شهدت المحافظات الكبرى لإيران، احتجاجات شبيهة من حيث الحجم بما عاشته البلاد سنة 2009، وإذا كان السبب وقتها تهم تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق أحمدي نجاد، فإن الوضع الاقتصادي هو من أوقد شرارة الغضب الحالية، حسب ما يرى مراقبون.
وتراهن القوى المعادية لإيران على انزلاق الوضع نحو الأسوأ، بالشكل الذي يضعف النظام الايراني، وعلى رأس هؤلاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
ورغم بروز شعارات سياسية في المظاهرات التي اندلعت قبل أيام، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الدافع الأكبر لحركة الاحتجاج الجديدة هذه هي إجراءات التقشّف التي اتخذتها السلطات.
وقال إسفنديار بتمانقليج مؤسس مجموعة «أوروبا إيران بزنس فوروم» لوكالة فرانس برس، «ما يجعل الناس تنزل للشوارع عادة هي المشاكل الاقتصادية، والإحباط من عدم وجود فرص عمل، والغموض في مستقبل أولادهم».
وأضاف «لا شكّ أن إجراءات التقشّف صعبة على الرئيس حسن روحاني، لكنها ضرورية لمواجهة التضخّم ومشكلات العملة ولمحاولة تحسين قدرة إيران على جذب الاستثمارات».
لكن صبر الناس لا بد أن ينفد من هذه الإجراءات، بعد مدة طويلة من العقوبات المفروضة على طهران، بحسب المحلل.
وانطلقت شرارة هذه الاحتجاجات الخميس الماضي في مدينة مشهد، ثاني كبرى المدن الإيرانية، وسرعان ما عمّت عددا كبيرا من مدن البلاد، وأسفرت عن مقتل أزيد من 14 شخصا وتوقيف المئات ووقوع أعمال عنف في مناطق عدة.
ولم يتردد بعض المتظاهرين عن الذهاب بعيدا في الشعارات السياسية المعارضة ومستهدفين عددا من رموز النظام في هذه الاحتجاجات الأكبر منذ العام 2009.
واتهمت السلطات «عناصر معادية للثورة» تقيم في الخارج بالوقوف وراء حركة الاحتجاج، لكن البعض يشتبه في أن المحافظين، المنافسين لحسن روحاني والتيار الإصلاحي، يريدون عرقلة السياسة الاقتصادية للحكومة.
وقال المحلل السياسي المقيم في طهران أمير محبيان «هناك أدلة، ولا سيما في مشهد، على أن التظاهرات كانت منسّقة لتمرير رسائل سياسية».
ورأى في حديث لوكالة تسنيم إن منظمي التظاهرات لم يتوقّعوا على الأرجح أن تتسع بهذا الشكل مضيفا «لا يمكن اللعب بحركات الاحتجاج».
انهيار مؤسسات إقراض
لكن الغضب الذي أثارته الأوضاع الاقتصادية ينتشر في المجتمع الإيراني منذ سنوات، وقد هيمن على الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيارماي الماضي.
وازداد الغضب مع انهيار مؤسسات إقراض كانت تتعامل مع ملايين المستثمرين، وهذه الشركات انتشرت في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وانهارت مع انفجار الفقاعة العقارية.
وقال المحلل السياسي المقيم في طهران مجتبى موسوي «لم تفاجئني هذه التظاهرات، لقد شهدنا في العامين الماضيين تظاهرات ضد المصارف وشركات الإقراض».
وأضاف، «كل الناس يقولون إن المتظاهرين هم من الفقراء، لكن هناك الكثير من المتظاهرين من أبناء الطبقة الوسطى الذين فقدوا أموالهم».
الحق في التظاهر
وإضافة إلى الدوافع الاقتصادية الواضحة، ترتفع في إيران الأصوات المعترضة على التضييق على الحريات المدنية، حتى إن البعض من أوساط المحافظين يرون أن هامش الاحتجاج المتاح للإيرانيين ضيق.
وقال المتحدث باسم جمعية علماء الدين المجاهدين ذات التوجهات المحافظة غلام رضا مصباحي مقدام «دستورنا يقر حقّ التظاهر، لكن من الناحية العملية ليس هناك آليات لذلك».
وأضاف لوكالة إيسنا «ينبغي على المسؤولين أن يُنصتوا للشعب. وعلى وسائل الإعلام أيضا مسؤولية أن تغطي التظاهرات».
يستبعد بعض المحللين أن تشكل حركة الاحتجاج الجديدة هذه تهديدا جديا على نظام الجمهورية الإسلامية، ولا سيما لكونها غير منظمة، وقال موسوي «النظام يفضل التظاهرات السياسية، لأن التظاهرات ذات المطالب الاقتصادية يصعب السيطرة عليها».
ترامب يتفاعل
لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد عن التغريد على حسابه الرسمي بتويتر، بشأن المظاهرات في إيران، حيث يندّد بسلوك السلطات الايرانية تجاه المحتجين الغاضبين تارة، ويصدر أحكاما تارة أخرى.
واعتبر الرئيس الأمريكي أن «زمن التغيير» حان في إيران، وغرد قائلا: «الشعب الإيراني العظيم مقموع منذ سنوات وهو متعطش إلى الغذاء والحرية. ثروات إيران تنهب، وكذلك حقوق الإنسان، حان زمن التغيير».
وتابع «إيران تفشل على كل الأصعدة رغم الاتفاق الرهيب الذي وقعته معها إدراة أوباما»، مشيرا بذلك إلى الاتفاق النووي الذي وُقع في عهد سلفه الديمقراطي باراك أوباما وهو ينتقده بشدة.
الغارديان: لا تعلوا على إسقاط النظام
وكتبت صحيفة الغارديان البريطانية، أنه ينبغي لأعداء إيران عدم التعويل على اسقاط النظام الايراني القائم، وكتبت أن هؤلاء يرصدون الاحتجاجات ويترقبون المشهد كما ترصد الطيور الجارحة فرائسها من السماء، مضيفة «لكن الآمال في أن تؤدي تلك الاحتجاجات إلى انهيار النظام الإيراني ربما تكون سابقة لأوانها».
ولفتت الصحيفة إلى أن التطلعات التي عبر عنها صراحة الأمريكيين والإسرائيليين في أن تؤدي الاحتجاجات إلى إضعاف النظام الإيران أو إسقاطه ربما تكون نذيرا لتوترات خطيرة في المنطقة.
روحاني: الرد بالشعب
واللافت في الاحتجاجات الايرانية، هو لجوء الرئاسة إلى تهديد المتظاهرين المعارضين إلى الرد عليهم بواسطة «الشعب»، أي بمظاهرات مليونية مؤيدة للحكومة، ودعا الرئيس حسن روحاني إلى التحلي بالهدوء والسلمية وتفادي العنف والتخريب عند الاحتجاج.——