بعد أسبوع مر طويلا على زيمبابوي، رضخ الرئيس روبرت موغابي لضغط الجيش وقدم استقالته للبرلمان، أمس، واضعا نقطة النهاية لـ 37 عاما من الحكم.
وأكد موغابي (93 عاما) في رسالة وجهها للبرلمانيين أنه تنازل عن صلاحياته طوعا من أجل ضمان الانتقال السلس للسلطة في البلاد.
انفضت الأعمدة الثلاث للنظام في زيمبابوي من حول الرئيس روبرت موغابي (93 عاما)، حيث أعلن الجيش والحزب الحاكم والمحاربون القدامى، عن رغبتهم في أن يتلو على الشّعب بيان استقالته للذهاب نحو فترة انتقالية تحضّر للانتخابات الرّئاسية السنة القادمة.
استطاع موغابي طيلة مساره السّياسي والعسكري، الانتصار على خصومه من الدّاخل والخارج، فهو ذلك الزّعيم القومي الذي حارب الاستعمار البريطاني وطرده من البلاد لتأسيس دولة زيمبابوي المستقلّة سنة 1980.
وصمد في وجه أقوى موجة معارضة تحدّت حكمه سنة 2002، ولم يأبه بمواقف الدول الغربية لبقائه في الحكم طيلة 37 سنة كاملة.
غير أنّ الأركان التي أسندت توازن موغابي طويلا أمام العواصف التي واجهته، اهتزّت هذه المرّة، فقد تخلّى عنه الجيش ورفقاء السّلاح (قدامى المحاربين) وحزبه الحاكم (الاتحاد الوطني الأفريقي بزيمبابوي / الجبهة الوطنية)، ولم يتبق له سوى خبرات السنين الطّويل للتّعامل مع الموقف الصّعب لتأمين مخرج للأزمة.
ورغم تدهور أوضاعه الصحية في السنوات الأخيرة بعدما بلغ 93 سنة من عمره، كان ينوي الترشح لفترة رئاسية العام القادم، ومواصلة الحكم إلى سن الـ 100 سنة.
الشّكوك حول قدرة الزّعيم الثوري على صناعة الاستثناء عالميا والبقاء في السّلطة لأطول فترة ممكنة، راودت هذه المرة أقرب مقرّبيه وليس المعارضة السياسية، وقد شرعت سكرتيرته السّابقة وزوجته غريس، في جس نبض زوجها لتحل محله، وقالت سنة 2014 في تجمّع شعبي: «يقولون إنّني أريد أن أكون رئيسة، لماذا لا...ألست من زيمبابوي؟».
أكثر تعقيدا؟
حينما قالت غريس موغابي عن زوجها في إحدى النّشاطات الانتخابية أنّه سيفوز بالانتخابات ولو ترشّح كجثّة، بدت متأكّدة من شعبية زوجها وظنّت أنّ ارتباطها به لأزيد من عقدين من الزّمن، قد يسمحان لها بالجلوس مكانه دون عناء كبير.
ورأت في السّنوات الأخيرة، أنّها الأقرب والأحق إلى خلافته، خاصة بعدما عزّزت مكانها في السّلطة لمّا ترأّست الرابطة النسائية للحزب الحاكم (زانو / الجبهة الوطنية)، واكتسبت مقعدا في المكتب السياسي.
طريق غريس إلى الرّئاسة لم يكن معبّدا كما توقّعت، وكان عليها أن تزيح نائب رئيس الجمهورية إيميرسون منانغاغوا وداعميه، من داخل الحزب وخارجه، وبينما كانت تكثّف حملاتها لاستكمال مشروعها، حسمت المؤسّسات المؤثّرة موقفها من معركة السيدة الأولى وخصمها اللّذوذ.
ليس الرّئيس المطلق؟
في 15 نوفمبر الجاري، وعندما تحرّك الجيش تجاه قصر الرّئاسة، واضعا موغابي تحت الإقامة الجبرية، على خلفية إقالته لنائبه منانغاغوا، اتّضح جليّا أنّ الرّئيس التسعيني ليس الحاكم المطلق للبلاد، وأنّ بقاءه طيلة هذه المدّة في الحكم مرتبط بتوازنات من داخل نظامه.
وآخر شيء توقّعه صنّاع القرار في المحيط العائلي للرّئيس، هو تحرّك الجيش ومنظّمة المحاربين القدامى وأجنحة الحزب المختلفة بمجرد الإمضاء على قرار إقالة نائب الرئيس، ما يؤكّد المكانة الكبيرة للأخير وصحّة توجّس السيدة الأولى من نفوذه.
ويبدو واضحا أنّ المؤسّسات البارزة في زيمبابوي، تجنّدت خلف موغابي طيلة العقود الماضية، لكنّها لا ترى في شخص آخر من عائلته خليفة له، وبالأخص زوجته التي تعاني من تضاؤل كبير في الشّعبية نظرا لما ترسّخ لدى الرأي العام عن كونها امرأة بدخ وإنفاق، في أحلك الظّروف الاقتصادية التي عرفتها البلاد.
بين موغابي ودوس سانتوس
أظهرت تجارب الحكم في إفريقيا تساهل الرّأي العام والمؤسّسات المؤثّرة، مع تواتر العهدات الرّئاسية للرّؤساء، مقدّمة اعتبارات الماضي التّاريخي ومبدأ ديمقراطية الصّندوق والحفاظ على الاستقرار والاستمرارية، وغالبا ما انتهت حقبة زعماء بانقلابات أو انفلات أمني عقب انتخابات أبانت فيها المعارضة عن قوة شعبية كبيرة.
ولم يخرج الرّئيس الزيمبابوي موغابي عن هذا الاستثناء طيلة سنوات حكمه، وبقي دون عناء كبير في السّلطة، قبل أن يرتكب خطأ استراتيجيا كلّفه غاليا، والمتمثّل في رغبة «توريث الحكم لزوجته».
وبالمقارنة، مع نماذج الحكم في إفريقيا، يشبه مسار موغابي إلى حد بعيد مسار الرّئيس السّابق لأنغولا، خوسيه إدواردو دوس سانتوس، الذي غادر مكتبه الرّئاسي دون رجعة هذه الصّائفة بعد 38 سنة من الحكم.
وتفادى الرّئيس الأنغولي ما وقع فيه موغابي، عندما اختار طريقا آخر غير التّوريث في تعيين خليفته، رغم أنّ ابنته ايزابيل تتصدّر قائمة النّساء الأكثر تأثيرا وثراءً في إفريقيا، وذاع صيتها في عالم الأعمال، وشغلت منصب أمينة عامة لشركة النفط الوطنية الأنغولية لعدة سنوات.
وبدل إيزابيل، اختار الرّئيس الأنغولي المنتهية ولايته جواو لورنشوا كمرشّح عن الحزب الحاكم، وشارك في الحملة الانتخابية لصالحه في استحقاقات أوت الماضي، محافظا بذلك على ريادة الحزب وتماسكه، وتجنّب الدّخول في متاهة جديدة من اللاّإستقرار، عقب سنوات طويلة من الحرب الأهلية.
وكان يمكن لموغابي أن يتفادى هذا السّيناريو غير المتوقّع، لو حافظ على التّوازنات داخل نظامه، وعدم الانحياز لزوجته ضد نائبه إيميرسون منانغاغوا، وتجنّب الحديث عن خلافته قبل الانتخابات الرّئاسية المقرّرة العام القادم.
انقلاب ناعم
حاول جنرلات الجيش الزيمبابوي تجنّب إعطاء صفة الانقلاب العسكري لتحرّكهم ضد موغابي، حتى وإن أخضعوه للإقامة الجبرية، وسيطروا على التّلفزيون الرّسمي وقراءة بيان المطالبة بالتّنحي.
وخاضوا جلسات حوار مباشرة مع موغابي، سعيا للتوصل إلى حلّ وسط يقضي بانسحابه من المشهد بأقل الأضرار، وذكرت وسائل الإعلام المحلية، أنّ مباحثات الجنرلات مع الزّعيم التاريخي للبلاد، تركّزت بالأساس عن تأمين مخرج مشرف له وضمان عدم متابعته وعائلته، مثلما كان الحال مع رئيس غامبيا السابق يحيى جامع الذي غادر البلاد نحو السنغال بعد توقيع اتّفاق الأمان، لكن موغابي لم يرد قضاء بقية حياته في إحدى البلدان الإفريقية المجاورة، واستهدف صيانة صورته كزعيم ثوري ورئيس تاريخي لبلاده.
كما أنّ المؤسّسات في زيمبابوي اختارت طريقا سياسيا لإجبار موغابي على الاستقالة، عبر آلية سحب الثّقة منه كرئيس للحزب الحاكم، وتخلّي جمعية المحاربين القدامى والمنظّمات الشبابية عن دعمه، وإعلانه الولاء لنائب الرئيس المقال ايمرسون منانغاغوا.
وفي سياق تسلسل الأحداث، يمكن التّأكيد على أنّ زيمبابوي تفادت الانزلاق إلى دوّامة من العنف الشّديد، وفتحت عهدا جديدا بأخف الأضرار الممكنة، والسّبب في ذلك يعود إلى أنّ أزمة الخلافة نشبت داخل أركان النّظام، وليس كصدام مع المعارضة على أسس عرقية أو قبلية.
عادت مسألة إصلاح مجلس الأمن الدولي إلى الواجهة، ومعها عاد مطلب إنصاف القارة الأفريقية ومنحها مقعدين دائمين في هذه الهيئة الأممية التي باتت رهينة مجموعة دول عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكنّها للأسف الشديد هي التي تقرّر مصير العالم وهي التي تقوده في الاتجاه الذي تريده.
في سطور
الاسم الرسمي: جمهورية زيمبابوي
الاسم المختصر: زيمبابوي
العاصمة: هراري
اللغة: الإنجليزية
النظام السياسي: ديمقراطي برلماني
تاريخ الاستقلال: 18 أفريل 1980 عن المملكة المتحدة
العملة: الدولار الزيمبابوي
الجغرافيا
الموقع: تقع زيمبابوي جنوب شرق القارة الأفريقية، تحدها من جهة الشرق والشمال الشرقي موزمبيق، ومن الشمال والشمال الغربي زامبيا، فيما تحدها غربا بوتسوانا وجنوبا دولة جنوب أفريقيا.
المساحة: 390.757 كيلومترا مربعا.
الموارد الطبيعية: الفحم، الذهب، النيكل، النحاس، القصدير، الحديد
السكان
العدد: 13.771.721 نسمة تقديرات جويلية 2014.
التوزيع العرقي: 98% أفارقة، 1% بيض، 1% آسيويون.
الديانة: 50% ديانة توفيقية (مزيج من المسيحية والأديان الوثنية)، 25% مسيحيون، 24% معتقدات محلية، 1% مسلمون.
الاقتصاد
أهم المنتجات: التبغ، الذهب، الفحم، البلاتينيوم، القطن، المنسوجات، الألبسة، الذرة، الحبوب.