المقاربـــة الجزائريــة أظهــرت تحكّمـــا كبيرا في تأمين الحدود وتجفيف مصادر التمويل
استهلّ أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو السيد رابح زاوي حديثه لـ»الشعب» بالوقوف عند المذبحة التي أغرقت مسجد الروضة بسيناء المصرية الجمعة الماضي بدماء مئات الأبرياء، وقال بأنها عكست تغيّرا في أسلوب الدمويين، فبعدما كانوا يستهدفون قوات الجيش والأمن، حوّلوا أسلحتهم الى المدنيين، ما يعكس ـ كما أضاف ـ حجم التحدّي الأمني الذي تواجهه ليس فقط مصر ولكن مناطق عديدة من افريقيا التي تضم وحدها أكثر من 50 تنظيما إرهابيا باتوا يشكلون طوقا ناريا ممتدا على مساحة شاسعة تشمل العديد من الدول خاصة في الساحل.
الاستاذ زاوي عرّج على الخطر الارهابي في أفريقيا، وأقرّ بأن مواجهته تستدعي مقاربة موحّدة وتنسيقا محكما، وشدّد على أهمية الإستراتيجية الأمنية الجزائرية التي أبانت عن تحكم كبير في ميكانيزمات تأمين الحدود وتجفيف منابع تمويل التنظيمات الدموية وحل الأزمات سلميا، وختم بالتأكيد على أن المبادرات الدولية تتخد من مكافحة الإرهاب ذريعة للتدخل في الشؤون الإفريقية وتبرير سياساتها التوسعية والاستعمارية لا أكثر ولا أقل.
«الشعب» بينما يتمّ دحر «داعش» في سوريا والعراق، يسجّل الإرهاب ضربات قوية في مناطق أخرى، كمصر مؤخرا وقبلها نيجيريا والصومال، فهل يعني أن الدمويين غيروا مواقعهم؟
الاستاذ رابح زاوي: أعتقد أن العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت مصلين في أحد مساجد سيناء، تعدّ الهجوم الأعنف في تاريخ مصرمن حيث عدد الضحايا، وعكست تطورا نوعيا في أسلوب الدمويين، فالجماعات الارهابية التي كانت تستهدف عادة نقاطاً عسكرية وأمنية، أو أفراداً من قبائل وعائلات تعاونت مع الشرطة والجيش، نقلت عملياتها باتجاه الشعب، وهو مؤشر له دلالته الخاصة، حيث إن تلك الجماعات كثيرا ما تقوم بمذابح لفكّ الحصار المفروض عليها من خلال استهداف أماكن لا تخطر على بال أحد أو لا تتمتع بتغطية أمنية كبيرة، والنتيجة مثلما تابعنا الجمعة الماضية، حجم هائل من الضحايا المدنيين والذين يشكلون نحو 20 في المئة من سكان سيناء.
أما مسألة دحر «داعش» فأظنها تحتاج إلى نظر، أولا صعود التنظيم الارهابي وانهياره بالصورة التي شاهدناها لم يكن ليحدث لولا التدخل الروسي العسكري في سوريا، فما تعرض له داعش من هزائم كان أمرا مُثيرا للدهشة بالنظر إلى ما حقّقه خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث كان يسيطر على مناطق يعيش فيها ما يزيد عن 8 ملايين شخص، ويوجد بها حقول نفطية، ومزارع واسعة، واستطاع عبر سيطرته على المناطق الحدودية العمل في تجارة السلاح، فحصل على أموال طائلة.
في إعتقادي، خسارة التنظيم الإرهابي للموصل، والتي كانت عاصمته الاقتصادية، مهّد لما تعرض له من هزيمة في العراق وسوريا، ويمكن إضافة متغير آخر، هو عودة «المقاتلين» أي الارهابيين الشباب (رجالا ونساءَ) إلى بلادهم، بعضهم يعمل على تجنيد عناصر جديدة، بينما يسعى آخرون إلى شن هجمات على المراكز الحيوية في الغرب.
أفريقيا وحدها تضمّ أكثر من 50 تنظيما إرهابيا
يتخوف كثيرون من أن تتحول إفريقيا إلى حاضنة لإرهابيي الدولة الاسلامية، وبأن يحصل إندماج بين هؤلاء وبين التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة؟
أعتقد أن استعراض خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم كفيل بتوضيح أن القارة الإفريقية لوحدها تضم أكثر من 50 تنظيما إرهابيا، موزعين بين جماعات، تنظيمات، حركات إرهابية، لكل منها فكرها الإرهابي وأصولها الدينية التي تستمد منها تشريعها الخاص، فبعضها منتشر من أقصى الساحل الإفريقي غربا إلى غاية الناحية الشرقية، أي أننا نتحدث هنا عن مساحة جغرافية هائلة وهو ما ساهم في تداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والفراغ الأمني في تلك المنطقة.
كما أن حالة الحراك العربي منذ 2011، وما أفرزته الحالة الليبية بعد سقوط النظام السابق، استغلته تلك الجماعات في توفير إمدادات مستمرة من الأسلحة مكنتها من تنفيذ عمليات إرهابية ضخمة في كل من مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو، فضلاً عن ضعف الرقابة على الحدود الذي سمح للدمويين بالتنقل من بلد لآخر بمنتهى السهولة.
أما من ناحية الإطار الفكري، فقد أصبحت معظم تلك الجماعات تتبنى فكر إقامة دولة الخلافة، ويتجلى ذلك في ازدياد ظاهرة مبايعة التنظيمات المحلية لنظيرتها الدولية، ولعلّ أبرزها مبايعة جماعة بوكو حرام لتنظيم داعش وتجنيد دموييها لينفذوا عمليات له في أفريقيا بعد سنوات عديدة من التبعية الفكرية لتنظيم القاعدة، وهو ما يعكس ما يمكن أن نطلق عليه «بإقامة حزام إرهابي» بشمال وغرب إفريقيا.
وبالموازاة مع تطور الإطار النظري لتلك الجماعات شهدت قدراتها وإمكانياتها تطورًا مخيفًا، وانتقلت من تنفيذ عمليات الاختطاف، الاغتيال، والتخريب، والتي تتطلب أسلحة خفيفة وعبوات ووسائل اتصال محدودة، إلى القدرة على مواجهة القوات النظامية في معارك بالأسلحة المتوسطة والثقيلة ووسائل الاتصال المتقدمة ووسائط التواصل الاجتماعي الحديثة في التعبئة واستقطاب المقاتلين الشباب.
أما فيما يتعلّق بإحتمال إندماج تلك التنظيمات في فصيل واحد، أعتقد أن الأمر صعب نوعا ما لعدة اعتبارات، أولها أننا هنا بصدد الحديث عن رقعة جغرافية واسعة، ومع عملية التضييق الكبير الذي حصل في السنوات الأخيرة كنتيجة للإستراتيجية الأمنية الجزائرية المحكمة والتي أبانت عن تحكم كبير في ميكانيزمات تأمين الحدود وتجفيف منابع تلك التنظيمات، - وهو الأمر الذي برز بشكل كبير في تعاملها العقلاني مع الأزمة الليبية وحالات تدفق الأسلحة الكبيرة في المنطقة، وبالتالي البعد الجغرافي الواسع - قد يصعب من مسألة تلاقي تلك التنظيمات وتوحيدها، أما في حالة الحديث عن مبايعتها لتنظيم أو فصيل إرهابي معين فأعتقد أن الأمر لن يغير الشيء الكثير لأنه سبق وأن شهدنا مبايعة تلك التنظيمات لتنظيم داعش، ولكن هذا لم ينعكس على أداء تلك التنظيمات التي ما فتئت تتلقى الضربة تلو الأخرى.
المبادرات ذرائع للتدخل والهيمنة
التحدي الأمني يتزايد في إفريقيا، فكيف السبيل لمواجهته، وهل بإمكان المجموعات العسكرية المحلية، كمجموعة «5 ساحل» أن تدحره؟
حقيقة، المعضلة الأمنية في المنطقة كانت ومازالت، يعني أنها ليست بالظاهرة الجديدة، ما حدث هو تكييف تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية لوسائلها مع التحولات الحاصلة في المنطقة، وهو الأمر الذي فرض ويفرض على دول المنطقة ضرورة التكيف أيضا معها والعمل على التصدي لها، والأكيد أن هذا الأخير لن يحدث بصفة منفردة، أو وفق سياسات متداخلة، وإنما وفق رؤية موحدة وواحدة، الخطر واحد وله تأثيرات على دول المنطقة كلها، ولنا في الأزمة الليبية أبرز مثال، وقد سبق للجزائر أن حذرت من تداعياتها ، لكن لا أحد التفت إلى ذلك، والنتيجة حجم هائل لتذفق السلاح، وارتفاع للعمليات الإرهابية.
من جهة أخرى، تبدو المقاربة الجزائرية متكاملة العناصر، أي الجمع بين متغيرات (مفهوم الإرهاب/ التمويل/ الإنتشار)، وهي تستدعي تعاونا بين دول المنطقة، وحرصا على تجفيف الموارد المالية للتنظيمات االدموية في صورة (الفدية، التهريب، الجريمة المنظمة).
أما بالنسبة لدول المجموعة (5) للساحل، فالملاحظ أنها قد أخذت تعريفا ضيقاً للمنطقة، وذلك بالاعتماد على الدول الرئيسية والأكثر تأثيراً فيها، وهي الدول الخمسة التي شكلت المجموعة، (بوركنا فاسو ومالي والنيجر وموريتانيا وتشاد) وهو تعريف أخذ في الاعتبار المعيار الاستراتيجي (نتحدث هنا عن مساحة تفوق 5 ملايين م2)، وهنا يمكن فهم انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة إلى جملة من العوامل أهمها سهولة التنقل بين الدول وبعضها البعض، علاوة على الطبيعة الداخلية، الاقتصادية والعرقية والقبلية، للعديد من الدول التي تشجع على إفراز تنظيمات ارهابية، في كل من موريتانيا ونيجيريا ومالي.
وفي ظلّ هذا الانتشار وجدت مبادرات إقليمية ودولية، حيث أن المبادرات الإقليمية بعضها مجرد تعهُّدات لم تنفذ، كالمبادرة التي تعهدت بها «إيكواس» لإنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في إجتماعها العادي الـ (49) الذي انعقد في «دكار»، وبعض المبادرات نُفِّذت لكن لم تؤت ثمارها حتى الآن كمبادرة لجنة حوض وبحيرة تشاد (CBLT) أما المبادرات الدولية فالراجح أنها لم يكن الغرض منها القضاء على الإرهاب بقدر ما أنها اتَّخذت من الإرهاب ذريعة للتدخل في الشؤون الإفريقية وتبرير سياساتها التوسعية والاستعمارية، وليس التدخل الفرنسي وبناء القاعدة الأمريكية في النيجر استثناء من هذا التوجه.
ما العمل لمواجهة هذا الوحش الكاسر؟
أعتقد أن تبني استراتيجية موحدة وفق المقاربة الجزائرية الشاملة بإمكانه تحقيق نتائج جيدة في هذا المجال، فلا يوجد دولة لها نفس خبرة الجزائر، كما أنها تقف نفس المسافة المتساوية من جميع الأطراف في المنطقة، إلى جانب ذلك يجب العمل على كبح الموارد المالية وتجفيفها من خلال تجريم الفدية ومراقبة حركة رؤوس الأموال غير الشرعية، إلى جانب كل ذلك تبرز أهمية إعادة بناء الدولة في ليبيا وتعزيزها في مالي والتي أضحت تجد فيهما الحركات والتنظيمات الإرهابية فرصة للتغلغل وتنفيذ مختلف عملياتها.