذات الفقرة «من الأمين العام للأمم المتحدة بالبحث في وسائل حلّ الإشكاليات المطروحة».
وأوضح أحمد بخاري ممثل البوليساريو في الأمم المتحدة، في تصريح لواج، «أنه على أساس ذات القرار، الاتفاق على إرسال بعثة تقنية إلى منطقة الكركرات؛ وهو ما جعل الطرف الصحراوي وبعد شهر من صدور القرار يدخل في سلسلة اتصالات مع الأمانة العامة للأمم المتحدة وكذا قطاع عمليات حفظ السلام وقطاع الشؤون السياسية؛ من أجل التعجيل بتنفيذ القرار، لكن الرباط عارضت شهر سبتمبر الماضي بشكل قطعي قرار الأمانة العامة للأمم المتحدة في إيفاد البعثة التقنية وحلّ الإشكاليات المرتبطة باتفاقيات وقف إطلاق النار».
الطرف المعرقل
إن رفض المغرب إرسال بعثة أممية تقنية، للتحقيق في الأسباب الحقيقة وراء جعل منطقة الكركرات قنبلة موقوتة تهدّد بنسف اتفاق وقف إطلاق النار في أية لحظة، بما لا يدع مجال للشك، أن المسؤول الأول عن الخروقات المتتالية وما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
إذ لا يمكن أن يستمر الاحتلال المغربي، في استغلال منطقة عازلة محدّدة بموجب اتفاق أممي، لمصالحه الاقتصادية الخاصة، عبر فتح الممر أمام حركة المرور وعمله على تعبيد الطريق على الحدود مع موريتانيا الصيف الماضي.
وقالت جبهة البوليساريو في آخر بيان لها «أنه لا يستقيم إطلاقا الحديث عن وجود طريق تجاري يعبر منطقة عازلة، محظورة على الطرفين، في إقليم هو محل نزاع ولم يتمّ تحديد وضعه النهائي، ناهيك عن كون هذا الطريق يعود بالفائدة على طرف واحد، وهو قوة الاحتلال المغربي، مما يشجعه على الاستمرار في التعنت والتمرد على الشرعية الدولية».
وسبق للسفير الصحراوي بالجزائر، بشرايا حمودي بيون أن كشف لـ»الشعب»، أن أكثر من 3000 شاحنة مغربية تمرّ يوميا عبر المعبر، ما يعني مداخيل اقتصادية معتبرة تعود بالفائدة الحصرية على الاحتلال في وقت يفترض أن تكون المنطقة العازلة خالية من أي نشاط.
وبدى واضحا أن المغرب صار يمعن في ضرب قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، ولا يعير أدنى اهتمام للاتفاقات الموقعة مع الجانب الصحراوي ويتصرف من منطق الأمر الواقع، مستندا على دعم فرنسا للإفلات من الآليات التنفيذية لما يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
ولم يجد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، لحد الآن الوسائل العملية للتقدم في تفكيك ما قد يشكل فتيل حرب بين الجانبين في ظلّ التعبئة العسكرية التي تظهر في كل مرة بمعبر الكركرات.
واعترف غوتيرس، في رسالة بعث بها مطلع الأسبوع الجاري، للرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، بعدم تحقيق تقدم يذكر في مسألة تمكين إيفاد بعثة الخبراء الأمميين إلى المنطقة، وقال «أن جهوده ستتواصل لمعالجة المسائل العالقة الخاصة باتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 والاتفاقية العسكرية رقم 1».
ولم تتوقف الخروقات المغربية عند هذا الحد، حيث جرى استغلال الحدث الرياضي المتمثل في رالي «موناكو- دكار»، للترويج إلى الطرح التوسعي المغربي، وعمل المنظمون على تجاهل الوضع الاستثنائي للكركرات وقاموا بوضع العلمين المغربي والموريتاني، حسب ما أفاد به موقع المستقبل الصحراوي.
الطرف المتعقل
أبدت الجمهورية العربية الصحراوية مرة أخرى تعقلا كبير في ملف الكركرات، وأكدت للأمين العام الأممي، عدم وجود نية لديها «لتصعيد التوتر في المنطقة»، محملة في ذات الوقت الاحتلال المغربي، مسؤولية الخروقات المتتالية.
ظهور الجانب الصحراوي مرة أخرى في ثوب الطرف الأكثر تعقلا، لا ينبغي أن يفهم على أنه «موقف ضعف»، وإنما «التزام بالشرعية الدولية»، وحرص على السلام والاستقرار في المنطقة.
لكن كونه الطرف المبادر دائما إلى التهدئة، فهم من قبل القوة المحتلة، على ما يبدو، كتنازلات، ورأت فيها فرصة مواتية للمضي قدما في السياسة التوسعية والدوس على حقوق الشعب الصحراوي ونهب ثرواته وقمع الاحتجاجات السلمية وإصدار أحكام جائرة بحقّ السجناء السياسيين والمدنيين العزل.
لقد عبّر الشعب الصحراوي، في مرات عديدة عن غضبه الشديد من عجز الأمم المتحدة الوفاء بالتزاماتها تجاهه، والخاصة بتنظيم استفتاء تقرير المصير، وحماية الثروات الطبيعية وإيجاد آلية مستقلة لمراقبة حقوق الإنسان، دون أن يجد الصدى اللازم.
وفي مقابل ثقل تحرك الهيئة الأممية، واستمرار الخروقات والاستفزازات المغربية الجائرة، لا يملك الشعب الصحراوي إلا خياراته المشروعة في حمل السلاح مجددا، وهو قرار جاهز على طاولة جبهة البوليساريو، التي أكدت أن لصبرها على الحلول الأممية حدود.
ووقف الرئيس الصحراوي، إبراهيم غالي منتصف الشهر الماضي على الجاهزية القتالية للقوات المسلحة لبلده، حينما أشرف على مناورات عسكرية ناجحة بالمناطق المحررة.
وأمام بروز التوتر بالكركرات من فترة إلى أخرى، لا يمكن للأمم المتحدة إلى الإسراع في اتخاذ التدابير العاجلة لاحتواء الوضع وبشكل نهائي، قبل أن تنزلق الأوضاع إلى ما قبل سنة 1991.
وما على المبعوث الأممي الجديد إلى المنطقة هوريست كوهلر، إلا المرور إلى السرعة الثانية في تأديته لمهمته، من أجل تفعيل مسار المفاوضات الذي عبر عنه غوتيرس السنة الماضية واحتواء أزمة الكركرات المتجددة.