حذّر مفوّض السّلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، إسماعيل شرقي، قبل أيام قليلة، من عودة 6000 من عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى إفريقيا، داعيا إلى الاستعداد الجيد للتعامل معهم. وتتقاسم عديد الدول هاجس ما بات يسمّى «عودة الإرهابيّين إلى مناطقهم الأصلية».
عندما بلغ تنظيم «داعش» الإرهابي أوجّ قوّته سنة 2014، كان عدد عناصره الدموية يناهز 40 ألف، استقطبهم من مختلف دول العالم بواسطة أساليب دعائية فائقة التطور والدقة.
لقد شاهد العالم أجمع كيف انتقلت عناصر التنظيم الإرهابي من العراق إلى سوريا عبر قافلة طويلة من سيارات رباعية الدفع مدججة بالأسلحة الحديثة، كان سهلا يومها على طائرة حربية أن تمحوهم بقذيفة واحدة، لكن ذلك لم يحدث، وتم تسمين هذا الوحش الفتاك ليسطر على أراضي شاسعة.
حاز التنظيم الإرهابي على عدّة حربية غير مسبوقة، وعلى دعاية إعلامية متطورة للغاية، وعلى أموال ضخمة كعائدات من بيع النفط ومشتقاته في السوق السوداء، كل ذلك مكّنه من العبث بعقول الشباب وتجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وزوّدهم بالمال وتذاكر الطائرات للالتحاق بصفوفه في ساحات القتال بسوريا والعراق.
ورغم القوة التي بات عليها، لم يقدر في النّهاية أن يغيّر قاعدة عسكرية تاريخية تقول «إنّه لم يسبق أن هزمت جيوش نظامية على أيدي جماعات متمرّدة أو إرهابية»، وتلقّى الهزيمة تلو الأخرى في سرت الليبية، الموصل العراقية، ودير الزور والرقة السوريتين.
هل تبخّروا فعلا؟
منذ أواخر 2016، بدأت المخابر الأجنبية الحديث عن ما بعد «تنظيم داعش الإرهابي»، وتحدّث خبراء أمريكيون في الأسابيع القليلة الماضية، عن الاستعداد لمرحلة جديدة من القتال ضد هؤلاء الإرهابيين، بعد انتقالهم إلى الخطة «ب»، والتي أعدّوها مسبقا تحسّبا لانهيار سيطرتهم على مساحات واسعة.
ويرى بعض المراقبين، أنّ عناصر التنظيم الدموي «تبخّرت» من سوريا والعراق، وهي بصدد الإعداد للقيام بأعمال إرهابية تتلاءم ووضعهم الجديد، مثل نصب الكمائن والتفجيرات الانتحارية، والاعتماد على شبكات «الذئاب المنفردة» في أوروبا، أمريكا وإفريقيا.
لكن، وبالنظر إلى مجريات المعركة الشرسة التي شنّتها أكثر من دولة وباستخدام الطائرات الحربية المتطورة، والصواريخ المجنحة، يظهر جليا أن هناك من لا يريد إلحاق الهزيمة دعائيا بالتنظيم بعد هزيمته ميدانيا، فالتحذير المتواصل من قدرته على إلحاقه الضرر بالبشرية يدخل ضمن سياق تحضير الرأي العام إلى تقبل واقع جديد والاستعداد نفسيا لأشياء سيئة.
إذ يستحيل القول إن 40 ألف عنصر تبخّروا وفرّوا إلى مغارات الصّحاري والتضاريس الوعرة، لأن هذا الرقم كان أقصى ما استطاع التنظيم الإرهابي بلوغه من حيث العدة والعدد سنة 2014، وبعد 3 سنوات من القتال، هلك أغلبهم في المعارك تحت القصف الجوي للتحالف الدولي والروسي، وبرصاص الجيشين السوري والعراقي، وبعض قادة التنظيم أنفسهم.
وتكشف الشّهادات الحية للفارين من صفوف التنظيم، كيف أنهم وجدوا عالما آخر بالغ التوحش، يعاكس تماما ما وعدوا به أثناء عملية الاستقطاب والإغواء، وأنهم كانوا يجبرون تحت تهديد السلاح والسكين على القتال في الصفوف الأمامية، ومن يتراجع يموت برصاصة في الرأس من الخلف.
لقد امتلأ نهر دجلة بجثث الإرهابيين في الرمق الأخير لمعركة الموصل، وقتل الآلاف منهم بل وتحدّثت مصادر استخباراتية عن هلاك أبرز قادة التنظيم الدموي وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي.
وبالتالي فإنّ الحديث عن عودة هؤلاء الإرهابيين، والذين لم يتبق منهم إلا قلة قليلة إلى بلدانهم الأصلية، يدخل ضمن إطار الدعاية والتحضير لمزيد من الحرب والقتال ولو بشكل مختلف.
أجندة التّجميع
لم يكن في مقدور تنظيم «داعش» الإرهابي، تشكيل قوة قتالية بذلك العدد لولا دعم الغرب، الذي كان يسعى سنة 2013 للإطاحة بالنظام السوري ولو بالتحالف مع الشيطان، فقد هيّئت المطارات لتسهيل تنقّل آلاف الشباب إلى سوريا والعراق.
وتحدّثت تقارير استخبارتية عن طائرات خاصة توجّهت من مطارات من شمال إفريقيا ممتلئة عن آخرها بمن وقعوا في شباك «داعش»، قبل أن تتغيّر المعادلة سنة 2015. ففي هذا العام ضرب الإرهاب باريس، وخلّف عشرات القتلى ومن حينها بدأ التحرك نحو تشديد الإجراءات حول المطارات، ورصد تحرّكات المتطرّفين ووضعهم على القوائم الاستخباراتية.
ورأى عميل وكالة الأمن القومي الأمريكي سابقا، إدوارد سنودن، أنّ «تسمين غول داعش» بتلك الطريقة الاستعراضية، يدخل ضمن استراتيجية دولية لتجميع أكبر قدر من المتطرّفين والإرهابيّين في العالم في مكان واحد حتى يسهل القضاء عليهم جميعا، وفي أسرع وقت ممكن خدمة للأمن القومي العالمي، وبالأخص للعالم الغربي.
لكن هذا الطّرح لا يجد الإجماع إلا في الشق المتعلق «بالتجميع»، والذي دائما ما ارتبط بأجندات تنافس دولي محموم تقوده أجهزة الاستخبارات.
ففي مالي مثلا، سيطرت الجماعات الإرهابية في ظرف وجيز سنة 2012، على إقليم شمال البلاد، وقدّمت نموذجا مصغّرا عن تنظيم داعش الإرهابي من خلال أسلوب تسيير المدن وترهيب المدنيين، وأكّد سكان الإقليم بعدها، أن هؤلاء الدّمويّين جاؤوا من بلدان مختلفة من آسيا، شرق إفريقيا أوروبا بمعنى أنّ عملية استقطاب كبرى استلزمت أموالا وجهدا لوجيستيا للنقل إلى منطقة التوتر.
هذا ما يخيف إفريقيا؟
وتخص قضية عودة الإرهابيين من مناطق النزاع إلى بلدانهم الأصلية، عشرات الدول، وأغلبهم من القارة الأوروبية، غير أن الظاهر في الحراك الدبلوماسي الدولي أن التركيز كله على إفريقيا.
وقد روّجت فرنسا الأسبوع الماضي لانتصارات الإرهابيين في الساحل، وقالت إنّ «الجماعات حقّقت انتصارات كثيرة ورمزية على الأرض»، مستخدمة الأمر كذريعة للتعبئة لقوة الـ 5 ساحل.
والحديث عن عودة 6000 إرهابي من الشرق الأوسط، يثير المخاوف في حالة ما إذا كان مرتبطا بخطة إعادة انتشار جديدة للإرهاب تستهدف إفريقيا ومناطق معينة منها.
وتشكّل ليبيا والصومال أحد أبرز منافذ الإرهابيين إلى قلب إفريقيا وخصوصا الساحل الإفريقي، ويمكن توقع الأسوأ في حالة انهيار كلي للعملية السياسية في ليبيا بعد تضارب آراء الأطراف الليبية بشأن صلاحية الاتفاق السياسي الموقّع سنة 2015.